العلم- ليلى فاكر
كشف وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، خلال مثوله بمجلس النواب، عن معطيات رقمية جديدة تؤكد تسجيل تراجع ملحوظ في ظاهرة زواج القاصرات بالمغرب، مؤكدا أن المعالجة الفعلية للملف تمر عبر تغيير الثقافة السائدة وتعزيز الوعي المجتمعي بخطورة هذه الممارسة، وأوضح وهبي أن الأرقام المسجلة تعكس انخفاضا كبيرا في حالات الزواج دون سن الأهلية، حيث تراجعت من 26 ألفا و298 حالة سنة 2017 إلى 8 آلاف و955 حالة فقط خلال سنة 2024، مسجلة تراجعا يناهز 20 ألف طلب.
وبلغة الأرقام نفسها، أبرز وزير العدل التفاوت القائم بين الوسطين القروي والحضري، مذكرا بأن سنة 2020 سجلت 11 ألفا و830 طلبا في العالم القروي مقابل 4527 طلبا فقط في المجال الحضري، كما أشار إلى استمرار منحى التراجع خلال سنة 2023، التي عرفت تسجيل 9021 طلبا، من بينها 2880 في الوسط الحضري.
وفي ختام توضيحاته، شدد وهبي على أن زواج القاصرات “قضية ثقافة ووعي” قبل أن تكون مسألة قانونية، داعيا إلى تعزيز الوعي الجماعي بدور الفتاة وفرصها المستقبلية، ومجددا تأكيده أن «مكان الفتاة هو المدرسة وليس الزواج».
وفي هذا السياق أكد محمد حبيب، أخصائي اجتماعي وباحث في علم النفس ورئيس الجمعية الوطنية للمساعدة الاجتماعية بقطاع العدل، أن الأرقام التي تحدث عنها وزير العدل بخصوص تراجع حالات زواج القاصرات من 26 ألف حالة سنة 2017 إلى أقل من 9 آلاف سنة 2024 “قد تبدو في ظاهرها مؤشرا إيجابيا”، لكنه شدد على أن القراءة الواقعية للظاهرة داخل المحاكم تكشف وجها آخر أكثر تعقيدا.
وأفاد حبيب في تصريح ل»العلم»، أن التراجع العددي لا يعكس دائما الوضع الحقيقي خارج جدران المحكمة، موضحا أن هناك أشكالا أخرى من الارتباط قد تلجأ إليها بعض الأسر، مثل الزواج العرفي أو الارتباطات غير الموثقة أو تأجيل توثيق الزواج إلى حين بلوغ السن القانوني، وهو ما يجعل جزءا من الظاهرة أكثر خفاء وأصعب في التتبع والحماية.
وصرح بأن تشدد القضاة في منح الإذن خطوة لحماية الطفلات من مصير غير ناضج، غير أن بعض الأسر قد تتحرك في الاتجاه المعاكس تحت ضغط الفقر والهشاشة والأعراف والخوف من نظرة المجتمع، مما يجعل انخفاض الرقم في المحكمة لا يعكس بالضرورة اختفاء الظاهرة.
وأضاف حبيب أن السؤال الجوهري اليوم ليس كم تراجع العدد؟ وإنما ما الذي تغيّر فعلا في حياة الطفلات؟ متسائلا عن نسب الهدر المدرسي، وتحسن أوضاع الأسر، ومكانة المدرسة في وعي الطفلات، ومدى توفر الدعم الاجتماعي القادر على حمايتهن من الاختيارات القسرية.
وأكد أن معركة مواجهة زواج القاصرات ليست قانونية فقط، بل هي معركة وعي وتربية وتنمية بشرية، داعيا إلى تعزيز الحماية الاجتماعية، ودعم الأسر تربويا، وتكثيف حضور المساعدة الاجتماعية داخل المحاكم، لما لها من دور يتجاوز تحرير التقارير إلى مرافقة الطفلات وفهم سياقاتهن النفسية والاجتماعية.
وأفاد أيضا بأن الأرقام المعلنة، رغم أهميتها، تبقى سطحية إن لم ترفق بتتبع حقيقي لمآلات الزواج المبكر، مشددا على ضرورة معرفة كم من هذه الزيجات انتهت بالطلاق، أو عرف العنف، أو ترتبت عنه آثار نفسية واجتماعية على الطفلات اللواتي دخلن مؤسسة أكبر من قدراتهن العمرية.
وختم محمد حبيب تصريحه بالتأكيد على أن النقاش الوطني حول إصلاح مدونة الأسرة فرصة لاعتماد رؤية تنصت إلى نبض الطفلات قبل الأرقام، مشيرا إلى أن حماية الطفولة مشروع مجتمع كامل، وليس مسؤولية وزارة واحدة، كما جدد باسم الجمعية الوطنية للمساعدة الاجتماعية بقطاع العدل الاستعداد التام للمساهمة في كل مبادرة تدعم حقوق الطفلات وتعزز حضور المساعدة الاجتماعية داخل المحاكم، حتى يكون التراجع الرقمي تراجعاً حقيقياً في المأساة، لا مجرد انتقال لها من العلن إلى الظل.
رئيسية 








الرئيسية 






