Quantcast
2025 أغسطس 7 - تم تعديله في [التاريخ]

الفرق بين صحافي بالبطاقة وإعلامي بلا بطاقة..



*بقلم // عبده حقي*

في زمن تسارعت فيه تحولات الإعلام الرقمية، تلاشت الحدود التقليدية بين المرسل والمتلقي، وبين الصحفي الرسمي والمواطن العادي. وفي ظل هذا المشهد المتغير، تطرح الكثير من الأسئلة حول شرعية من يمارس فعل الإعلام خارج المؤسسات التقليدية. هل يمكن لمن لا يحمل بطاقة صحفي معتمدة أن يُعدّ إعلاميًا؟ وهل صارت البطاقة المهنية عائقًا أمام بروز أشكال جديدة من الصحافة الحرة والمستقلة؟

على المستوى القانوني، لا يزال الاعتراف الرسمي في عدد من الدول الأوروبية والعربية مرهونًا بالحصول على بطاقة صادرة عن نقابة أو هيئة مختصة. إلا أن التحول الجوهري الذي طرأ على بيئة الإعلام مع انتشار الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، أعاد تعريف العلاقة بين الصحافة والشرعية.

فالممارسة الإعلامية لم تعد حكرًا على المؤسسات التقليدية . يقول المفكر الأمريكي والتر ليبمان:

"الصحافة ليست مهنة بقدر ما هي مسؤولية أخلاقية في تقديم الحقيقة، حتى لو لم يكن الجمهور دائمًا راغبًا في سماعها".

بمعنى آخر، ما يميز الإعلامي ليس بالضرورة الاعتراف القانوني، بل التزامه بالمعلومة، وتحريه للحقائق، وحرصه على بناء الثقة مع الجمهور.

لطالما احتكرت النخب الصحفية تقليديًا السلطة الرابعة، وغالبًا ما كان ولوج المجال مرتبطًا بعلاقات، أو بشروط بيروقراطية تتجاهل المهارات الفردية أو حس المسؤولية. غير أن صعود "الإعلام المواطن" قد فرض إعادة توزيع هذه السلطة. فاليوم، يمكن لشاب يعيش في قرية صغيرة أن يؤسس منصة يتابعها مئات الآلاف، دون أن تطأ قدماه قاعة تحرير تقليدية.

المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد عبّر عن هذا التحول حين قال: "المثقف الحقيقي لا ينتظر ترخيصًا من مؤسسة ليمارس وظيفته النقدية."

وهذا التصور يمتد إلى الإعلامي الذي يختار أن يمارس دوره من خارج المؤسسات، ولكن من داخل المجتمع.

غير أن هذا الانفتاح، كما يحمل إمكانات كبرى، يطرح أيضًا تحديات أخلاقية. فسهولة النشر وغياب الرقابة الذاتية قد يفتحان الباب أمام التلاعب بالمعلومة، ونشر الأخبار الزائفة، أو انتهاك الخصوصيات.

الصحفية البريطانية كارول كادوالادر، المعروفة بتحقيقاتها حول فضيحة "كامبريدج أناليتيكا"، نبهت إلى هذه المخاطر بقولها:

"في عصر الأخبار الكاذبة، لا يكفي أن تكون صحافيًا، بل يجب أن تكون محاربًا في معركة الحقيقة."

ولهذا، فإن مسؤولية الإعلامي — سواء كان رسميًا أو مستقلاً — لم تعد تقتصر على الإخبار، بل تشمل التحقق والمساءلة وبناء الثقة.

في السياق الأوروبي، نلمس اليوم تزايد الاعتراف بأهمية "الصحفيين المستقلين" و"منتجي المحتوى الجاد" حتى من خارج المؤسسات الكلاسيكية. فقد باتت المؤسسات الإعلامية نفسها تتبنى المحتوى القادم من مصادر غير تقليدية، ما دام يحترم أخلاقيات العمل الصحفي، ويخضع لمعايير الجودة.

الكاتب الفرنسي كلود جانفييه كتب في مؤلفه الصحافة في زمن الرقمنة:

"الصحافة اليوم لم تعد وظيفة، بل شكل من أشكال المشاركة في الحياة الديمقراطية".

وهنا تتقاطع الممارسة الإعلامية الحرة مع فكرة المواطنة الفاعلة، حيث يصبح الإعلامي صوتًا للمجتمع، لا مجرد ناقل للمعلومة.

في النهاية، لا تحدد البطاقة المهنية من هو الصحفي، بقدر ما تحدده الممارسة الفعلية، والالتزام بالقيم، والقدرة على التأثير بإيجابية في الرأي العام. فكما قال الصحفي الفرنسي ألبرت لوندغ:

"مهمتي كصحفي أن أدخل حيث يُمنع الدخول، وأقول ما لا يُقال. ويضيف ربما لا أحمل بطاقة صحفي في جيبي. لكنني أكتب، أبحث، أتحرى، وأتواصل مع جمهوري. أمارس فعل الإعلام ليس بسلطة القانون، بل بسلطة المعنى. فهل يكفي هذا لأكون إعلاميًا؟ ربما آن الأوان لأن نعيد صياغة الجواب.

الفرق بين صحافي بالبطاقة وإعلامي بلا بطاقة..

              

















MyMeteo




Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار