2025 نونبر 16 - تم تعديله في [التاريخ]

نبيل دريوش لـ"العلم": المغاربة أصبحوا الوجه الآخر للجدل السياسي حول الهوية في إسبانيا

الجالية المغربية مطالبة بتجاوز الانقسام الديني وتأسيس إطارات مدنية قوية وموحدة


أحداث كاتالونيا وضعف سيودادانوس مكّنا فوكس من الصعود السريع إلى قلب البرلمان الإسباني

حاوره: أنس الشعرة

في حوار خاص مع صحيفة "العلم"، يكشف الكاتب والباحث المتخصص في الشأن الإسباني نبيل دريوش، مؤلف كتاب "إسبانيا الآن: تحولات المشهد الإسباني 2008 – 2023"، عن الخلفيات العميقة لصعود حزب "فوكس" اليميني المتطرف في المشهد السياسي الإسباني، وعن كيف استطاع هذا الحزب أن يتحول من قوة هامشية إلى ثالث قوة برلمانية مؤثرة في ظرف وجيز.

ويتناول دريوش انعكاسات هذا الصعود على أوضاع الجالية المغربية، مبرزًا أن خطاب "فوكس" جعل من المهاجر المغربي هدفًا رئيسيًا لخطابه الشعبوي، ومكوّنًا أساسيًا في الجدل حول الهوية داخل إسبانيا. كما يقدم رؤية حول كيفية مواجهة المد الشعبوي سواء من طرف القوى السياسية الإسبانية أو من داخل الجالية المغربية نفسها.

نبيل دريوش، كاتب وباحث متخصص في الشأن الإسباني
كيف تفسرون صعود حزب فوكس في المشهد السياسي الإسباني خلال السنوات الأخيرة؟

ولد حزب  فوكس في سياق صراع داخلي بالحزب الشعبي اليميني بين تيارين رئيسيين تيار الصقور الذي كان يتزعمه خوسي ماريا أثنار وتيار المعتدلين الذي تزعمه غريمه ماريانو راخوي، واحتدم هذا الصراع عقب هزيمة الحزب في انتخابات 12 مارس 2008، وحسم لصالح ماريانو راخوي في مؤتمر فلنسية شهر يونيو2008، بعد هذا المؤتمر وجد مؤسس حزب فوكس سنتياغو أبسكال نفسه محاصرا وشعر أن التيار المتشدد الذي ينتمي إليه لم يعد له صوت، لذلك قدم استقالته التي نشرتها صحيفة" ايل موندو" وقتها، وبدأ يبحث عن تأسيس حزب جديد، ستلعب الصدفة دورا رئيسيا في لقاءاته مع شخصيات كانت إلى وقت قريب تنتمي للحزب الشعبي، منها ايبان اسبينوزا دي لوس سانطوس وزوجته روسيو موناستيريو ومحامي يدعى خابيير أورتيغا سميث، علاوة على شخصية مرموقة سياسيا هو بيدال كوادراس.

الحزب لم يحقق إلا نتائج ضعيفة في الانتخابات الأوربية لماي2014 ، ثم انتخابات 20 دجنبر 2015 و الانتخابات المعادة ل26 يونيو 2015، لم يكن صوته مسموعا وكان حزب  "سيودادنوس" وقتها هو المنافس الحقيقي للحزب الشعبي، لكن هناك سياقات سيستفيد منها حزب فوكس أبرزها اندلاع الانفصال في كاتالونيا، مما جعل أفكاره تلقى قبولا، حيث قاد جبهة الدفاع عن الوحدة الترابية الاسبانية، وتحلق حوله كل  الشوفينيين الإسبان الذي اصبحوا يرونه ممثلا لهم، ولهذا سيستطيع الحزب الدخول إلى البرلمان في أبريل  2018 بحصوله على 24 مقعدا، بل إنه في الانتخابات المعادة في 10 نونبر 2019 تمكن من مضاعفة هذا الرقم وحصل على 54 مقعدا برلمانيا وأصبح القوة الثالثة في البلاد، فأحداث كاتالونيا وضعف حزب سيودادنوس قبل اندثاره مكنه من التقدم في المشهد السياسي الإسباني في غضون سنوات قليلة.

س: إلى أي مدى يُعتبر هذا الصعود جزءًا من موجة أوروبية شعبوية، أم أنه يحمل خصوصية إسبانية مرتبطة بالسياق التاريخي والسياسي المحلي؟

صحيح أن هذا الحزب لا يمكن فصله عن الموجات الشعبوية التي اجتاحت الغرب بحكم أن له علاقات قوية مع الجبهة الوطنية الفرنسية بقيادة مارين لوبان، و حزب رابطة الشمال  الايطالي بزعامة ماتيو سلفيني، بل تربطة حتى علاقات بالشعبوي الأمريكي ستيف بانون وبالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكن يجب ان نستحضر خصوصية هذا الحزب الذي نشأ وترعرع في تربة اسبانية محضة وضمن سياقات خاصة شرحت بعض جوانبها في معرض الجواب عن السؤال الأول، فاسبانيا كانت البلد الوحيد التي لا تتوفر على حزب يميني متطرف منذ عام 1982، عندما اختفى آخر حزب من هذه العائلة تماما من المشهد السياسي، وتحكمت عدة ظروف في ذلك، منها سيطرة الاشتراكيين على المشهد منذ عام 1982 حتى عام 1996 بزعامة فليبي غونزاليس، ومحاولات تجميع قوى اليمين من طرف مانويل فراغا في التحالف الشعبي و الحزب الشعبي لاحقا بقيادة أثنار، وكان هؤلاء يمثلون تيارا داخل الحزب، لكنه غير ظاهر إلى أن جاء الانشقاق الذي قاده سنتياغو أبسكال للأسباب التي شرحتها.

س: هل يمثل فوكس تهديدًا جديًا للتوازن السياسي الإسباني أم مجرد قوة انتخابية عابرة؟

 يمثل فوكس لحدود اليوم تهديدا للتوازن التقليدي الذي نشأ عقب فترة الانتقال الديموقراطي، فهو ما زال يمتلك قاعدة عريضة من الأتباع في إسبانيا، مثلما أن منافس شرس للحزب الشعبي وله قدرة على تهييج الشارع وفقا للأفكار المتطرفة التي تحركه، كما أن معارضته الشرسة للحزب الاشتراكي الإسباني تكسبه تعاطف قطاعات يمينية مهمة، مثلما أن يمثل صوتا قويا لقطاعات داخل الجيش الاسباني و الكنيسة الإسبانية، وله دعم كبيرة من قطاعات لرجال أعمال أسبان وشبكة علاقات دولية مهمة.

أكيد أن ما سيضعف فوكس هو المنحى الذي ستسير فيه تطورات الأحداث داخليا ودوليا، فهو يستفيد حاليا من الضربات التي يتلقاها الحزب الاشتراكي الإسباني وزعيمه بيدرو سانشيز تحديد جراء انفجار ملفات فساد ثقيلة، ويستفيد أيضا من غياب زعامات بكاريزما كبيرة داخل الحزب الشعبي اليميني.

س: ماهي أبرز ملامح خطاب فوكس تجاه المهاجرين بشكل عام، والمغاربة بشكل خاص؟

مثلما شرحت ذلك مفصلا في كتابي الأخير المعنون بـ " اسبانيا الآن، المشهد السياسي الإسباني 2008-2023، فالأرضية الإيديولوجية التي يرتكز عليها حزب فوكس هي أرضية تؤمن بسمو العرق الإيبيري بتقاليده العريقة وديانته المسيحية الكاثوليكية، واعتناق قيم قرن وسطية معادية للإسلام والمسلمين ومناهضة لتاريخ الإسلام و الوجود الإسلامي بما كان يعرف بالأندلس مثلما أنه تقوم  على تمجيد فترة الجنرال فرانكو، هي ليست ضد فكرة الهجرة، بل هي مع هجرة الأميركو-لاتينيين إلى اسبانيا لأنهم على الأقل من نفس الديانة، أي أنهم مسيحيون، لذلك نجد فوكس يركز أكثر على المهاجرين المغاربة بحكم أنهم مسلمون، فهو يرى فيهم العدو الطبيعي لإسبانيا كأمة، بحكم أن اسبانيا كانت تشكل خلال حروب الاسترداد ضد الوجود العربي الإسلامي بشبه الجزيرة الأيبيرية، وفي قراءته التاريخية يرى فوكس أن وجود المهاجرين المغاربة باسبانيا هو عودة لهذا الخطر بصيغة أخرى، وهي الفكرة التي تتقاسمها معه شرائح يمينية مهمة، فهي ترى في المغربي بقيمه ودينه عدوا طبيعيا لها، وطبعا يتم تغليف ذلك في التهديد الأمني المباشر المرتبط بقيام بعض هؤلاء المهاجرين بأعمال سرقة، ويتم التعميم على كافة المهاجرين المغاربة، مثلما حصل في بلدة طوري باتشيكو مؤخرا.

س: في رأيكم، هل الهجرة بالنسبة لفوكس قضية اجتماعية حقيقية أم مجرد ورقة سياسية لكسب الأصوات؟

ج: أظن الآمران معا، فهي قضية اجتماعية بحكم قناعاته الإيديولوجية التي شرحتها، وهذه الخلفية الايديولوجية والتاريخية الموجودة  والمتجذرة داخل المجتمع الإسباني بالذات هي ما يتيح لفوكس توظيف الهجرة كورقة سياسية لأنها تمكن من تحقيق مكاسب وتقدم في الأصوات عبر تأجيج الشارع وضمان التفاف عدة شرائح يمينية حول خطابه، وتمكنه من كسب نقاط على منافسيه في الحقل السياسي اليميني
 
س: كيف يوظف الحزب الأزمات الاقتصادية والبطالة في تعزيز خطاب معادٍ للهجرة؟

ج: طبعا الأزمات الاقتصادية و ما يتبعها من ارتفاع في معدلات البطالة تتيح لهذا النوع من الأحزاب التوجه إلى اتهام المهاجرين بسرقة الخبز ومناصب الشغل من الإسبان أو الأوروبيين، وهي سياسة للهروب إلى الأمام و تهريب الأنظار بخصوص الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذه الأزمات الاقتصادية والتي يكون لليمين فيها دور كبير، وهي نوع من الديماغوجية في الخطاب السياسي ولا نجدها فقط في أسبانيا لحدها، بل في ايطاليا وفرنسا وهولندا وغيرها من الدول الغربية، ومع الأسف هذا النوع من الخطابات بات له جمهور واسع يصدقه و جيش من السياسيين و الإعلاميين  و المحللين الذين يدافعون عنه في وسائل الإعلام.

س: ما هي انعكاسات خطاب فوكس على أوضاع الجالية المغربية من حيث الاندماج والصورة الذهنية في المجتمع الإسباني؟

ج: أولا كانت هناك صعوبات في الإدماج لدى المهاجرين المغاربة في اسبانيا بسبب وجود صورة ذهنية تاريخية معادية للمغاربة، وهو ما نجده حاضرا بقوة في الأمثال الشعبية الإسبانية مثل المثال الذي يقول" ليس هناك موروس في الشاطئ"، بمعنى أنه يوم صاف وبدون خطر، فوجود الموروس في الشاطئ يعني التهديد و الخطر، أو المثل الشعبي الذي يقول" كلما زاد الموروس قل الخبز"، هذه أمثلة موجود وغيرها كثير حتى قبل ولادة حزب فوكس، لكنه يعمل على إذكاءها، مثلما أنه في اسبانيا لم تكن هناك سياسات حقيقة لإدماج المغاربة في المجتمع الإسباني بغض النظر عن الحكومات القائمة و الدليل على ذلك هو غياب وجوه من أصول مغربية في الصدارة السياسية مثلما هو عليه الحال في فرنسا وبلجيكا و هولندا، المهاجرون وأبناءهم يحتلون دائما الصف الثاني، بل يكون هناك إقصاء في أحيان كثيرة نتيجة هذه الأصول المغربية بالذات، وفي الفترة التي اشتغلت فيها صحافيا بمدريد التقيت الكثير من الحالات التي ناضلت داخل  الحزب الاشتراكي مثلا، لكن لم تصل للبرلمان الإسباني أو البرلمان الأوروبي ويتم دائما ترشيحها في ذيل اللائحة، اسبانيا مازالت غير قادرة اليوم على تحقيق هذا الانفتاح، وبالتالي فالمواضيع المرتبطة بالهجرة هي مواضيع أمنية، وهو ما تروج له وسائل الإعلام الإسبانية، بل باتت تعتبره واقعا لا يرتفع و لا يمكن تغييره. مع الأسف فوكس لا يركز هذه الصورة فقط، بل يعمل على تهييج الشارع ضد المهاجرين المغاربة و يعتبر جزءا منهم سببا رئيسيا للانحرافات الأمنية التي تعرفها اسبانيا في بعض الأوقات.

س: هل لاحظتم تغيرًا في السياسات المحلية أو الخطاب الإعلامي نتيجة صعود اليمين المتطرف؟

ج: نعم هناك تغيير في السياسات المحلية في المناطق التي يمتلك فيه فوكس نفوذا سياسيا مثل مدريد و اقليم مورسية حيث تم إلغاء برنامج تدريس اللغة العربيىة و الثقافة المغربية استجابة لضغوط حزب فوكس، وهو البرنامج الذي كان يستفيد منه حوالي 300 تلميذ مغربي يدرسون في مختلف المدارس و المعاهد الإسبانية، مثلما أن هناك خطابا تحريضيا متواصلا بوسائل الإعلام الاسبانية من طرف محللين وإعلاميين يحملون فكر هذا الحزب، مثلما تنشط  هذه التيارات اليمينية بكثافة في وسائل التواصل الاجتماعي التي تعد مصدر التأثير الأول في فئة الشباب، وهناك خطاب تحريضي متواصل لمسنا نتائجه في مواجهات طوري باتشيكو.

س: هل يمكن القول إن المغاربة أصبحوا "الوجه الآخر" للجدل السياسي حول الهوية في إسبانيا؟

ج: اعتقد ذلك، لأن الاسباني تاريخيا يرى في المغربي نقيضه على المستوى الهوياتي، وهذا نقاش قديم داخل اسبانيا، رغم أن بعض الكتاب في اسبانيا ناهضوا مثل هذه الأفكار مثل الروائي بيريث غالدوس في روايته " عيطة تطاون" الذي شجب حرب تطوان لعام 1860 و اعتبر أنها حرب أهليه بحكم أن ما يجمع بين الأندلسي والمغربي-المورو أكثر مما يجمع بين الأندلسي و الباسكي مثلا، وهناك كتاب آخرين مثل خوان غويتصولو الذي ناهض هذه النزعة اليمينية وانتقد بشدة أحداث إليخيدو عام 2000 والتي عايشها وكتب عنها بالتفصيل.

س: كيف يمكن للمجتمع المدني الإسباني مواجهة هذا الخطاب المتطرف؟

ج: ليس هناك شك في أنه داخل المجتمع الإسباني هناك ضمائر حية وقوى رافضة لهذه الأفكار القروسطية التي تجر اسبانيا الديموقراطية إلى الوراء وهذه الأصوات نسمعها في الشارع وفي وسائل الإعلام، بل حتى رئيس الحكومة بيدرو سانشيز يناهض هذه الأفكار علانية في البرلمان الإسباني، وعده أسماء محترمة من الحزب الاشتراكي، وهناك أيضا قوى يمينية معتدلة لا ينسجم تفكيرها مع الأفكار التي يطرحها فوكس وتشجبها ولو باحتشام، المجتمع المدني المنتمي لليسار يرفض هذه الأفكار اليمينية لأن له رؤية مختلفة ويعتبر الهجرة كنوع من الغنى الثقافي لاسبانيا التي لا يجب أن تسود بها ثقافة واحدة ومنغلقة على ذاتها في زمن العولمة وتداخل الثقافات وتلاقحها، لكن اعتقد أن السياق الحالي يخدم حزب فوكس لعدة أسباب، وأظن أن هذا السياق معرض بصفة حتمية للتغيير.

س: ما الدور الذي يمكن أن تمارسه الجالية المغربية نفسها في تحسين صورتها والتصدي لخطاب الكراهية؟

الجالية المغربية مطالبة بترك التفرقة و التكتل في إطارات مدنية تمكنها التحول إلى محاور موثوق، ويجب ألا يرتكز هذا الإطار على مرجعية دينية لأن هذا الأمر سيزيد من تعميق الفجوة القائمة، بل أن يدافع عن حقوق الجالية المدنية وحقها في المواطنة والمساواة، وتحويل الاختلاف الثقافي إلى نقطة قوة عوض أن تكون نقطة ضعف.

مع الأسف، ما هو موجود اليوم هو العكس تماما، فواقع الجالية هو التفرقة وكثرة الجمعيات التي تتخذ من المرجعية الدينية درعا لحماية نفسها من الآخر-الإسباني، وهو ما يجعلها تعيش في "غيتو" منغلق وتورث هذا الأمر للأجيال الجديدة التي تعيد إنتاج نفس الأمر في ظل قلة أو انعدام الفرص المتاحة داخل الأحزاب السياسية الاسبانية ومبادرات إدماج المهاجرين المغاربة التي تبقى محدودة للغاية في نظري.

س: برأيكم، هل لدى الأحزاب التقليدية (الحزب الاشتراكي، الحزب الشعبي) استراتيجية واضحة لمواجهة المد الشعبوي، أم أنها تميل إلى استنساخ بعض مواقفه؟

ج: الحزب الاشتراكي يواجه فوكس أولا لكونه غريمه السياسي ولقناعته بأهمية الهجرة للاقتصاد الاسباني وثانيا لأنه يدرك أن هؤلاء المهاجرين خصوصا المغاربة يصوتون عليه في الانتخابات، وللإبقاء على هذه الأصوات عليه أن يسمع صوته في البرلمان في الدفاع عنهم، إذن الأمر هو خليط من القناعات ولعبة المصالح، أما الحزب الشعبي فله رؤية يمينية لموضوع الهجرة تقوم على الضبط والتشديد القانوني، لكنها لا تصل لمستوى شراسة فوكس، ولا ننسى أنه يرى نفسه الحليف الطبيعي لفوكس رغم المنافسة الشرسة بين الحزبين، فبنهما نوع من العلاقة المركبة.



في نفس الركن