العلم - بقلم د. كمال أكوجكال
يمتد صخب الأعراس في ليالي الصيف الدافئة
وتتقد شرارة الرغبة في إشباع كافة الشهوات لدى بني البشر،
تماما كما تتقد بينهم المنافسة على أحسن عرس وأترفه وأكثره إهدارا للمال الذي يوشك، كما الماء، أن يصبح أنذر من أن تضحي برميه في ليلة واحدة في جب الكبرياء والتطاحن من أجل المظاهر الخادعة.
في حياتي الممتدة حوالي خمسين ربيعا لم أحضر سوى خمسة أعراس حسب ما أذكر.
فقد ظللت أكره الأعراس منذ زمن، ولا سيما منذ أن تحولت حدائق بعض الفنادق إلى قاعات أفراح في الهواء الطلق تطلق ضجيجها الصاخب إلى ما بعد آذان الفجر وتقض مضجع الأسر الذين لم يبد منهم أي احتجاج إلا عندما أضحى الصخب يهدد مستقبل أبنائهم المقبلين على اجتياز امتحانات الباكالوريا.
النجاح ليس كافيا، الكل يصبو إلى التفوق الذي يعد شرطا للظفر بما يرضي النفوس والأسر.
تلك الأسر التي تكونت غالبا في أحد أيام الصيف والتي تتمزق خريفا وشتاء أو باقي أيام الفصول الأخرى.
من سنن الحياة أن يغادر الصغار أعشاش الوالدين وأن يبنوا أعشاشا جديدة يسكنوها ويسكنون فيها إلى "شريك الحياة" إلى أن يفرقهم الممات...أو ما أتى إلى البيت من تأثيرات.
صغار آخرون يرون النور في الأعشاش الجديدة. أعشاش أقل رحابة أو أكثر ضيقا من تلك التي غادرها من أنجبهم.
أعشاش في بنايات عمودية تحشر فيها الأجيال الجديدة بعضهم فوق بعض وتحت بعض. جيران أو فئران تسمع همساتهم وتعرف عنهم أكثر مما يعرفون عن أنفسهم دون قصد. "الحيطان لها آذان" وليس أذنين.
يسمع المرء كل شئ تقريبا لكن الكل يتحاشى الأنين الصامت لرب الأسرة المتدمر من اشتعال نيران الأسعار ومن الضغط الرهيب ومن خيبات الأمل المتنوعة في كل وقت وحين...
عدت إلى آسفي، عدت إلى البناية العمودية، عدت ووجدت الفندقين المجاورين لمسكني قد أغلقا أبوابهما. لن أضطر إذن إلى تحمل ذلك الصخب في غز موسم الأعراس.
أتيت إلى العش الشاهد على كفاحي المستميت لنيله وتحسينه وتزيينه وجعله عشا يستحق أن أعيش فيه أنا ومن أعز منذ نعومة أظافر صغيرتي...
نعم...أنا أيضا رب أسرة واكتشفت ذلك حينها وتحملت رغما عني هذه المسؤولية الجسيمة. أن تكون ربا ولو على مستوى مصغر أمر صعب جدا...يستهان بالزواج حتى تأتي لحظات العيش المرير...وضرورة السيطرة على الأوضاع، تلك الأوضاع الفارة منا...فهي خارجة عن إرادتنا في أغلب الأحيان.
تزامن حضوري إلى أسفي بدعوة سابقة لعرس من عريس جميل جدا....عريس أقدره وأعزه...سار على خطاي ورسم لنفسه مسارا مهنيا وعلميا واضح المعالم....
دعاني ياسين لحفل زفافه....نعم دعاني واستجبت لدعوته مستسلما لإصراره المتواصل على حضوري....
حضرت أول عرس منذ ما يربو على ثلاثين سنة...
سرني جدا حضوري الذي لم أكن أبدا متأكدا من رغبتي فيه...
حضرت رغما عني وسررت رغما عني....
استقبال جميل من أفراد أسرة ياسين ومن علي الشخص الجميل الموهوب صديق ياسين وزميله في مقاعد الدراسة في المدرج الذي كنت فيه دون مغالاة الأب والأخ والصديق لكافة طالباتي وطلبتي...
حضرت واستمتعت بالموسيقى، تلك الموسيقى، موسيقانا التي تهيج النفوس والتي نظمها وأداها أشخاص بكل احترافية رغم كون أقدامهم لم تطأ يوما معهدا للموسيقى. تلك الموسيقى الشعبية الصاخبة جدا التي لم تقض مضجعي هذه المرة بل حركت ما بداخلي، بل حركتني من مكاني.
سعادتي حينها كانت عصية على الوصف...امتزجت ابتسامة ياسين وسعادته مع شعوري بالغبطة التامة.
نسيت آرائي في موضوع عقد القران, وتمنيت أمنية واحدة ووحيدة : ألا يصيب ياسين وقرينته ذلك الوباء المنتشر، وباء الرغبة الجامحة في الفراق بسبب أو بأهون من أن يسمى سببا.
يمتد صخب الأعراس في ليالي الصيف الدافئة
وتتقد شرارة الرغبة في إشباع كافة الشهوات لدى بني البشر،
تماما كما تتقد بينهم المنافسة على أحسن عرس وأترفه وأكثره إهدارا للمال الذي يوشك، كما الماء، أن يصبح أنذر من أن تضحي برميه في ليلة واحدة في جب الكبرياء والتطاحن من أجل المظاهر الخادعة.
في حياتي الممتدة حوالي خمسين ربيعا لم أحضر سوى خمسة أعراس حسب ما أذكر.
فقد ظللت أكره الأعراس منذ زمن، ولا سيما منذ أن تحولت حدائق بعض الفنادق إلى قاعات أفراح في الهواء الطلق تطلق ضجيجها الصاخب إلى ما بعد آذان الفجر وتقض مضجع الأسر الذين لم يبد منهم أي احتجاج إلا عندما أضحى الصخب يهدد مستقبل أبنائهم المقبلين على اجتياز امتحانات الباكالوريا.
النجاح ليس كافيا، الكل يصبو إلى التفوق الذي يعد شرطا للظفر بما يرضي النفوس والأسر.
تلك الأسر التي تكونت غالبا في أحد أيام الصيف والتي تتمزق خريفا وشتاء أو باقي أيام الفصول الأخرى.
من سنن الحياة أن يغادر الصغار أعشاش الوالدين وأن يبنوا أعشاشا جديدة يسكنوها ويسكنون فيها إلى "شريك الحياة" إلى أن يفرقهم الممات...أو ما أتى إلى البيت من تأثيرات.
صغار آخرون يرون النور في الأعشاش الجديدة. أعشاش أقل رحابة أو أكثر ضيقا من تلك التي غادرها من أنجبهم.
أعشاش في بنايات عمودية تحشر فيها الأجيال الجديدة بعضهم فوق بعض وتحت بعض. جيران أو فئران تسمع همساتهم وتعرف عنهم أكثر مما يعرفون عن أنفسهم دون قصد. "الحيطان لها آذان" وليس أذنين.
يسمع المرء كل شئ تقريبا لكن الكل يتحاشى الأنين الصامت لرب الأسرة المتدمر من اشتعال نيران الأسعار ومن الضغط الرهيب ومن خيبات الأمل المتنوعة في كل وقت وحين...
عدت إلى آسفي، عدت إلى البناية العمودية، عدت ووجدت الفندقين المجاورين لمسكني قد أغلقا أبوابهما. لن أضطر إذن إلى تحمل ذلك الصخب في غز موسم الأعراس.
أتيت إلى العش الشاهد على كفاحي المستميت لنيله وتحسينه وتزيينه وجعله عشا يستحق أن أعيش فيه أنا ومن أعز منذ نعومة أظافر صغيرتي...
نعم...أنا أيضا رب أسرة واكتشفت ذلك حينها وتحملت رغما عني هذه المسؤولية الجسيمة. أن تكون ربا ولو على مستوى مصغر أمر صعب جدا...يستهان بالزواج حتى تأتي لحظات العيش المرير...وضرورة السيطرة على الأوضاع، تلك الأوضاع الفارة منا...فهي خارجة عن إرادتنا في أغلب الأحيان.
تزامن حضوري إلى أسفي بدعوة سابقة لعرس من عريس جميل جدا....عريس أقدره وأعزه...سار على خطاي ورسم لنفسه مسارا مهنيا وعلميا واضح المعالم....
دعاني ياسين لحفل زفافه....نعم دعاني واستجبت لدعوته مستسلما لإصراره المتواصل على حضوري....
حضرت أول عرس منذ ما يربو على ثلاثين سنة...
سرني جدا حضوري الذي لم أكن أبدا متأكدا من رغبتي فيه...
حضرت رغما عني وسررت رغما عني....
استقبال جميل من أفراد أسرة ياسين ومن علي الشخص الجميل الموهوب صديق ياسين وزميله في مقاعد الدراسة في المدرج الذي كنت فيه دون مغالاة الأب والأخ والصديق لكافة طالباتي وطلبتي...
حضرت واستمتعت بالموسيقى، تلك الموسيقى، موسيقانا التي تهيج النفوس والتي نظمها وأداها أشخاص بكل احترافية رغم كون أقدامهم لم تطأ يوما معهدا للموسيقى. تلك الموسيقى الشعبية الصاخبة جدا التي لم تقض مضجعي هذه المرة بل حركت ما بداخلي، بل حركتني من مكاني.
سعادتي حينها كانت عصية على الوصف...امتزجت ابتسامة ياسين وسعادته مع شعوري بالغبطة التامة.
نسيت آرائي في موضوع عقد القران, وتمنيت أمنية واحدة ووحيدة : ألا يصيب ياسين وقرينته ذلك الوباء المنتشر، وباء الرغبة الجامحة في الفراق بسبب أو بأهون من أن يسمى سببا.