
بقلم - الدكتور كمال أكوجكال
في أول يوم من أيامي القلقة بأسفي بعد غياب، تلقيت هذه الهدية (الصورة)، وردتين ورديتا اللون.
الورود من هدايا العشاق، أولئك العشاق المنتمين إلى زمن ذهب دون عودة أو تحول إلى زمن آخر : زمن لم يعد للعشاق فيه ولا للورود وعبيرها مكان.
الهدية غير متوقعة...الهدية ليست هدية عشق ولكنه هو العشق بعينه: عشق الذات لذاتها.
الهدية آتية من شخص كان غالبا ما يجوب الشوارع الرئيسية لمدينة آسفي، ممسكا غالبا بيد ابنه ذي السنوات الثلاث أو الأربع وحاملا في يده الأخرى وردة واحدة يداري بها تسوله لقمة العيش...لبشاشته ونباهته (كان متحدثا فذا ولو أنه أحيانا لا يسيطر على ما يتفوه به من كلام، لا سيما عندما لا يحدث أحدا مباشرة). كنت أمده أحيانا ببعض المال وأحيانا أخرى أعتذر، مفسرا أن الظرف غير مناسب.
لمحت طلعته هذا اليوم بعد أن فات زمن العشاق وانتهى، وعلى غير العادة يحمل أكثر من وردة واحدة، بل باقات من الورود من وردتين...جاء قاصدا زبناء المقهى على غير العادة، وعلى غير عادتي لم أواصل النظر إليه وتمنيت لو يتركني وشأني، يتركني لمرارة قهوتي ولمرارة الزمن الردئ، تمنيت أن يكون الزمن كفيلا بأن ينسيه الصدف السابقة وألا يتعرف علي...
لكنه مر من جانب طاولتي ومن دون أن ينبس ببنت شفة ترك عليها باقته... قلت في نفسي سأظل مطأطأ الرأس عند عودته لاستعادتهما كما باقي المتسولين... لكنه تركها ورحل...
تركها نعم ورحل وانتبهت حينها أنه لم يترك غيرها على طاولة أخرى غير طاولتي....رحل ولم يعد...رحل تاركا وردتين أو جرحين...جرح لوم النفس على غياب التفاعل المعهود وجرح تجاهل البشر لغيره.
في أول يوم من أيامي القلقة بأسفي بعد غياب، تلقيت هذه الهدية (الصورة)، وردتين ورديتا اللون.
الورود من هدايا العشاق، أولئك العشاق المنتمين إلى زمن ذهب دون عودة أو تحول إلى زمن آخر : زمن لم يعد للعشاق فيه ولا للورود وعبيرها مكان.
الهدية غير متوقعة...الهدية ليست هدية عشق ولكنه هو العشق بعينه: عشق الذات لذاتها.
الهدية آتية من شخص كان غالبا ما يجوب الشوارع الرئيسية لمدينة آسفي، ممسكا غالبا بيد ابنه ذي السنوات الثلاث أو الأربع وحاملا في يده الأخرى وردة واحدة يداري بها تسوله لقمة العيش...لبشاشته ونباهته (كان متحدثا فذا ولو أنه أحيانا لا يسيطر على ما يتفوه به من كلام، لا سيما عندما لا يحدث أحدا مباشرة). كنت أمده أحيانا ببعض المال وأحيانا أخرى أعتذر، مفسرا أن الظرف غير مناسب.
لمحت طلعته هذا اليوم بعد أن فات زمن العشاق وانتهى، وعلى غير العادة يحمل أكثر من وردة واحدة، بل باقات من الورود من وردتين...جاء قاصدا زبناء المقهى على غير العادة، وعلى غير عادتي لم أواصل النظر إليه وتمنيت لو يتركني وشأني، يتركني لمرارة قهوتي ولمرارة الزمن الردئ، تمنيت أن يكون الزمن كفيلا بأن ينسيه الصدف السابقة وألا يتعرف علي...
لكنه مر من جانب طاولتي ومن دون أن ينبس ببنت شفة ترك عليها باقته... قلت في نفسي سأظل مطأطأ الرأس عند عودته لاستعادتهما كما باقي المتسولين... لكنه تركها ورحل...
تركها نعم ورحل وانتبهت حينها أنه لم يترك غيرها على طاولة أخرى غير طاولتي....رحل ولم يعد...رحل تاركا وردتين أو جرحين...جرح لوم النفس على غياب التفاعل المعهود وجرح تجاهل البشر لغيره.

ترك باقته ورحل تاركا مائة سؤال في ذهني : هل الأمر طبيعي؟ أليس ما فعله يعني أنه تعرف علي وكانت تلك طريقته الخاصة للشكر والامتنان على مواقف سابقة؟ هل يحاول نفي صفة المتسول كما فعل على الدوام؟ هل هو متسول من زمن آخر؟ هل يحاول تأكيد هذا الاختلاف؟....مائة سؤال بل ألفا أو هكذا أعتقد...
في النهاية هي هدية غير متوقعة...فلا مجال في هذا الزمن أن تتوقع الهدايا ولو أحيانا حتى من الأقربين...فكيف تتوقع هدية من عابر سبيل..؟؟؟.
الباقة ترافق هدية أخرى: بطاقة توصلت بها منذ سنوات من مكان يبعد على المغرب بآلاف الأميال.
بطاقة كتب عليها بالانجليزية : "بعض الناس يغدقون العطاء لأن في اعتقادهم ذلك واجب عليهم. يعتبرون الأمر أنسب سلوك وأقومه" كلمة تلخص ما حدث بالضبط يوم أمس.
عدت الى نفس المقهى اليوم عساني ألتقي عابر السبيل إياه. انتظرت حتى طال الانتظار لكنه لم يأت. من يعطي لا ينتظر المقابل. من يعشق...يعشق دون قيد أو شرط. لكنني قابع هنا حتى ألتقيه... وللقصة بقية.
وجدته أخيرا
وجدته بالفعل هو بنفسه وبباقاته
وجدته ويا للباقته
قلت هل تتذكر ما أقدمت عليه؟
قال بالفرنسية البشر خطاؤون
يا لأناقته
قلت ليس خطأ، بل فضيلة
فرد لا أذكر
أعرف جيدا أنه يتذكر
لكنه وكل من لفن العطاء يتقنون
يستحون ممن عليهم يغدقون
طلبت منه صورة
فأرادها شريطا كله أمل
كله عشق
ولو من الفاقة جروح النفس لم تندمل
عشاق الورود مجانين
ولكنهم أقرب إلى الحكمة
من بعض العقلاء المساكين
في النهاية هي هدية غير متوقعة...فلا مجال في هذا الزمن أن تتوقع الهدايا ولو أحيانا حتى من الأقربين...فكيف تتوقع هدية من عابر سبيل..؟؟؟.
الباقة ترافق هدية أخرى: بطاقة توصلت بها منذ سنوات من مكان يبعد على المغرب بآلاف الأميال.
بطاقة كتب عليها بالانجليزية : "بعض الناس يغدقون العطاء لأن في اعتقادهم ذلك واجب عليهم. يعتبرون الأمر أنسب سلوك وأقومه" كلمة تلخص ما حدث بالضبط يوم أمس.
عدت الى نفس المقهى اليوم عساني ألتقي عابر السبيل إياه. انتظرت حتى طال الانتظار لكنه لم يأت. من يعطي لا ينتظر المقابل. من يعشق...يعشق دون قيد أو شرط. لكنني قابع هنا حتى ألتقيه... وللقصة بقية.
وجدته أخيرا
وجدته بالفعل هو بنفسه وبباقاته
وجدته ويا للباقته
قلت هل تتذكر ما أقدمت عليه؟
قال بالفرنسية البشر خطاؤون
يا لأناقته
قلت ليس خطأ، بل فضيلة
فرد لا أذكر
أعرف جيدا أنه يتذكر
لكنه وكل من لفن العطاء يتقنون
يستحون ممن عليهم يغدقون
طلبت منه صورة
فأرادها شريطا كله أمل
كله عشق
ولو من الفاقة جروح النفس لم تندمل
عشاق الورود مجانين
ولكنهم أقرب إلى الحكمة
من بعض العقلاء المساكين