2020 دجنبر 28 - تم تعديله في [التاريخ]

وزير الصحة: ساعة الفرج اقتربت بإذن الله

يكتسي الحوار مع وزير الصحة الدكتور خالد آيت الطالب في هذه الظروف الدقيقة التي تجتازها بلادنا بسبب استمرار انتشار فيروس كوفيد 19 بحجم أضحى يدعو إلى القلق ، أهمية بالغة و استثنائية ، فالرجل المسؤول الأول على قطاع الصحة في بلادنا أصبح إسمه على كل لسان في بلدنا .


في حوار خاص شامل لوزير الصحة البروفسور خالد آيت الطالب مع جريدة العلم

نخال أننا مهما حاولنا من بذل الجهد في طرح الأسئلة على السيد الوزير ، فإننا لن ننجح في طرح جميع الأسئلة الحارقة التي تشغل بال و اهتمام الرأي العام الوطني ، و لكنا نعتقد أن الحوار الصحافي المتميز الذي أجريناه مع مسؤول شاءت الأقدار أن يتزامن تحمل مسؤوليته مه هذه الأزمة الصحية الطارئة التي هزت أركان النظام الاقتصادي و الاجتماعي العالمي ارتكز على أهم هذه الأسئلة .
اتسع خاطر الدكتور خالد أيت الطالب للإجابة باستفاضة كبيرة و بمنسوب عال من الواقعية و البساطة على رزمة كبيرة من الأسئلة التي نقلناها إليه ، و همت أكثر القضايا شغلا للرأي العام ، من قبيل تقييم الحالة الوبائية ، و عجز البنية الصحية و الاهتمام بالموارد البشرية العاملة في القطاع ، و موعد الشروع في التلقيح ، و لماذا التلقيح الصيني تحديدا ؟ و مستقبل الحالة الوبائية في بلادنا ، و الحديث الذي أثير حول الصفقات ، و غير ذلك كثير من الأسئلة التي تنظر إجابات لدى الرأي العام الوطني .
لذلك نعتبر أن الحوار الصحافي الذي أجريناه مع مسؤول حكومي يحسن التواصل مع الرأي العام يستحق هذا الاهتمام الذي أوليناه إياه

حوار: عاجهبلي/عالكوايتصوير: حبورحيم
 
ماذا عن الحالة الوبائية الحالية في المغرب؟ وهل الوضع الوبائي مطمئن وتحت السيطرة أم لا؟

بالنسبة للحالة الوبائية، فمعلوم أن المغرب لا يشكل فيها استثناء عن باقي دول العالمففي البداية كانت لدينا إجراءات احترازية حيث عشنا في ظل الحجر الصحي وضعية جد مطمئنة، غير أن الرفع التدريجي للحجر وتزامنه مع العطلة الصيفية والأعياد، خلف ما شهدناه من تزايد في عدد الإصابات والتي صادفت الموجة الثانية من الوباء على المستوى العالمي لا سيما في أوروبا وبريطانيا.

وبالأرقام، فقد سجلنا 80 في المائة من مجموع الحالات خلال الفترة الممتدة ما بين شهري غشت وأكتوبروما كان يبعث على القلق في هذه المرحلة، هو تزايد الحالات الحرجةومؤشر الفتك وصل 1,7 وهو رغم ذلك أقل من المؤشر الدولي البالغ 2,6. إن المشكل لدينا هو أن المنظومة الصحية تعيش عجزا من ناحية الموارد البشرية، ولهذا فإن التحكم في الحالة الوبائية يفرض توفرنا على مجموعة من الإجراءات منها توسعة أقسام الإنعاش عند الوصول إلى أرقام إنذارية، والمواكبة والملاءمة، ونحن لم نصل إلى الانفلات الوبائي حيث مازلنا متحكمين في الوضع رغم الصعوبات.
    
السيد الوزير، تؤكدون أن الوضع الوبائي تحت السيطرة منذ شهورما هي المعايير التي تعتمدونها للخروج بمثل هذه الخلاصة؟ ولماذا أسقطتم المعطيات الخاصة بنسب ملء المستشفيات من بيانات الوزارة؟

من ناحية التواصل، كانت النشرة تبث يوميا وبعد تحسن الوضعية الوبائية أصبحت في أسبوع إلى أسبوعين، وهو منوال استمرينا عليه خاصة في ظل نشر المنابر الإعلامية لهذه المؤشرات دون وجود ممثل للوزارة يشرحها، مما أدخلنا في مسلسل روتيني للأرقام.
 
هناك من يشكك في الإحصائيات المعلنة حول الوباء ببلادنا، بمسوغ أن عدد الاختبارات يبقى محدودا، ويمكن التحكم فيه، وقد يكون موجها، وهي معطيات ليست عامةما رأيكم؟

السبب هو غياب قراءة دقيقة لهذا الأمرفالمغرب في البداية انطلق بثلاثة مختبرات بالنسبة للقطاع العمومي ثم أصبح لدينا في 30 مختبرا، ناهيك عن مختبرات القطاع الخاص والتي تجري هذا النوع من التحاليلوقد وصلنا مرحلة أصبحنا نتوجه فيها إلى المصابين ومخالطيهم بالكشف، ثاني شيء هو أننا وصلنا في مرحلة الكشف إلى 29 ألفا و750 تحليلة في يوم واحد وهذا رقم أنا أحفظهلكن من البديهي أنه حينما تتحسن الحالة الوبائية وتتقلص الأرقام، سنعود لتوسيع رقعة التحاليل لمعرفة رقعة انتشار الفيروس التاجي

غير أن هذا كله غير كافٍ، فما يدل على الحالة الوبائية بشكل مهم هو مؤشر عدد الحالات الحرجة التي يتوجه أصحابها مكرهين إلى العناية المركزة أو الإنعاشوهنا ثبت أن مجموعة من الأشخاص أتت نتائج اختباراتهم سلبية ومع ذلك هم مصابون، وتبلغ نسبة هؤلاء 30 في المائة من مجمل المصابين.

لاحظ المغاربة تراجعا كبيرا في عدد التحاليل، والذي تراجع من 23 ألفا إلى معدل عام لا يتجاوز 15 ألفا، ونزل في بعض الأحيان إلى 7 آلاف فقط، ما أسباب ذلك؟

كما شرحنا ذلك، ليس هناك أي سبب يتعلق باللوجستيك أو نقص مادة "البي سير إر". وإنما لذلك علاقة بالحالة الوبائية وملاءمة حاجيات التحاليل مع تطور الوباء، وهناك مؤشر قابل للتمحيص وهو المتعلق بما كان من توافد كبير على إجراء التحاليل بالقطاع الخاص، ثم كانت ملاءمة البروتوكول العلاجي والتوجه نحو الاستشفاء المنزلي، بعد ذلك ومع دخول التحليلات السريعة يمكننا تقصير الوقت ومن ثم توسيع رقعة التحليلات، وذلك لتتبع الحالة الوبائية أولا، وثانيا لتخوفنا من الموجة الثالثة التي تعيشها الآن بريطانيا من ناحية التحول الجيني الطارئ على فيروس كورونا المستجد هناك، والتي تدفعنا لمضاعفة اليقظة أكثر فأكثر.

هل يقوم المغرب بدراسة جينومية للفيروس التاجي كما في دول أخرى للوقوف على الطفرات الطارئة عليه؟

خلال تطور الحالة الوبائية ببلادنا، أنجزنا دراسات لتحديد جينوم الفيروس في أكثر من خمسة مختبرات مؤهلةوتستطيع ضبط هذه الطفرات وهل لدينا مثل هذه السلالة الجديدة.

ما هي توقعاتكم بالنسبة للأسابيع القادمة، وهل التشديد في الإجراءات الاحترازية مؤشر على أن القادم أسوأ؟ وهل استفدتم من تجربة عيد الأضحى الماضي؟

تعلمون أننا مقبلون على فترة أعياد والتي تتميز بالحركية والاختلاط بين الناس، وبالتالي لضمان عدم تكرار سيناريو موسم الصيف والعطل، فإن الإجراءات الاحترازية التي اتخذها المغرب حاليا ستحد من هذا الأمر خاصة وأن السلالة الجديدة للفيروس تتسم بخصوصية سرعة الانتشارومن ثمة، فالواجب يملي الاحتراز أكثر والصرامة حتى لا نصل إلى ما لا تحمد عقباه.

ولدي رسالة جد مهمة، هي أننا مقبلون على حملة وطنية للتلقيح والتي يجب أن تمر في أجواء ملائمة ليس فيها انتكاسة.

السيد الوزير، يلاحظ أغلب المغاربة وجودَ عجز في البنية الصحية ببلادناكيف تقيمون هذه البنية؟

المشكل ليس في البنية الصحية، والدليل هو الاستثمارات الكبيرة والمهمة التي شهدها القطاع خلال العشر سنوات الأخيرة، من ذلك مثلا أننا كنا خلال التسعينات في مركزين استشفائيين اثنين وأصبحنا اليوم في ثمانية مراكز، وهذا ليس بالأمر الهينثم إن المستشفيات التي تبنى حاليا تراعي معايير جد متطورة وتكنولوجيا حديثةولكن ما يخلق المشكل في المنظومة الصحية هو النقص المهول في الموارد البشرية، ولو كان هناك تلاؤم بين البنيات التحتية والموارد البشرية لكان العطاء أكثر والمردودية أكثر فأكثر.

هل استفادت الوزارة من هذا الوضع الوبائي الحالي بوضع برنامج وطني للنهوض بقطاع الصحة؟

قبل الجائحة كان لدينا برنامج لتطوير المنظومة الصحية، لا سيما وأن صاحب الجلالة نصره الله، في خطاب عيد العرش لسنة 2018 دعا إلى تعميم التغطية الصحية وإعادة النظر بطريقة جذرية في المنظومة الصحية، وبالتالي كنا نشتغل على إعادة النظر في طريقة اشتغالنا التي أصبحت متجاوزة ولا تؤتي أكلهافالملاحظ هو وجود استثمار كبير في القطاع لكن دون مردودية، وهذا حقيقة غير صالح، وإعادة النظر المرجوة ستعطي موردا بشريا لديه نظام عمل محفز وله أجرة حسب النجاعة والمردودية والعطاء.

كما سنعمل على خلق نوع من التكامل بين القطاع العام والخاص ، وذلك لتحقيق الغاية المثلى وهي خدمة المواطنين، كذلك على مستوى الجهة حيث تلعب الجهوية دورها بطريقة مهمة، وقد سبق إطلاق البرنامج الطبي الجهوي لجائحة كوفيد_19، والذي يعطي حركية للموارد البشرية على مستوى الجهة ويقطع مع التنقلات عبر الجهات ويلبي حاجيات الجهات، وكذا النظام المعلوماتي الواجب تعميمه، فما قبل كوفيد ليس هو ما بعده، وهذا يملي ضرورة إعادة النظر في المنظومة الصحية.

أنا واثق من أن المغاربة في وقت الضرورة يرفعون التحدي، وبالتالي، فإن تدبير الجائحة عرف أداء شغيلة الصحة، مشكورة من هذا المنبر، لواجبها على أحسن ما يرام، ورغم وجود إكراهات ونقائص استطعنا الوقوف في وجه الجائحة

أطلقت الحكومة العديد من المشاريع الصحية، بعضها يسير في الطريق الصحيح، وبعضها الآخر يعرف تعثراتهل من توضيحات في هذا الصدد؟ ماذا عن مستشفيات طنجة والعيون والصخيرات تمارة وغيرها؟

حينما أسمع "تعثر"، أتخيل كأن شيئا ما كان قائما وسقط، والحال أن هذه المشاريع تسير في صيرورتهابالعكس، فحينما نتكلم عن طنجة فالمستشفى الجامعي بها استفاد من الجائحة، وذلك بتسريع وتيرة أشغاله ليخرج إلى الوجود، وكانت أول تجربة منح فيها مدير مركز استشفائي جامعي صلاحيات في الصندوق الخاص لتمويل المركز لتسريع الناحية التمويلية، لكن الجانب الإجرائي تم تحت مراقبة لجنة وزارة مركزية، وتجهز المركز في ظرف وجيز.

بالنسبة لمستشفى تمارة، الذي يمتد عمره إلى سنة 2005 وبعد 2009 وضعت لبنته الأولى وإلى اليوم لم يتم وذلك إرث لا ألوم فيه أحدا صراحة، حيث إن المعايير التي قام عليها بداية لم تعد صالحة اليوم، وهناك إجراءات تنتهي ويفتح عما قريب المستشفى.

الموارد البشرية العاملة في قطاع الصحة، قامت بأدوار مهمة وطلائعية خلال الجائحة، لكن الاعتراف الحكومي الوحيد لهؤلاء كان هو مواجهة احتجاجاتهم بالعنفهل من إجراءات حقيقية لهذه الفئة؟

كان هناك عمل مهم جدا على مستوى اللجنة التقنية الثلاثية وباهتمام كبير من وزارة المالية وبتنسيق طبعا مع وزارة الصحة، وفي هذا الإطار تم تنزيل جدولة وتم الاتفاق على أجرأتها، وانتهينا إلى لائحة بأسماء الذين سيستفيدون من تحفيزات مهمة، خاصة الذين كانوا في الصفوف الأمامية لمواجهة الجائحة.  التحفيزات تتجاوز المبلغ الذي ذكرتموه، بما يعني أن القيمة التحفيزية ستكون مهمة.

نغتنم هذه الفرصة للترحم على شهداء الواجبوأحيي بالمناسبة جميع الأطقم الطبية التي وقفت صفا واحدا، وقامت بما يمليه عليها الواجب والضميروبصفتي واحدا منهم وبحكم مهنتي كجراح، فإني على علم بالإكراهات والظروف التي يعيشها القطاع والموارد البشرية تحديدا، ورغم ذلك استطعنا أن نصل إلى نتائج مرضية

بخصوص التحفيزات التي سيتوصل بها هؤلاء المهنيين، ما هي إلا نوعا من الدعم المالي، وهو دعم نفسي بالدرجة الأولى، أما جزاؤهم فيما أسدوه للوطن، فالله هو ولي ذلك.

نؤمن بأننا قمنا بالواجب الوطني في مواجهة الجائحة، وأكبر تشجيع نقدمه لهؤلاء الأطباء والمهنيين على اختلافهم، هو العمل وبذل جهود جبارة ليشتغل الجميع في منظومة صحية حديثة وجديدة، بنظام وظيفي محفز، الشيء الذي يستدعي معه تغيير نظام العمل بسلاسة ومرونة، على أساس أن يجد كل شخص في قطاع الصحة ذاته  في عمله حسب وضعه المهني والاجتماعي، فلا يعقل أن يحتل الطبيب الرتبة الثالثة اجتماعيا في سبعينيات القرن الماضي وحاليا يوجد في الرتبة الثامنة والعشرين، ولهذا لا يمكن أن نطلب من شغيلة القطاع القيام بالمستحيلإن الطبيب إنسان، له ظروفه الاجتماعية والأسرية الخاصة، ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار هذه الظروف وإعادة النظر في المنظومة برمتها، وهذا في رأيي أكبر محفز وحافز للمهنيين في قطاع الصحة.
 
أين وصل الحوار القطاعي مع النقابات، وماذا عن الاتفاقيات التي وقعت بين وزارتكم ونقابات القطاع الصحي؟

لقد وصلنا إلى المراحل الأخيرة في حوارنا مع شغيلة قطاع الصحة، ووضعنا اللمسات الأخيرة للدخول في أجرأة ما تم الاتفاق حوله، وإن كان الأمر يتعلق بي شخصيا لأمرت بإخراج بنود الاتفاق إلى حيز الوجود.

الاستجابة لمطالب شغيلة القطاع وصلت مراحلها الأخيرة، سواء ما يتعلق بالرقم الاستدلالي 509 أو بالدرجتين خارج الإطار،  ونشتغل حاليا على تغيير نظام الوظيفة العمومية، وإعادة النظر في المنظومة الصحيةوطلبنا منهم، باعتبارهم شركاء اجتماعيين، امدادنا بمقترحاتهم لربح الوقتوبالمناسبة سيدخل تعميم التغطية الصحية مرحلة الأجرأة في السنة المقبلة، كما نعمل أيضا على تسريع مراجعة المنظومة الصحية.
  
نعود بكم السيد الوزير إلى معركة المملكة ضد الجائحة، أين وصل اللقاح؟
 
تريدون مني الحقيقةلا علم لي متى يدخل اللقاح إلى المغرب، وسأكون من الأوائل الذين سيستقبلون اللقاح بشغف كبير، وحين يكون اللقاح على مشارف المغرب سأقول الحمد لله، وسنقوم بإعلان رسمي لإخبار المواطنين والرأي العام الوطني بذلك، ولا محالة سيكون يوما عظيما وفرحة كبرى.

لا أستطيع الجزم بتاريخ محدد لذلك، ولا يمكن لي أن أوهم المواطنين، لكن مسؤوليتنا تفرض علينا العمل بجد لجلب اللقاح، وأملنا كبير في أن يتم ذلك قبل نهاية السنة الجارية.
 
لماذا اللقاح الصيني (سينوفارمالذي اختاره كل من المغرب، مصر، الأردن، البيرو والأرجنتينوما الفرق بينه وبين اللقاحات الأخرى، كلقاح (سينوفاكالذي اختارته دول مثل البرازيل وتركيا والمكسيك والشيلي؟
 
الصين تمتلك اللقاح ضد كوفيد 19، وتشتغل حاليا على تسجيلهولا دولة واحدة استفادت من اللقاح الصيني دون المرور بمساطر التسجيلالذين استفادوا من هذا اللقاح، كان ذلك خلال فترة التجارب السريريةإذن الصين لم تصدر اللقاح إطلاقا نحو الدول التي دخلت معها في شراكات بهذا الصدد.

وللعلم فاتفاقية المغرب مع الصين، لم تقف عند الحدود التجارية، بل امتدت أيضا إلى مستوى نقل الخبرة، ونقل التكنولوجيا أيضا، في أفق تصنيع اللقاح داخليا، وهذا هو الهدف الذي نسعى إليه من خلال شراكتنا مع دولة الصين.

ومن المنتظر في هذا السياق أن نشيد مصنعا خاصا لتصنيع اللقاح بشمال المغرب، بحيث سيستفيد الوطن ليس من تصنيع اللقاح فقط، ولكن ستعم الإفادة مجالات أخرى للاستجابة لحاجيات المغاربة، التي ليست في الحقيقة كبيرة مقارنة بدول أخرىوهكذا سيلعب موقع المغرب الاستراتيجي دورا محوريا يؤهله ليحتل الصدارة، وليكون صلة وصل بين أوروبا وإفريقيا وبين الشمال والجنوب، وذلك في إطار التعاون جنوب جنوب.

السيد الوزير، المغاربة يريدون منكم جوابا دقيقا: متى تبدأ عملية التلقيح، وأين ستنطلق؟
 
منطقيا عملية التلقيح تبدأ حين يكون اللقاح موجوداأما الكذب على المواطنين فمرفوض إطلاقا، ومخاطبة المغاربة تفرض الصراحة والحقيقةالذي يجب التركيز عليه الآن، هو الاستعداد الشامل والكلي لاستقبال اللقاح من الناحية اللوجيستية والتنظيميةطبعا تجاوزنا العديد من المراحل، وقمنا بجميع الإجراءات لاستقبال اللقاحأنهينا المرحلة التفاوضية بنجاح لاستيراد اللقاح، وأبرمنا اتفاقيتين على أساس اقتناء كميتين مهمتين من لقاح "سينوفارمولقاح "أسترازينيكا". والمغرب سيكون من الدول الأولى التي ستستفيد من منتوج الشركات المصنعة لهذه اللقاحات، ونعتبر هذا الأمر مهما، لأن ذلك لم يتم عن طريق الصدقة أو الإحسان، فلا أحد صدق على المغرب شيئا.

طبعا هناك إكراه تقني لدى المصنعين، لأن اللقاح يجب أن يتوفر على كافة شروط التسويق والاستعمالولا يمكن أن نستقبل لقاحا غير مسجل وغير قابل للاستعمالإذن هناك مساطر لابد لأي لقاح أن يمر منها، وأن يستوفي شروطها، سواء من ناحية النجاعة أو من ناحية قابلية الاستعمال
 
أيضا، من المؤاخذات على الصين تغييبها وتسترها على المعلومات الخاصة باللقاح مما يضرب في مصداقيتهخبراء قالوا إن ذلك ينم عن انعدام الشفافية، وهو سلوك صيني عادي في الشق الاقتصادي، لكنه في مثل هذه القضية أمر خطير، فمن شروط نجاعة اللقاح اعتماد الشفافيةما رأيكم؟
 
لا يجب تبخيس الأعمال التي تم القيام بها، لأنها أعمال جبارة ومهمة، علما أن جلالة الملك له الفضل في كون المغرب السباق إلى الاستفادة، والتموقع في المراتب الأولى لاحتضان اللقاح وهذا ليس بالأمر الهين.

اللقاح الصيني من اللقاحات ذات السعر المرتفع عالميا، فلا يجب أن يأخذكم الشك في ذلكبالإضافة إلى أن البحوث العلمية والتقنية في الصين لها تاريخ من التجربة يناهز الخمسين سنة، أيضا تصنيع اللقاح الصيني يتطلب متسعا من الوقت على عكس التكنولوجيا الحديثة المرتبطة ب( vaccins à ARN) وهي لقاحات يمكن تصنيعها بسرعة، وبالتالي الأمر يختلف من لقاح لآخر ومن تقنية لأخرى.

نقطة أخرى وجب التذكير بها، مفادها أنه حين نستهدف ساكنة ما بلقاح معين، فالأمر لا يتعلق بحاجة الفرد الواحد فقط، بل لتحقيق التمنيع الجماعي، والخروج من الازمة جميعاإذن الهدف هو الخروج الجماعي من الأزمة ومن الجائحةولكي يتحقق التمنيع علميا لا بد من تنويع طرق المناعة، والتوفر على الأقل على نوعين من اللقاحات لنصل إلى التمنيع المختلف، بدليل أنه حين يتم تحقيق المناعة الجماعية وسط ساكنة قليلة تعيش جائحة ما، آنذاك سيندثر الفيروس نهائيا، لأن انتشاره رهين بوجود بنية ملائمة للتكاثر، للتوالد وللعدوى، وحين تنعدم هذه البنية ينعدم معها الفيروس.

المغرب لم يتجه نحو شركتين فقط، لقد تفاوضنا مع خمس شركات، لأننا بصدد قضية مرتبطة بالندرةوالقدرة الصناعية لهذا اللقاح لم تكن بالشكل الكافي لتلبية متطلبات ساكنة المعمور، وبالتالي كان هناك سباق وتنافس على هذا المستوىاشتغلنا أيضا مع "فايزرومع "سبوتنيكتحديدا لتبادل المعلومات ولمعرفة مدى نجاعة هذه اللقاحاتوخلصنا في الأخير عبر عمليات التفاوض، إلى أن حاجيات المواطنين تستدعي الاستناد على مرتكزين أساسيينالأول، التلبية الشاملة لحاجيات ساكنة المغرب، التي هي في حدود 36 مليون نسمة، وذلك باختيار للقاحين إثنينوالمرتكز الثاني تحقيق التمنيع الجماعي.
 
