Quantcast
2021 ديسمبر 3 - تم تعديله في [التاريخ]

الإيمان بالعلم يجنب تجريب الجهل


العلم الإلكترونية - بقلم عبد الله البقالي
 
وإن كان لا أحد فوق الكرة الأرضية، بما في ذلك العلماء والخبراء والمتخصصين في الدراسات العلمية المستقبلية يملك حتى مشروع جواب واضح عن ركام الأسئلة، الذي يزيد تراكمه كل لحظة وحين، وتتعلق كلها بالتطورات المتعلقة بهذا الفيروس اللعين، الذي أحدث رجات عنيفة في الأوضاع الاجتماعية كما في الأوضاع الاقتصادية و السياسية، و تسبب في سيادة مظاهر خوف مقلقة جدا، نتيجة انعدام وضوح الرؤية بالنسبة للمستقبل المنظور .وكل ما يمكن الإقرار به لحد اليوم أن العلم والعلماء فشلوا في القضاء النهائي على هذا الفيروس الصغير، بل لم يجمعوا حتى على مصدره ومنشئه، وبقي الفيروس حيا، يمارس نشاطه المدمر بكثير من الحرية و الأريحية .

لا جدال في أن سنتين من عمر الوباء، الذي لا يمكن التكهن لحد اليوم بعمره الافتراضي، غيرت ملامح النظام العالمي، وتسببت في بداية إعادة تشكيله على أساس المعطيات والنتائج، التي تسترسل تداعيات انتشار الوباء في الكشف عنها. لقد دمر الوباء حياة ملايين البشر سواء الذين لفظوا أنفاسهم الأخيرة بسببه في غياب شبه مطلق للعلاج الطبي المناسب، أو الذين فقدوا مصادر عيشهم و وجدوا أنفسهم في لحظة مباغتة بدون مصدر رزق، لأن كثيرا من الاقتصاديات تهاوت بسبب الخسائر الفادحة التي تكبدتها، نتيجة تدابير الإغلاق و العزل التي سارعت مختلف السلطات العمومية، في جميع أنحاء العالم، إلى اتخاذها للاحتماء بها في مواجهة الشراهة العنيفة التي أبداها الفيروس خلال فترات طويلة .ولم تكتف تداعيات الوباء بعد سنتين كاملتين بهذه الحصيلة الكارثية ، بل طالت جوانب أخرى من الحياة البشرية، حيث ملت هذه الجائحة فرصة سانحة لتجريب مجموعة من القيم الإنسانية، كما الشأن بالنسبة للتضامن العالمي والتعاون بين الشعوب في مواجهة الكوارث الكونية و الطوارئ العالمية . كما كانت مناسبة لائقة لاختبار قوة ومتانة الخدمات العمومية، خصوصا في مجالات الصحة و الرعاية الاجتماعية .ولا غرو في أن الجائحة خلفت بعد سنتين فقط من عمرها أجواء رعب حقيقية في العالم بأسره، لا فرق في ذلك بين دولة عظمى و أخرى متوسطة القوة وثالثة ضعيفة القوة. هذه الأجواء ناتجة عن انعدام وضوح الرؤية بالنسبة للمستقبل المنظور. فما تأكد لحد اليوم أن خطورة هذا الفيروس لا تحد، وتكمن أساسا في التحول والتغير والتناسل والتوالد، مما حد من الفعالية العلمية للقاحات و من الجهود العلمية المبذولة في سبيل القضاء عليه. و واضح أن مشروعية هذه المخاوف مبررة فيما يعيشه العالم حاليا، حيث ارتفعت معدلات الإصابات بالفيروس اللعين بشكل مذهل وخطير في الدول التي حققت أعلى معدلات التطعيم ، في بريطانيا كما في هولندة، كما في النمسا، كما في فرنسا وألمانيا وغيرها كثير، مما ساهم إلى حد كبير في أن يفقد جزء كبير جدا من المواطنين في مختلف أرجاء العالم الثقة في فعالية هذه اللقاحات الكثيرة التي قيل في البداية إنها كفيلة بالقضاء على الوباء، قبل أن يقال إنها تحمي الذين خضعوا لها من الإصابة، قبل أن ينزل السقف إلى مجرد تخفيف الأعراض بعد الإصابة، و قبل أن يتم الترويج للحقن بالجرعة الثالثة لأن عمر الجرعتين السابقتين محدود. وهكذا أضحى مفهوما، حتى لا نقول مبررا، انعدام الثقة المطلقة فيما يبذل من جهود علمية جبارة للقضاء على الوباء، خصوصا أن جميع الدول العظمى التي عاد الفيروس للانتشار فيها بشكل مهول لم تجد بديلا عن التدابير الاحترازية التي اتخذت في بداية انتشار الوباء، حيث أعادت من جديد فرض إجراءات الحجز و الإغلاق، و أكثرها ليونة في مواجهة هذا التغول الجديد للفيروس فرضت تدابير اعتبرها عدد كبير جدا من المختصين مسا واضحا و خطيرا بحرية الأشخاص في التنقل و في اتخاذ القرارات بصفة مستقلة ،خصوصا ما يتعلق بالتوفر على جواز التلقيح الذي ارتأى بعضهم أنه لا يعني في نهاية المطاف غير فرض إجبارية التلقيح ، الذي قيل في البداية إنه اختياري ، وإخضاع المواطنين لتدابير تمييزية خطيرة ، وهذا ما ذهب بالبعض بعيدا في الاعتقاد بنظرية المؤامرة، التي تمثل أسهل وأبسط سلوك بشري في التفاعل مع ما يحدث .

أجواء القلق التي تؤشر على بداية تشكيل معالم نظام عالمي جديد تجلت أيضا في الرفض العارم الذي انتشر في كثير من مناطق العالم، حيث خرج ملايين الأشخاص إلى الفضاءات العامة في حركات رفض واحتجاج لتدابير التضييق، ليس بسبب القناعات السياسية فقط الرافضة لجميع مظاهر التضييق على الحريات، و لكن أيضا لأنه بالنسبة لملايين الاشخاص، فإن هذه التدابير تمثل مواصلة إغلاق شرايين الحياة، و بالتالي قطع الأرزاق على ملايين الأشخاص الذين يفضلون مواجهة الوباء بما يحمله ذلك من مخاطر على تدابير العزل والإغلاق التي تعني بالنسبة إليهم موتا أليمًا لا يختلف عن خطر الموت الذي يحمله الوباء بصفة مباشرة .

ما هي آفاق الأوضاع العالمية في ضوء ما تعيشه البشرية حاليا ؟ سؤال يكتنف الجواب عنه كثيرا من الغموض والالتباس بعدما نجح الفيروس في فرض نفسه كحقيقة ثابتة أضحت ملازمة للحياة البشرية المعاصرة، بما يعني ذلك من حتمية تكييف هذه الحياة للتعايش مع الوباء . وأقصى ما يمكن أن نفسر به هذه المعادلة الصعبة هو تكريس الثقة في العلم كملاذ أخير لتجاوز مرحلة القلق و الخوف.فحياة الإنسان مهما طال أمدها، فهي قصيرة، و من الأفضل أن يعيشها الفرد في أجواء الثقة والاطمئنان بديلا عن الهوس و الخوف، و لأننا لا نملك ملاذا آخر أكثر أمنا واستقرارا، و إن كان الإيمان بالعلم في هذه المرحلة مكلفا نفسيا واقتصاديا واجتماعيا بالنظر إلى محدودية التصدي العلمي للوباء، فإن الكفر بالعلم في الظروف الراهنة قد يكون أكثر تكلفة ، فالإيمان و الاعتقاد في العلم اليوم أقل خطورة من تجريب الجهل ، لأن العواقب في هذه الحالة قد تكون أكثر خطورة وقتامة .
 
   للتواصل مع الأستاذ الكاتب : bakkali_alam@hotmail.com 
 

              



في نفس الركن
< >

الثلاثاء 23 أبريل 2024 - 16:14 شرف الانتماء إلى حزب الاستقلال















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار