2022 أبريل 18 - تم تعديله في [التاريخ]

منظمة المرأة الاستقلالية تتدارس مدونة الأسرة

أساتذة جامعيون ومحامون وجمعويون في ضيافة منظمة المرأة الاستقلالية لتسليط الضوء على مدونة الأسرة


العلم الإلكترونية - زهير العلالي/تصوير: حسني

نظمت منظمة المرأة الاستقلالية، يومه الخميس 14/04/2022 بمقر حزب الاستقلال بالرباط، بشراكة مع رابطة المحامين الاستقلاليين، ندوة وطنية حول موضوع "مدونة الأسرة بين ثغرات التنزيل ومتطلبات التغيير".

وقد شهد اللقاء مشاركة فعاليات حزبية وحقوقية، وأساتذة جامعيين ومحامين وجمعويين من داخل وخارج الوطن، إضافة إلى حضور الأستاذة خديجة الزومي، رئيسة منظمة المرأة الاستقلالية، والأستاذ خالد الطرابلسي، رئيس رابطة المحامين الاستقلاليين، قصد إغناء النقاش العمومي حول موضوع مدونة الأسرة التي باتت مطالبة بضرورة التغيير، في حين سُيرت الندوة من طرف الأستاذة إلهام بلفحيلي، باحثة في القانون الخاص ورئيسة جمعية إنماء.

وفي هذا الصدد، أشارت رئيسة منظمة المرأة الاستقلالية، ذة. خديجة الزومي، إلى أنه بدأت تظهر ثغرات في مدونة الأسرة، وذلك بعد مضي 20 سنة تقريبا عن صدورها. ثغرات نلمسها من خلال الارتفاع المهول لحالات الطلاق، خصوصا طلاق الشقاق، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن ما هو سبب ارتفاع الطلاق بهذا الشكل؟ ولماذا بالضبط طلاق الشقاق؟ مؤكدة في تصريح لـ"العلم"على ضرورة العناية الكاملة بالأسرة باعتبارها مكونا أساسيا للمجتمع، وصلاح المجتمع مرتبط بصلاح شؤون الأسر، و"ليس من مصلحة أي أحد تفكك الأسرة"، وهو ما يستدعي حسبها فتح نقاش في جميع القضايا المتعلقة بهذا الموضوع.

ولفتح هذا النقاش العمومي ارتأت منظمة المرأة الاستقلالية،انطلاقا من فرعها المركزي بالرباط، حسب المتحدثة ذاتها، استدعاء مجموعة من المتدخلين من مختلف المشارب، للاستماع إلى الرأي والرأي الآخر، والإنصات إلى نبض جميع فئات المجتمع، خصوصا رابطة المحامين الاستقلاليين، بحكم ممارستها القانونية وعلمها الكثير عن الثغرات المتعلقة بمدونة الأسرة، وذلك من أجل إعطاء أرضية تضعها منظمة المرأة الاستقلالية في إطار الاستعداد لنقاش جماعي قصد المطالبة بما يجب تغييره أو تعديله "كي نكون في حركة متنامية ومتماهية مع المجتمعات".

أما رئيس رابطة المحامين الاستقلاليين، ذ. خالد الطرابلسي، فقد أوضح أن هذه "الندوة تأتي في سياق نقاش مجتمعي عام حول مدونة الأسرة التي انطلق العمل بها سنة 2004، مؤكدا في تصريح لـ"العلم" أن الرابطة تسعى من خلال هاته الندوة إلى إبراز صوت حزب الاستقلال ورأيه، نظرا لتشعب التيارات الفكرية والأيديولوجية التي تنهل من هذا الموضوع، مسجلا أن "18 عاما من العمل والممارسة كفيلة بإبراز مكامن النقص التي تعتري فصول هذه المدونة".

وأكد خالد الطرابلسي، على أن دور الرابطة، يتمثل في طرح التيار المعتدل للحفاظ على توازن الأسرة، وذلك من خلال تعديل المدونة لتتلاءم مع المراجع الدستورية وكذلك المواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.

مدونة الأسرة جاءت نتيجة لتطور المجتمع والنضالات النسائية

وفي هذا السياق، أكدت ذة. فتيحة اشتاتو، محامية بهيئة الرباط، أن هناك عدة ثغرات ظهرت فعلا منذ تطبيق مدونة الأسرة سنة 2004 إلى حدود اليوم، مشيرة إلى أن المنحى المرجو منها لم يتحقق نظرا لوجود حيف وتمييز ضد النساء، وهو ما يستدعي حسبها تعديل مجموعة من فصولها أو قوانينها، من أجل ملاءمتها للدستور والاتفاقيات الدولية، خاصة وأن المغرب له التزامات أمام المنتظم الدولي.

وشددت ذة. فتيحة اشتاتو، على أن أول ما يستدعي التغيير في قانون مدونة الأسرة انطلاقا من مطالب الحركة الوطنية والنسائية هو الإذن للقاضي بتزويج القاصر دون سن 18 سنة، لأنه يشكل عنفا لها، كما ينتهي هذا النوع من الزواج في غالب الأحيان بالطلاق، الأمر الذي تترتب عنه آثار نفسية واجتماعية يكون ضحاياها غالبا هم الأطفال.

ومن بين ما يستدعي التعديل أيضا في مدونة الأسرة، حسب المتحدثة دائما، مسألة النيابة الشرعية، نظرا لما يعتريها من إشكالات، خاصة في ما يتعلق بالمسؤولية المشتركة بين الزوج والزوجة على الأبناء، واصفة الأمر بالمخجل لأن دستور 2011 منح الأسرة دورا كبيرا في استقرار المجتمع وليس العكس.

وأشارت المحامية بهيئة الرباط، أن قرارات مدونة الأسرة سنة 2004 جاءت نتيجة لتطور المجتمع والنضالات النسائية، وأفرزت لنا مستجدات متعلقة بالتفصيل القانوني، أبرزها محاكم أسرة منفصلة عن باقي المحاكم القضائية، وإقرار المسؤولية المشتركة للزوجين داخل الأسرة.

وسجلت المحامية، أن الوقت قد حان لملاءمة المدونة للدستور وللاتفاقيات الدولية، وإعادة صياغتها وفق نظرة قانونية ومنع زواج القاصرات والتنصيص على منع التعدد، وترسيم نطاق تمديد عقد الزواج، خاصة أن الدستور نص على مجموعة من الحقوق لحماية الإنسان بشكل عام والنساء والأطفال بشكل خاص.

مقتضيات المدونة لا تنسجم مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفتها بلادنا

أما ذة. سعاد بطل، محامية بهيئة الرباط، فقد طالبت بإدخال تعديلات على مدونة الأسرة، على اعتبار أن هناك مجموعة من الثغرات برزت على أرض الواقع مع تطبيق هذه المدونة، مثل تلك المتعلقة بتزويج القاصرات، وزواج المغاربة المقيمين بالخارج وزواج التعدد.

وتابعت المتحدثة، أنه طيلة 18 سنة على صدور مدونة الأسرة، اتضح أن هناك مجموعة من الاشكاليات، تبرز من خلال عدم انسجام مقتضيات المدونة مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفتها بلادنا، والأدهى من ذلك عدم انسجامها مع الوثيقة الدستورية لدستور 2011، الذي يعتبر برأيها دستورا متقدما وحداثيا جاء في ديباجة سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني.

وشددت المحامية بهيئة الرباط، على ضرورة إدخال تعديلات ولما لا تغييرا شاملا لمدونة الأسرة، خاصة أن مجموعة من الأحكام القضائية غير منسجمة في نظرها، والدليل على ذلك اختلافها من منطقة إلى منطقة ومن محكمة إلى أخرى، مستطردة القول "لابد من توحيد الأحكام والاجتهادات القضائية سيما أن بنود وفصول مدونة الأسرة تتصل بالمرأة وبالأسرة بصفة عامة". ودعت إلى إقرار مبدإ المساواة بين الزوج والزوجة داخل الأسرة، اعتبارا للمصلحة الفضلى للأبناء.

وفيما يتعلق بزواج المغاربة المقيمين بالخارج، نبهت المحامية ذاتها، إلى أن الإجراءات المسطرية المتعلقة ببلدان الإقامة تبقى معقدة، مسجلة ثغرات أخرى تعتري المدونة، تتمثل في إثبات النسب ومشكل الحضانة وما يرافقها من تأثيرات سلبية على نفسية الأطفال.

أصبحت مدونة الأسرة في حاجة إلى مراجعة مجتمعية

وعلى غرار سابقيه، قال فؤاد مسرة، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن "مدونة الأسرة بعد مرور ما يقارب عقدين من الزمن، أصبحت في حاجة إلى مراجعة مجتمعية، تشمل كل مكونات المجتمع، على أساس أن هذا الأخير عرف مجموعة من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية...".

وتابع الدكتور مسرة، "المنظومة القضائية عرفت نوعا من الجدة، على غرار دستور 2011 الذي تجاوز العشر سنوات من التطبيق، إضافة إلى مصادقة المغرب على مجموعة من المواثيق الدولية، ورفعه تحفظات في مواثيق أخرى"، وهو ما يشكل حسب المتحدث، بنية لمراجعة مدونة الأسرة، في أفق تحقيق الأهداف التي جاءت من أجلها، والمتمثلة في إنصاف المرأة ورفع الحيف عنها وصيانة حقوق الأطفال والحفاظ على كرامة الرجل، والتي لن تتم إلا بتعديل الثغرات التي لا يخلو منها أي عمل قانوني، مضيفا "لا بد أيضا من مستجدات وإجراءات مواكبة للأعمال والأهداف التي جاءت من أجلها مدونة الأسرة".

الوساطة الأسرية بديل للصلح القضائي

من جانبها اعتبرت حكيمة حطري، أستاذة التعليم العالي بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، أن هذه الندوة الفكرية هي ندوه ترافعية بالأساس، نظرا لتوقفها عند مجموعة من طلبات التعديل، والتي أصبحت حسبها ملحة وتستوجب التغيير خاصة أن مدونة الأسرة قضت زهاء 18 سنة من التطبيق.

وقد أبرزت ذة. حكيمة حطري، أن مدونة الأسرة تخللتها العديد من الإكراهات والصعوبات، والمواد القانونية التي أصبحت لا تليق بالمجتمع المغربي، معللة قولها بـ"لابد لكل قانون أن يكون مرتبطا بالبيئة التي ينشأ فيها ويتحدث عنها"، ومؤكدة أن جميع الأطياف والتوجهات والمنظمات الحقوقية أصبحت تطالب بتغيير مدونة الأسرة، والحال نفسه بالنسبة لمنظمة المرأة الاستقلالية التي اشتغلت على المدونة منذ انعقادها، من خلال العديد من المحطات والمناسبات.

وقد اعتبرت المتحدثة ذاتها، أن موضوع مدونة الأسرة هو جدل قائم ومتداول في المجتمع المغربي، الذي ينادي بضرورة تغيير وتعديل كل قانون وضعي، ما ينطبق على المدونة التي أصبحت العديد من بنودها تستوجب التغيير أو التعديل أو التنقيح، بما أنها جاءت لتنصف المرأة والرجل معا، وتعترف بمساواتهما في تدبير وتسيير شأن الأسرة، وهو ما يتنافى مع بنودها عند التطبيق.

وإضافة إلى تعديل مدونة الأسرة طالبت أستاذة التعليم العالي، باعتماد الوساطة الأسرية، التي أصبحت ملاذ أغلب الدول، لما تتسم به من نزاهة وحياد، وتجعل الخلاف بين الزوجين خارج أسوار القضاء، على اعتبار أن أي خلاف وصل إلى هذا الأخير يعمق من هوته وشقاقه. كما اقترحت في الوقت نفسه، أن تكون الوساطة الأسرية بديلة للصلح القضائي الذي أبان عن عجزه التام في القضاء على الحالات العديدة والكثيرة التي تعرض عليه.

الاجتهاد القضائي يتسبب أحيانا في إجهاض المكتسبات الحقوقية

وعن الندوة ذاتها، استعرضت ذة. فتيحة مقنع، محامية بهيئة مكناس، الإنجازات التي حققها المغرب في المجال الحقوقي منذ الاستقلال إلى غاية سن مدونة الأحوال الشخصية وانتهاء بمدونة الأسرة.

وذكرت ذة. فتيحة مقنع، أن المغرب عرف مسارا تاريخيا منذ صدور مدونة الأحوال الشخصية سنة 1957 مباشرة بعد حصوله على الاستقلال، إلى حين صدور مدونة الأسرة، بعدما ظهرت الحاجة إلى وضع قانون يوحد الحالات الشخصية، وقد شكل انطلاق الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية سنة 1999، منعطفا حاسما لظهور المدونة الجديدة في 17 أبريل 2001، وهكذا انتقل المغرب من قانون الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة في حدود 2004.

وقد أفادت المحامية بهيئة مكناس، أنه بالرغم من أن المدونة حققت مجموعة من الإيجابيات إلا أنها لم تخل من ثغرات لا زالت مدار نقاش من المهتمين والمتخصصين، منها زواج القاصر في سن 18 سنة، الذي قيدته المادة 20 من المدونة، حسب المتحدثة بالاستثناء، وذلك بقبول تزويج القاصر بمقرر معلل، والأدهى من ذلك أن تقرير النموذج التنموي أباح أيضا تزويج القاصر.

وأشارت المتحدثة ذاتها، إلى أنه من بين الثغرات كذلك، طلاق الشقاق الذي يعتبر حلا لبعض الزوجات اللائي يعانين من الإهانات أو التعذيب، حيث تم إدخال الزوج أيضا في تطليق الشقاق، فأصبح هو المستفيد من النفقة خلال ثلاثة أشهر لاعتبار أن الزوجة تكون "ناشز"، معتبرة أن الاجتهاد القضائي عوض أن يجازي المرأة عاقبها بعدم منحها مستحقاتها.




في نفس الركن