خلال شهر أبريل الماضي، صدر تقرير علمي من المعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة، وهو معهد للتفكير تابع لوزارة أمن الدولة الصينيةهذا التقرير أكد أن صورة هذا البلد تضررت بسبب تدبير حكومة بيكين لعملية توزيع الكمامات في العالمأ لا يبعث هذا المعطى على القلق بالنسبة للقاحات الصينية؟
 
لا يجب ان نسقط ما حدث مع عمليات توزيع الكمامات على مسألة اللقاحاتلأن الكلام عن اللقاح هو نفسه الحديث أو الكلام عن "سينوفارمالمصنع السابع للقاحات في العالم، وهي شركة ليست حديثة العهد، بل شركة لها تقاليدها ولها تجربة علمية موثوق بها. "سينوفارممجموعة صناعية كبيرة، وفي نفس الوقت موالية للدولةإذن لا يجب تبخيس مثل هذه الأمور.

من جانب آخر، لا بد من الإشارة إلى المقالات العلمية بخصوص اللقاح الصيني، فالمغرب استفاد من التجارب السريرية بهذا اللقاحلقد تأكدنا من نجاعة هذا اللقاح، بالاعتماد على معطيات تؤكد جودة المنتوج بنسبة مهمة جدا.

بالمناسبة أقول، أولا إن المنظمة العالمية للصحة لا يمكنها أن تعتمد لقاحا ما، وتدرجه ضمن برنامجها "كوفاكس"، إن لم يكن معترف به علمياوراهنت المنظمة على ذلك لتحقيق عدالة من ناحية التوزيع على المستوى الدولي، وثانيا لتيسير عملية التنقل والحركة بين الدول، وهذا يفرض لقاحات معترف بها علميابالإضافة إلى أن المنظمة العالمية للصحة لها صلاحية الترخيص للقاحات واعتمادها عالميا، وإدراجها مثلا في جوازات السفر لتيسير حركية التنقل كما أسلفت.

"سنوفاكيتوفر على هذا الاعتماد و"أسترازينكاكذلكوبالتالي المقارنة بين الكمامات واللقاحات لا تستقيم أبدا، كما لا يجب التشكيك في ما أقدم عليه المغرب، ولا يمكن لأي مسؤول كيف ما كان حجم مسؤوليته أن يقبل بالإساءة أو الإضرار بالمواطنين، لاسيما أن  ما قام به المغرب في هذا الإطار يعد عملا استراتيجياوهنا تجب الإشارة إلى أن جلالة الملك نصره الله تواصل هاتفيا مع الرئيس الصيني في إطار الشراكة الثلاثية لاقتناء منتوج ذي جودة عالية ويتوفر على معيار السلامة والنجاعةمعنى ذلك أن جميع الشروط متوفرة بدليل المجهودات الجبارة التي بذلت للوصول إلى نتائج مرضية، ولأن المسألة مرتبطة بالصحة العامة للمواطنين.

في هذا السياق توجهنا أيضا إلى بريطانيا، والجميع يعلم ماذا تعني جامعة "أكسفورد"، وتاريخها الممتد والطويل في البحث العلمي، ومن أهداف هذه الجامعة الحفاظ على سمعتها العلمية والتاريخيةالمغرب إذن توجه إلى الأجود مقارنة بلقاحات أخرى تحتاج إلى إمكانيات لوجيستية بنسبة تبريد تصل 80 درجة وهي مواصفات غير مطابقة للحملة الوطنية للتلقيح.

المغرب سطر برنامجا دقيقا للحملة الوطنية للتلقيح، بتوجيه ملكي طبعا، تستغرق إثني عشرة أسبوعا، أي لمدة ثلاثة أشهر، والمغزى من قصر مدة الحملة هو الوصول إلى التمنيع الجماعي مع وضع الاحتياطات اللازمة لتفادي الآثار الجانية ولتعود الحياة إلى طبيعتها، اقتصاديا واجتماعيا
 
هل تجزمون للرأي العام المغربي أنكم تتوفرون على كافة المعلومات والضمانات العلمية المتعلقة باللقاح الصيني؟
 
هناك لجنة علمية لمواكبة الحالة الوبائية، فضلا على أن هناك لجنة تقنية مهمتها مرتبطة باللقاح، وهذه اللجنة الثانية تتوفر على جميع المعطيات المتعلقة بالمرحلة الأولى والثانية، والنتائج المرتبطة بالمرحلة الثالثة، وهذه النتائج تهم لقاح "سينوفارمالذي أجرى أكبر عدد من التجارب السريرية في العالم، وهذا دليل على أن شريحة المتطوعين، الذين استفادوا من التجارب السريرية، في إطار هذا اللقاح هي الأكبر مقارنة بالتجارب الأخرىوهذا العدد من التجارب السريرية هو ما يعطي مصداقية ل "سينوفارمبتسجيل لقاحها، وهي العملية التي ستتم في غضون الأيام الجارية لتبتدئ الأجرأة في بداية يناير القادم

إلى حدود الآن الأمور واضحة جدا، ربما الصين لها خصوصيات في التواصل، لكن ما قام به المغرب نابع من قناعة و من ثوابت علمية
 
 
في المقابل هناك من يرى أن الصين تستخدم اللقاحات في مجال تدبير مصالحها الاقتصادية العالميةوبهذا، أصبح اللقاح سلاحا جيواستراتيجيا جديداما رأيكم؟
 
شخصيا لا أفهم الكثير في الجانب الاقتصادي، لكني أفهم جيدا في مجال تخصصي، وفيما هو علمي تحديدااللقاح الصيني جيد و"مزيان"، إنه لقاح آمن، ويستوفي كل شروط السلامة والجودة والنجاعة، وهذه هي القضايا التي أفهم فيهاأما إن كانت للصين خلفيات أخرى، فأنا شخصيا بعيدا عن ذلك.

 متى سيتم تعميم التلقيح، وما هي الفئة التي يجب ألا تلقح؟

نعم، يلقح الذين سبق لهم أن أصيبوا بالفيروسأما الذي لا يلقحون هم الأطفال دون 18 سنة أولا، لأنهم في غنى عن ذلك، ولأنهم خارج قاعدة التجارب السريرية، لكن هذا لا يستثني الأطفال في وضعية هشاشة صحية، ولا يلقح من له حساسية من بعض مكونات اللقاح، وعلى هذا المستوى، مكونات اللقاح معروفة ولله الحمد، وسوف لا تشكل خطرا على صحة المستفيدين من العملية بدليل أن التجارب السريرية أثبتت ذلك.

عملية التلقيح ستمر بعدد من المراحل، ونحن مستعدون لكل الاحتمالات، ولجميع السيناريوهاتمبدئيا الفئات المستهدفة هي الأشخاص الذين يوجدون في الصفوف الأمامية من نساء ورجال الصحة، الأمن الوطني، القوات المساعدة، الدرك الملكي والأطر التربوية، بعد هذه الشريحة يأتي دور الفئات الهشة في المرحلة الثانية، أي فوق 65 سنة، بعد ذلك سيتم تعميم التلقيح على كافة المواطنين.

 أكدتم أن الخضوع للتلقيح ليس إجباريا، لكنه إجباري في السفر والعمل أيضا، كيف تفسرون ذلك؟

المسألة تطوعية، وفي حالة السفر فالأمر يخضع لشروط دولية.       

ماذا عن صفقة التحاليل السريعة التي بلغت قيمتها ملياري سنتيم، والمغاربة لم يروا لها أثرا نهائيا؟

كما تعلمون، المواد المكونة للتحاليل والفحوص نادرة، والمغرب كان في حاجة ماسة لهذه المواد لمواكبة الحالة الوبائيةفضلا على أن هناك نوعان من التحاليل، النوع الأول سيرولوجي، خاص بمعرفة هل سبق للشخص الخاضع لهذا النوع من التحاليل لقاء مع شخص آخر حامل للفيروسوالنوع الثاني لمعرفة هل الشخص مصاب بالفيروس أم لا، أو ما يسمى ب (PCR) .

التحاليل السيرولوجية تعطي معلومات عن سريان الكوفيد، أين وصلوقمنا في هذا الإطار ببحثين، الأول كان بشكل مباشر، والثاني في مراكز تحاقن الدموركزنا على عينات من "السيرومللتدقيق في وجود أو عدم وجود أجسام مضادة للكوفيد، ووصلنا إلى نتائج تؤكد وجود هذه الأجسام بنسبة 0.7 بالمائة، علما أن التحاليل السيرولوجية تجرى للفئات الهشة، وقمنا أيضا بتجارب من هذا النوع في مدينة فاس وكانت ناجحة.

التحاليل السريعة الأخرى تجرى عن طريق الحلق، وتعطي نتائج مثلها مثل (PCR) بحيث تساعد في تشخيص المرض بشكل سريع جدا، وقد تعممت على سائر أرجاء الوطن.
 
بعض الصفقات التي أبرمتها وزارة الصحة في زمن الجائحة أثير حولها أكثر من سؤال، خاصة أن الظرفية تتيح لكم التعامل المباشر دون الخضوع للقوانين المنظمة للصفقات العمومية، وتابعتم ذلك في وسائل الإعلام أو في البرلمان، وتحدث مسؤولون سياسيون عن شبهات في هذا المجال، ولجأتم إلى القضاء في بعض الحالاتما تفسيركم لذلك؟

سبق أن قدمنا شروحات مستفيضة داخل اللجن القطاعية بالبرلمان لتوضيح أنه ليس هنالك أدنى اختلال أو خلل في مسطرة الصفقات، وقد مرت الأمور في إطارها القانونياستندنا في هذا الصدد على حالة الطوارئ، إضافة إلى المرسوم الذي يعطي صلاحيات اعتماد التفاوض المباشروالأمر الذي يجب الانتباه إليه، هو هل كانت الحاجة ماسة إلى مواد وآليات للتشخيص وإجراء التحاليل أم لا؟وما الصفقات إلا آلية لتوفير شروط التشخيص، ولهذا أخذنا بعين الاعتبار الجانب الاقتصادي، من خلال الحفاظ على الهامش الربحي في حدود 20 بالمائة من جهة، ومن جهة ثانية راعينا الأثمنة المرجعية المعروفة تاريخيا وخارج زمن الجائحة، وتم اقتناء هذه المواد بأقل من هذه الأثمان.

أما عدد الشركات التي استفادت من هذه الصفقات فتجاوز المائة، ومن هذه الشركات التي لم تكن تحلم بذلك، واستطاعت أن تنخرط في الواجب الوطنيوللعلم فالحديث هنا يدور عن الندرة في لحظة الجائحة.

تجب الإشارة أيضا إلى، أن أثمان أجهزة التنفس تضاعفت، إلى درجة أن دولا كثيرة اقتنت كميات كبيرة من مواد التحاليل ومن أجهزة التنفس، وتركت الدول الأخرى تواجه مصيرها مع الجائحة، ورغم ذلك استطعنا توفير هذه الحاجيات بتكلفة مناسبة.
 
صندوق مكافحة كورونا، الذي أمر جلالة الملك محمد السادس بإحداثه، جمع أزيد من 34 مليار درهم، نريد معرفة نصيب قطاع الصحة منها، وماذا أنجز في هذا الإطار؟

 ثلاثة ملايير، صرفت في المعدات والحاجيات، وقد قمنا ب 3 ملايين و800 ألف تحليلة بمعدل تقريبي في حدود 500 درهم للتحليلة الواحدةبالإضافة إلى الأسرة وأجهزة التنفس الاصطناعية، والمستلزمات الوقائية، وتكاليف المستشفيات الميدانية والتكفل بالمرضى، والنظافة ومعالجة النفايات وكل هذا يحتاج إلى مصاريفوسنعلن مستقبلا عن كل هذه المعطيات، وكمدبرين لهذا القطاع سنقوم بعد الجائحة بالتصريح بممتلكاتنا.
 
في تقديركم، متى تعود الحياة إلى طبيعتها في المغرب؟
 
حسب المؤشرات أصبح المواطنون أكثر فأكثر يلتزمون بالإجراءات الاحترازيةفي مدينة الدار البيضاء مثلا أصبحت الساكنة تتخوف من الإصابة، ومع مرور الوقت دخلت كورونا كل البيوت والأسر تقريبا، بل هناك من فقد أحد الأقارب جراء الإصابة وهكذا بدأ الناس يأخذون الأمر على محمل الجد،  وبدأوا يلتجئون إلى المستشفيات.

ساعة الفرج اقتربت بإذن الله سبحانه، وبفضل مجهودات جلالة الملك نصره الله، فضلا عن الجهود التي يبذلها المتدخلون في القطاعوبالمناسبة نتوجه بالشكر لوزارة الداخلية، الجيش الملكي، وزارة الخارجية، نساء ورجال الإعلام ونساء ورجال الصحة الذين كانوا جنودا مجندة من الوهلة الأولىكما لا يفوتني أن أذكر بأن الحملة الوطنية للتلقيح، ستمر بحول الله وقوته في أجواء من الاحتراز والوقاية، وعيا منا أننا مازلنا في زمن الجائحة، كما أنه لا بد من التذكير أيضا بأن الجرعة الثانية من اللقاح تحتاج فترة زمنية، لا تقل عن  28 يوما، لنصل إلى اكتساب الأجسام المضادة ، ونتحرر بشكل جماعي من الفيروس، ولنعيد في النهاية الحياة  إلى طبيعتها الأولى.                



في نفس الركن