
العلم الإلكترونية - هشام الدرايدي
احتضنت مدينة إفران، المصنفة كإحدى أجمل الوجهات الطبيعية بالمغرب، صباح يوم الأربعاء 24 شتنبر الجاري، أشغال المؤتمر الدولي الأول للسياحة البيئية والاستثمار المستدام، بمشاركة وزراء ومسؤولين حكوميين وجهويين، وخبراء وفاعلين وطنيين ودوليين في المجال السياحي والبيئي، وقد شكلت هذه التظاهرة محطة مهمة لتبادل الرؤى حول سبل تطوير نموذج سياحي مسؤول يحترم البيئة ويخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
في هذا الصدد، أكد نزار بركة، وزير التجهيز والماء، في كلمته الافتتاحية أن اختيار مدينة إفران لاحتضان المؤتمر لم يكن اعتباطيا، بل جاء استنادا إلى مؤهلاتها الطبيعية الفريدة التي تزخر بها وتميزها عن باقي المدن المغربية، كما تجسد روح السياحة البيئية المستدامة، موضحا أن منظمة السياحة العالمية تعرف هذا النمط السياحي بأنه سياحة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بما يضمن التوازن بين تلبية حاجيات السياح والحفاظ على الموارد الطبيعية لصالح الأجيال القادمة.
وألقى الوزير الضوء على أهمية ترشيد الموارد الطبيعية، وعلى رأسها الماء، باعتباره من أثمن الثروات التي تواجه ضغطا كبيرا في المغرب، خاصة في القطاع السياحي، داعيا إلى اعتماد حلول مبتكرة مثل تحلية مياه البحر، وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة، وتطبيق تقنيات الاقتصاد في الماء، ومذكّرا في سياق حديثه ما ورد في الخطاب الملكي الأخير حول ترشيد استعمال الماء باعتباره مسؤولية جماعية.
كما أبرز بركة أن السياحة قطاع أفقي متداخل مع عدة مجالات، ولا يمكن أن ينجح إلا من خلال الالتقائية عبر شراكات عمومية وخاصة، سواء في مجال التمويل أو تبادل الخبرات، مشيرا إلى أن نجاح مشاريع مثل برنامج تنمية المنتزه الوطني لإفران بميزانية تناهز 734 مليون درهم، أكبر دليل على أهمية التنسيق بين مختلف مستويات الحكامة، كما أعلن في هذا الصدد عن انطلاق الدراسات الخاصة بسد "راس الماء" الذي سيساهم في دعم الموارد المائية والسقي وتعزيز التنمية المحلية في أفق 2027.

من جهتها، أكدت فاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، أن المغرب يعمل تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس على جعل الاستدامة ركيزة أساسية في تطوير السياحة الوطنية، كما أوضحت أن خريطة الطريق الجديدة للقطاع تولي اهتماما خاصا للمشاريع السياحية المستدامة، حيث تم تمويل أكثر من 200 مشروع، منها 40 مشروعا في مجال الطاقات المتجددة وترشيد استهلاك الماء والطاقة.
وأشارت الوزيرة إلى برنامج "القرى السياحية" الذي خصص له غلاف مالي يناهز 200 مليون درهم بهدف تثمين 16 وجهة قروية وإبراز تنوعها الثقافي والطبيعي، إضافة إلى إطلاق مشاريع مبتكرة للإيواء السياحي البيئي في المنتزه الوطني لإفران، مؤكدة أن الهدف هو جعل إفران نموذجا وطنيا ودوليا في السياحة المستدامة، بما يوفر فرصا اقتصادية للشباب والمقاولات الصغرى والمتوسطة، ويحسن مستوى عيش الساكنة المحلية.

أما عبد الواحد الأنصاري، رئيس مجلس جهة فاس-مكناس، فقد شدد في مداخلته على أن السياحة المستدامة خيار استراتيجي لجهة فاس-مكناس لما تزخر به من مؤهلات طبيعية وثقافية وتراثية، وأوضح أن المجلس يعمل في انسجام مع الرؤية الوطنية لتثمين هذه المؤهلات عبر برامج تنموية مهيكلة، من بينها خارطة تنمية السياحة، وبرنامج تشوير المجالات الطبيعية، فضلا عن شراكات دولية مع جهات فرنسية لتبادل التجارب.
وأشار الأنصاري إلى أن مشروع إعادة تأهيل المنتزه الوطني لإفران يعتبر أحد المشاريع الرائدة بالجهة، لما يتيحه من حماية للتنوع البيولوجي وتطوير مرافق سياحية بيئية حديثة، إضافة إلى خلق فرص اقتصادية محلية عبر إدماج الساكنة في الأنشطة السياحية الموازية، وتثمين المنتجات المجالية والصناعات التقليدية.
وأكد رئيس الجهة أن الرهان المستقبلي يكمن في جعل السياحة البيئية دعامة رئيسية لتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، مع ضرورة تعبئة جميع الأطراف متمثلة في مؤسسات الدولة، والجماعات الترابية، المستثمرين والساكنة المحلية، كما جدد التأكيد على أن المغرب، باستضافته لبطولات ومناسبات كبرى مثل كأس العالم 2030، يسعى إلى تقديم نفسه كنموذج رائد في تطوير سياحة خضراء مسؤولة على الصعيدين الإفريقي والعالمي.
واختتمت الجلسة الافتتاحية بالتأكيد على أهمية الخروج بتوصيات عملية قادرة على توجيه السياسات العمومية والاستثمارات الخاصة نحو سياحة مستدامة تحافظ على الموارد الطبيعية، وتحسن ظروف عيش الساكنة، وتمنح صورة مشرفة للمغرب كوجهة عالمية مسؤولة وصديقة للبيئة.
