Quantcast
2020 أبريل 15 - تم تعديله في [التاريخ]

افتتاحية.. مشروع القانون 22.20 والمسؤولية الأخلاقية والسياسية للحكومة


مازال مشروع قانون رقم 20.22 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح  والشبكات المماثلة، أو ما يعرف شعبيا بمشروع قانون تكميم الأفواه، يثير ردود فعل قوية في مواجهته، كما أن العديد من التفاصيل يسدل عنها الستار يوما بعد يوم، أمام مشهد حكومي يبعث على الشفقة، حيث أصبحت مكونات الأغلبية الحكومية  تتنصل من مسؤولياتها تباعا، وكل واحد على شاكلته.

لفهم الخلفيات الحقيقية وراء محاولة الحكومة إصدار قانون لرقابة شبكات التواصل الاجتماعي، ينبغي العودة إلى حركة المقاطعة التي عرفتها بعض المواد الاستهلاكية ببلادنا، حيث خرج مصطفى الخلفي الناطق الرسمي باسم الحكومة آنذاك بعض مضي عدة أسابيع عن إعلان المقاطعة، ووعد بمراجعة القانون كما توعد بمتابعة مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي وصرح في ندوة صحافية بعد اجتماع مجلس الحكومة بتاريخ  10 ماي  2018 ، حيث قال  »إن ترويج ادعاءات أخبار زائفة مخالف للقانون، ولا علاقة له بحرية التعبير، وسنراجع القانون الحالي لأن ترويج الأخبار الزائفة تضر الاقتصاد الوطني في قطاع الفلاحة وهو قطاع مهم».

غادر الخلفي سفينة الحكومة، ولم يغادر معه الوعد الذي قطعه بمراجعة القانون. وبما أن حكومة  العثماني متضامنة في الضراء، فقد عاودت الاشتغال على مشروع قانون السيئ الذكر، وأسندت مهمة إعداده ليس لوزير الاتصال الأقرب بحكم وظيفته إلى مجال التواصل والتعبير، ولا إلى وزير حقوق الإنسان المعني بمنظومة الحقوق والحريات، بل لوزير العدل الذي يهتم بشكل أساسي بوضع السياسة الجنائية ببلادنا. وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول اسناد مهام إعداد هذا المشروع لوزير العدل ؟؟ هل يتعلق الأمر فعلا بالاختصاص أو أنه يدخل في إطار المناولة السياسية ؟؟.

إن محاولة تمرير مقتضيات قانونية لحماية مصالح اقتصادية لبعض الأطراف، إلى جانب إدراج مقتضيات قانونية تجرم المس بثوابت المملكة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أمر مرفوض سياسيا وأخلاقيا.
نعم ينبغي تحصين ثوابت المملكة وتمنيعها من كل أعمال النشر التي تتضمن سبا أو قذفا أو إساءة، او تحقيرأو أهانة، وينبغي تفعيل المتابعة القضائية في حق المرتكبين لهذه الأفعال. لكن السؤال الذي يطرح، هل لدينا فراغا قانونيا في هذا المجال؟

لا أبدا، فالمنظومة التشريعية الوطنية غنية في هذا الباب، حيث نجد مقتضيات القانون الجنائي ، وقانون الصحافة والنشر، وقانون مكافحة الإرهاب بالإضافة إلى نصوص أخرى متفرقة  وهي كافية للتصدي لمثل هذه الجرائم.

أما بالنسبة للمجتمع ، فقد وضع المشرع مقتضيات زجرية وعقابية، لحماية الأفراد والمجتمع، وهي العقوبات التي تمتد من ستة أشهر حبسا إلى 5 سنوات بالإضافة إلى الغرامات المالية، والمنصوص عليها في الفصول 447-1، و447-2 و 447-3 من القانون الجنائي والتي تحمي جميعها الحياة الخاصة والحق في الخصوصية والحق في الصورة، وتتصدى لأفعال بت وتوزيع  الصور والأقوال او المعلومات الخاصة دون موافقة أصحابها، او توزيع ادعاءات وأخبار ووقائع كاذبة، قصد المس بالحياة الخاصة أو التشهير بهم.

من خلال ما تم عرضه، يتبين أن المنظومة التشريعية الوطنية تتضمن ما يكفي من المقتضيات القانونية للتصدي لبعض الممارسات المسيئة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة.

ويكفي الرجوع إلى مئات القضايا التي تم ويتم تداولها أمام المختلف المحاكم المغربية والمتعلقة بالإساءة إلى ثوابت المملكة أو المس بالحياة الخاصة وبالخصوصية، او بالسب والقذف، ولا يعاني القضاء من أي فراغ قانوني في هذا الشأن.

الأمر الوحيد الذي بقي هو تمرير مقتضيات زجرية تتعلق بمقاطعة المواد والخدمات، والتحريض عليها، وهذا هو حصان طروادة الذي يراد له أن يمر بسرعة البرق بين دفات هذا المشروع الذي يبدو أن ظاهره الحق وباطنه الباطل.

بالرجوع إلى اجتماع مجلس الحكومة ليوم 19 مارس 2020 ، نجد ان جدول الأعمال الذي تم الإعلان عنه، لم يتضمن في البداية مشروع قانون  رقم 20.22، إلا أنه  قبل الاجتماع بيوم واحد أي بتاريخ 18 مارس 2020  قام الامين للحكومة بتوجيه رسالة الى اعضاء الحكومة يخبرهم فيها بأنه تقرر اضافة مشروع القانون المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي إلى جدول اعمال مجلس الحكومة، وأنه سيوافي أعضاء الحكومة بنسخة من مشروع القانون. 

بمعنى أن الوزراء لم يتوصلوا بالمشروع ولم يطلعوا على مضامينه قبل انعقاد مجلس الحكومة. وهذا ينافي قواعد العمل الحكومي والأخلاق والأعراف السياسية المعمول بها في هذا الشأن.
وطبعا تمت إضافة هذا المشروع لجدول الأعمال بموافقة رئيس الحكومة.

وبالرجوع إلى البوابة الإلكترونية للأمانة العامة للحكومة لم نعثر ضمن خانة مشاريع النصوص الموزعة على أعضاء الحكومة أي مشروع قانون يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي قد يكون تم إرساله إلى الوزراء. بما يفيد أنه لم تتم إحالة المشروع على الوزراء كما هو الشأن بالنسبة لباقي مشاريع القوانين التي يتم الإخبار بتوجيهها إلى أعضاء الحكومة.

كما أن الأمانة العامة للحكومة لم تقم بنشر هذا المشروع في بوابتها الإلكترونية ضمن لائحة مسودة النصوص التشريعية التي دأبت على نشرها لإبداء الرأي وإغناء النقاش حولها من طرف عموم الرأي العام كما جرى به العمل ، انسجاما مع مبادئ الشفافية والديمقراطية التشاركية.

إن هذا الأمر يطرح علامات استفهام كبيرة، تتعلق بصيغة الاستعجال غير المبررالذي اتخذه هذا المشروع والخلفيات التي تحكمت فيه، وبالممارسات الواضحة للتعتيم عليه.

الوجه الأول للاستعجال غير المبرر، هو إلحاقه بجدول أعمال مجلس الحكومة في آخر ساعة، وهذا يطرح علامات استفهام حول ما إذا كان قد تم إمداد الوزراء بهذا المشروع بوقت كاف حتى تتم دراسته، او تمت مباغتتهم في آخر ساعة بإدراجه في جدول الأعمال.

إذا كان الجواب بالإيجاب، فهذا يعني من الناحية السياسية والأخلاقية أنه كان على الوزراء أن يعترضوا مبدئيا على عرضه للمصادقة، وأن يطلبوا مدة زمنية إضافية لتعميق دراسته، قبل المصادقة عليه، والحال أنه تمت المصادقة على مشروع القانون، ثم بعد ذلك تمت تكوين لجنة تقنية وأخرى وزارية لإبداء ملاحظاتها. وهذا الأمر لا يستقيم، إذ جرى العرف الحكومي أنه عندما لا يكون مشروع قانون يحظى بموافقة أعضاء الحكومة وأنه غير جاهز يتم إرجاء البت فيه لتعميق النقاش حوله، وتتم برمجته في اجتماع حكومة لاحق.

الوجه الثاني للاستعجال غير المبرر، ويتعلق بمحاولة تمريره في فترة حالة الحجر الصحي بالموازاة مع مرسوم إعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد.أي في سياق ظرفية استثنائية.

ومن المعروف أن القوانين المتعلقة بالحريات العامة وحرية الصحافة والتعبير لا يتم تمريرها في الظروف الاستثنائية وإن حصل فإنها تتأثر بالبيئة العامة وبشروط وظروف وضعية الاستثناء وتأتي بالتالي متشددة ومضيقة على الحقوق وخانقة للحريات العامة.

لكن إذا ظهر السبب بطل العجب كما يقولون. يبدو أن الحكومة كانت تستعجل الموافقة على المشروع، والعمل على تمريره في البرلمان في ظل حضور محدود للبرلمانيين سواء في اللجان المختصة أو في الجلسات العامة بفعل حالة الحضر الصحي وحالة الطوارئ الصحية، وتفادي السجال السياسي والنقاش العمومي حوله، وتهريب هذا المشروع تحت جبة الاتفاق السياسي بين مكونات الأغلبية، الذي كان يكفي أن يوافق عليه  10  نواب فقط حتى يصبح نافذا بعد نشره في الجريدة الرسمية.

عند تحليل الوضع، يتبين أن الحكومة وقعت في ارتباك كبير، ولعل تنصل أعضائها وأحزاب الأغلبية من هذا المشروع يبين الجبن السياسي للحكومة ولمكوناتها لأنها، أولا لا تملك الجرأة لمواجهة الرأي العام والدفاع عن مشروعها، إذا كانت بالفعل مقتنعة به. وثانيا لأنها ضربت تعتيما كليا على هذا المشروع، وكأن لا عين رأت ولا أذن سمعت.

عندما تفجرت هذه الفضيحة، خرجت علينا البعض بتحاليل واستجوابات ومرافعات ركزت بشكل أساسي على موضوع التسريب، في محاولة يائسة لتهريب النقاش الحقيقي حول هذا المشروع المشؤوم. في دولة الشفافية والدستور والحق في المعلومة، من العيب ان نتحدث عن التسريب، وكأنه جريمة، بل المفروض هو إحاطة الرأي العام علما بالقضايا وبمشاريع القوانين التي تهمه وتهم المجتمع.

لا يهمنا أمر التسريب، فهذا متروك لمكونات الحكومة التي وجدت فيه مجالا خصبا لتصفية حساباتها السياسية بين مكونات أغلبيتها، وفرصة للمزايدات السياسية وتبادل الاتهامات والضرب تحت الحزام.

التسريب ليس جريمة، ما دام لم يتعلق بالاستثناءات الواردة على الحق في الحصول على المعلومة الواردة في القانون 13-13  كتلك المتعلقة بأسرار الدولة أو بأمنها الداخلي أو الخارجي أو بمعلومات عسكرية او استخباراتية ذات حساسية او وفق.

إن  القانون التنظيمي لأعمال الحكومة يلزم أعضاء الحكومة بسرية المداولات داخل مجلس الحكومة، والحال أننا لسنا أمام تسريب للنقاش الذي دار داخل المجلس، بل نحن أمام مشروع قانون ومذكرة جوابية لوزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، وكلاهما لا يتوفران على طابع السرية ولا  يمنع أي قانون من نشرهما.

إن النقاش ينبغي أن يبقى مركزا على مقتضيات هذا المشروع وما يحمله من مضامين تقيد حرية الرأي والتعبير وتنذر بممارسة الرقابة على الشعب. ما عداه هو محاولة لتهريب النقاش لإعادة صناعة أجندة سياسية جديدة لتحويل بؤر التركيز إلى قضايا هامشية.

ما يثير التخوف هو أن يقع اتفاق سياسي بين الحكومة وبعض المؤسسات الدستورية المعنية بالحريات وحقوق الإنسان على تمرير هذا المشروع، وخرق مبدأ السلطة تحد من السلطة، والانتصار للانتماء السياسي والإيديولوجي.

من الناحية السياسية فالحكومة مسؤولة مسؤولية تضامنية، وجميع أطيافها السياسية متورطة فيه بدون استثناء، وينبغي أن تكون لديها الشجاعة لسحب هذا المشروع المشؤوم القاضي بممارسة الرقابة على الشعب، وتكميم الأفواه، وإخراس الأصوات الحرة، والرامي في نفس الوقت إلى حماية مصالح معينة، لأنه يتناقض مع الأسس المرجعية المعيارية الدولية لحقوق الإنسان والحريات العامة، ويتناقض مع روح وجوهر الوثيقة الدستورية لبلادنا، ومع منطق الانفتاح والحرية الذي فرضته ثورات تكنولوجيا الإعلام والاتصال.
 
العلم 

              
















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار