Quantcast
2025 أكتوبر 1 - تم تعديله في [التاريخ]

هل أصبح الصيد في أعالي البحار فوق القانون؟ فضيحة "ترامبا" تكشف المستور


هل أصبح الصيد في أعالي البحار فوق القانون؟ فضيحة "ترامبا" تكشف المستور

*العلم الإلكترونية: محمد الحبيب هويدي*

في تطور يثير الكثير من علامات الاستفهام، تفجّرت خلال الشهور الأخيرة قضية استعمال شباك "ترامبا" المحظورة دوليًا من طرف سفينة صيد في أعالي البحار، قيل بعد أن تم ضبطها وهي بحوزتها هذه الشباك داخل ميناء أكادير خلال شهر يوليوز الماضي. ورغم خطورة المخالفة التي تُعتبر جريمة بيئية واقتصادية بامتياز، فإن السفينة المعنية لم تُحل على القضاء، وتم التعامل معها بإجراء إداري يسمى "الصلح"، لم تُؤدَّ بموجبه الغرامة المستحقة إلى حدود الساعة، في خطوة يراها كثيرون تساهلًا غير مبرر مع خرق موثق وخطير، بات يُعرف اليوم في الأوساط البحرية والإعلامية باسم "مخالفة أكادير المعلومة".

هذه الفضيحة، التي ما زالت تفاصيلها تثير جدلًا واسعًا داخل قطاع الصيد، ليست معزولة عن واقع أكبر من التجاوزات المسكوت عنها داخل أسطول أعالي البحار. فالاعتراف باستعمال شباك "ترامبا" لم يأت فقط من تقارير المراقبة أو منظمات حماية البيئة، بل جاء أيضًا على لسان أحد ملاك السفن خلال اجتماع رسمي ترأسته كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري، السيدة زكية الدريوش، حيث قالت بالحرف إن "أغلب سفن أعالي البحار تستعمل شباك ترامبا"، وهي شهادة صادمة تكشف ما هو أعمق من مجرد مخالفة، بل واقع ممنهج ومحمٍ، يهدد الأمن البحري والبيئي للمغرب.

الغريب في ملف "مخالفة أكادير المعلومة" ليس فقط استعمال شباك محظورة وفق القوانين الوطنية والدولية، بل أيضًا الغموض الذي يلف عملية تزود السفينة بالمحروقات. فالمعطيات المتوفرة تشير إلى أن السفينة لم تلج ميناء الداخلة كالمعتاد لتعبئة الوقود، ما يطرح سؤالًا محوريًا: من زودها بالمحروقات؟ و هل يتعلق الأمر بشبكة تواطؤ تتجاوز مجرد خرق بيئي إلى جريمة اقتصادية متكاملة الأركان؟

كل هذا يحدث في ظل صمت غير مبرر من طرف الوزارة الوصية، التي تلتزم الغموض تجاه قضية واضحة المعالم، موثقة، ولا تقبل التأويل. فبينما يتم التساهل بشكل لافت مع سفينة مملوكة لشخصية نافذة، تُمنع قوارب الصيد التقليدي من مزاولة عملها إلا بعد أداء الغرامات، وتُحتجز في الموانئ، ويُلاحق أصحابها قضائيًا دون هوادة. وهو ما يكرّس صورة مقلقة عن ازدواجية القانون داخل نفس القطاع: قانون صارم للفئات الهشة، وتساهل مفرط مع النافذين.

المهنيون والفاعلون داخل القطاع بدأوا يتحدثون بصوت عالٍ عن غياب العدالة داخل تدبير الصيد البحري، وعن وجود "طبقة محظوظة" تتصرف في الثروة البحرية كما تشاء، وتخرق القوانين دون خوف من المحاسبة. بل إن الأمر بلغ درجة مصادرة هواتف الصيادين داخل بعض سفن أعالي البحار أثناء عمليات فرد الشباك، في ما يشبه رغبة مفضوحة في التستر على الخروقات اليومية التي تعرفها هذه السفن، والتي "تأتي على الأخضر واليابس"، دون رقيب أو محاسبة.

إزاء كل هذه المعطيات، تصبح قضية "مخالفة أكادير المعلومة" أكثر من مجرد حادث عرضي. إنها اختبار حقيقي لمصداقية الدولة ومؤسساتها، ولمدى احترامها لمبدأ المساواة أمام القانون. فحين تُخرق القوانين بوضوح، وتُحمى المخالفات من أعلى المستويات، وتُهمّش فئات واسعة من الصيادين الصغار، فإن الأمر لا يتعلق فقط بخلل إداري، بل بمنظومة ريعية يجب تفكيكها.

إن ما يجري في أعالي البحار لا يهدد فقط الثروة السمكية، بل يهدد الثقة في القانون والمؤسسات. وعلى الجهات الوصية أن تخرج عن صمتها، وتجيب الرأي العام: لماذا لم تُؤدَّ الغرامة؟ لماذا لم يُحال الملف على القضاء؟ من زود السفينة بالمحروقات؟ ولماذا لا تُركب الكاميرات داخل السفن كما تنص المعايير الدولية؟ وإلى متى سيظل بعض الفاعلين فوق القانون؟

الأسئلة كثيرة، والإجابات لا تأتي...

              

















MyMeteo




Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار