Quantcast
2021 غشت 24 - تم تعديله في [التاريخ]

السينما في قفص الاتهام

حينما تختلط الرسالة الفنية للسينما بأجندات سياسية وتشهيرية...


العلم الإلكترونية - مروان حميدي

تعتبر السينما من أكثر الأشكال الفنية والتعبيرية تأثيرا في الوقت الراهن، فهي تلعب أدواراً مختلفة بين ما هو ترفيهي وتربوي وتثقيفي. كما أنها تساعد المرء على معرفة العالم والتعرف عليه من زاوية أخرى. ويرجع البعض البدايات الفعلية للسينما إلى حوالي سنة 1895 مع الأخوين الفرنسيين أغوست ولويس ليميير.

لكن انتشار السينما الواسع داخل المجتمع وقدرتها على التأثير وجذب الجمهور، جعلها تُستخدم أحيانا كأداة تواصلية موجهة تروم تمرير رسائل سياسية قوية لجهة معينة والتشهير بها.

إنّ الاستخدام السياسي والإيديولوجي للأفلام السينمائية جعل النقاد والباحثين يؤسسون لها إطارا مفاهيميا سمي بـ"سينما الدعاية". وتعد ليني رفينستال، المؤسسة الفعلية لهذا النوع من الأفلام، من خلال خدمة الأجندة النازية عبر إنتاجاتها السينمائية.

وكنماذج للعديد من الأفلام الدعائية ذات البعد السياسي، يمكن استحضار فيلمي "نو" لـ"بابلو الريان" و"واغ د دوغ" لـ"بيري لفنسون"، حيث يظهر الأول الأسلوب التسويقي لدولة ومعارضيها، والثاني من خلال فهم كيف تدار الأزمات وكيف يمكن تحقيق التفوق السياسي حتى وإن وجدت عوائق تحول دون نجاح الفاعل السياسي.

الروخ: رسالة السينما الفنية قد تنزاح لخدمة أجندات إيديولوجية وسياسية

إن للسينما دورا محوريا في تشكيل الوعي الجماعي للأفراد، وذلك لما تلعبه الصورة والحركة في تكوين تصورات تجاه قضايا متنوعة.

في هذا السياق، يؤكد الممثل والمخرج السينمائي، إدريس الروخ، في تصريح لـ"العلم"، أن "السينما تؤدي رسالة فنية لكن في الوقت نفسه لها أوجه تعبيرية أخرى، يمكن أن تكون جمالية، فلسفية، إنسانية وقد تنزاح في بعض الأحيان إلى ما هو إيديولوجي وسياسي".

فالممثل يعتبر أن السينما يمكن أن تسلط الضوء على بعض القضايا والظواهر التي يجب إصلاحها، مضيفا أن الجهة الحاملة للمشروع والمنتجة للفيلم "من الممكن أن تكون لها أهداف إصلاحية، كما من الممكن أن يكون هدفها الأساسي، هو التشهير والبروبغندا بالإضافة إلى إيصال رسائل ومعلومات تحتمل الصواب والخطأ، وقد تحمل في طياتها رسائل الترهيب والتخويف".

وشدد الروخ في تصريحه، على أن دمج السياسة في الأفلام السينمائية ليس أمرا وليد اللحظة بل يرجع إلى سنوات مضت، "خاصة خلال فترة الحرب الباردة، أو قبل ذلك في الحرب العالمية الثانية حينما استعملت ألمانيا الإنتاج السينمائي لإيصال معاني مرتبطة بالقوة والبطولة، علاوة على توجيه رسائل لأطراف أخرى".

فالمتلقي يجب أن يكون حذرا أثناء مشاهدته لمثل هذه الأفلام الحمالة لمضامين سياسية تكون في بعض الأحيان "خطيرة وموجهة لخلق الفتنة سواء داخليا أو خارجيا"، وفق الروخ.

وأردف المتحدث عينه، أن "ما يثير الاستغراب أحيانا هو اشتغال بعض الممثلين والممثلات وبعض من الكتاب والمخرجين في مثل هذه الأعمال السينمائية الخطيرة على المستوى الفكري، فعلى الممثل أن ينتبه من هذه الأفلام خصوصا إن كانت مغلقة ولا تقدم أي إضافة نوعية للفن السينمائي".

وأقر الروخ في آخر تصريحه لـ"لعلم" أن كل الأفلام المقدمة لها توجه معين، كما لها بعض الأفكار المدسوسة داخل طياتها، والسياسة تكون جزء من هذا الخطاب لكنه يكون خطاب ذكي قريب من المجتمع.

محسن بن زاكور: الأفلام السينمائية الموجهة قد تكرس الكراهية والحقد والإقصاء

إن الصورة السينمائية وما تلعبه من دور توجيهي داخل المجتمع من شأنه أن يؤثر على سلوكيات الأفراد وتصوراتهم لباقي المجتمعات.
وهو الأمر نفسه الذي أوضحه محسن بن زاكور، المختص في علم النفس الاجتماعي، في تصريح لجريدة العلم "أن السينما من الممكن أن تلعب دورا أكثر أهمية من المدرسة أو حتى الخطاب السياسي نظرا لقوة الخطاب السينمائي وتأثيره على المجتمع"، مشيرا أن الأفلام الموجهة سياسيا هي صناعة أمريكية، عملت على تطويرها لدرجة أنها أصبحت تعتمد على خبراء نفسيين لصناعتها، بهدف تكوين قناعات الشعب الأمريكي أو باقي الشعوب.

وأضاف أن من "ضمن هذه الأفلام، أفلام "رومبو" و"روكي" التي اشتغلت على تكريس التفوق الأمريكي على باقي الشعوب". بالإضافة إلى بعض الأفلام الموجهة المحدثة لما يعرف بالإسلام فوبيا.

وشدد بن زاكور أن هذه النوعية من الأفلام سيكون لها أثار سلبية على نفسية المجتمعات، فبعض المشاهد المعروضة داخل الفيلم كلما تكررت وبشكل سريع كلما شكلت صورة مغلوطة لدى المتلقي اتجاه أطراف أخرى، مما يجعل هذه الأفلام وسيلة لتكريس الكراهية والحقد والإقصاء.

وجهة نظر القانون...

إن اللبس والغموض اللذين يلفان هذه الأفلام، يجعل القوانين الوطنية والدولية غير موحدة في مدى تجريم هذه الأفلام التي تؤدي في بعض الأحيان دور التشهير بدولة معينة بطريقة مقصودة.

في هذا السياق يؤكد عمر بلمعطية، محام متدرب بهيئة الرباط، أن "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود". هكذا نصت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن حرية الرأي والتعبير وما يرتبط بهما من حقوق أساسية.

ولا يختلف اثنان حول أن هذه الحقوق التي لا غنى عنها في مجال الفن والإبداع، المحمي كذلك بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وباعتبار الأفلام السينمائية صنف من أصناف الفنون فهي أداة مهمة لتفعيل وممارسة الحق في الرأي والتعبير، غير أن هذا الحق يقابل بحق آخر هو الحق في السمعة الذي يعطي لأصحابه حقهم في عدم المساس بشرفهم وسمعتهم لاسيما في ظل التطور الحاصل في المجال التكنولوجي ووسائل الإعلام والاتصال.

وإزَاء هذا التقابل في الحقوق يطرح التساؤل حول إمكانية توفير الحماية القانونية لكل من لا يتمتع برحابة الصدر تجاه بعض الأفلام السينمائية، التي تحمل رسائل تهكمية وإشارات واضحة لهجمات ممنهجة سياسيا، وهل بالفعل تستطيع الترسانات القانونية إن وُجدت توفير هذه الحماية؟

وقال المحامي إن "البحث عن أجوبة لهذه التساؤلات يجعلنا نصطدم بالحماية الدولية التي يتمتع بها حق الرأي وحرية التعبير، إذ أصبح من غير المعقول التضيق عليها أو كبحها تحت ذريعة حماية السمعة والاعتبار من التشهير، وسواء ارتبط ذلك بالأشخاص أو الهيئات، إذ لا نكاد نعثر على أي وثيقة أو اتفاقية دولية توفر الحماية القانونية لمن يدعون أنهم تعرضوا لتشهير سياسي، الأمر الذي يدفعنا للبحث في القوانين الوطنية لاستجلاء كيف تعاملت مع موضوع التشهير السياسي".

وأردف المتحدث عينه، أن عملية استقراء كيف تعاملت النصوص التشريعية الداخلية مع موضوع التشهير يجعلنا نتلمس التباين في السياسات الجنائية بهذا الخصوص، لنجد أن بعض الدول لاسيما الأوربية، وإن كانت تحمي الأفراد من التشهير، فإنها لا تسمح للجهات العامة برفع قضايا التشهير، تحت أي ظرف بسبب ما قد يحمله ذلك من مخاطر على حرية التعبير، وهكذا جعلت من صفة المجني عليه (الفرد) شرطا أساسيا من أجل الحديث عن جريمة التشهير.

وتابع: "في مقابل ذلك نجد أن البلدان العربية لا تقيم أي تفرقة بين التشهير بين الأفراد والهيئات، كما لا تميز بين ما إذا كان التشهير سياسيا أو غير ذلك، فتعامل بعض القوانين العربية مع هذه الجريمة تطبعه العمومية والتشدد، فالعمومية نستشفها من عدم تخصيص معظم الدول العربية لقوانين خاصة بالتشهير في نصوص خاصة، وأغلب النصوص التجريمية تأتي في إطار القوانين الجنائية لهذه الدول، أما التشدد فهو واضح المعالم من خلال العقوبات التي تصل أغلبها للحبس والغرامة".

وفي الأخير يمكن القول أن سياسة التجريم والعقاب للتشهير لا نبتغي من خلالها وضع بعض التشريعات تحت المجهر، أو امتحانها في مجال الحقوق والحريات، وإنما جاء نتيجة الحديث عن التشهير السياسي انطلاقا من الأفلام السينمائية، هذا المجال الذي لا يكون بريئا دائما كما نعتقد، قد يكون محاولة من البعض لتغليف أعمالهم التشهيرية بلباس الفن والإبداع، وبالتالي الجعل من التشهير سلاحا لتصفية الخصوم.

              

















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار