
في زمن تتقاذفه أمواج التطرف والانغلاق، وتتراجع فيه قيم الحوار والتسامح، تبدو العودة إلى تراث ابن رشد ليست ترفًا ثقافيًا، بل ضرورة حضارية ملحة. لم يكن ابن رشد مجرد فيلسوف عاش في الأندلس خلال القرن الثاني عشر الميلادي، بل كان حامل مشعل العقل، ومنارة للفكر الحر، وجسرًا بين حضارات، وصوتًا نادرًا تجرأ على القول إن العقل والدين ليسا في صراع، بل في انسجام إن أُحسن فهمهما.
ظهر ابن رشد في مرحلة تاريخية مضطربة، عرفت فيها الأندلس تراجعًا سياسيًا، وصعودًا لنزعات الغلو والتقوقع. ومع ذلك، أصرّ على أن يكون للعقل دور في تفسير الكون والدين معًا. كتب شروحًا على كتب أرسطو، وأصرّ على أن الفلسفة ليست ضد الدين، بل وسيلة لفهمه بعمق. وعبارته الشهيرة: "الحقيقة لا تضاد الحقيقة" تلخص جوهر مشروعه الفلسفي: الحقيقة المنقولة عبر الوحي لا تعارض الحقيقة التي يصل إليها الإنسان عبر العقل، فكلتاهما من عند الله.
العقلانية عند ابن رشد ليست دعوة إلى "تأليه العقل" على حساب الإيمان، بل هي دعوة لتوظيف العقل في خدمة الفهم الديني والتقدم الحضاري. دعا إلى أن يستخدم الفقيه أدوات المنطق والفهم العميق بدل الجمود على ظاهر النصوص. وبهذا، كان سابقًا لزمنه في تأكيده على أهمية التأويل في فهم النصوص المقدسة، خاصة تلك التي تبدو متعارضة مع بداهات العقل أو حقائق العلم.
في عالم اليوم، حيث تنتشر النزعات الشعبوية، وتتنامى الخطابات الدينية المتطرفة، نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى عقلانية ابن رشد: عقلانية ترفض الاتباع الأعمى، وتنادي بالبحث والنقد والتأمل. عقلانية لا تفصل الدين عن الحياة، لكنها ترفض تحويله إلى أداة للهيمنة أو تبرير العنف.
حين نقول "إحياء الفلسفة العقلانية لابن رشد"، لا نقصد تحويله إلى أيقونة جامدة أو شخصية مقدسة تُكرر أفكارها كما هي. بل نقصد استلهام روحه النقدية، وشجاعته الفكرية، وجرأته في الجمع بين التراث والانفتاح. إحياء ابن رشد يعني اليوم الانتصار للتعليم الحر، للبحث العلمي، للفكر النقدي، ولثقافة الأسئلة بدل ثقافة الإجابات الجاهزة.
يا أبناء هذه الأرض التي أنجبت ابن رشد، أما آن للعقل أن يُرفع من غيبوبته؟ أما آن للفكر أن يتحرر من أصفاد الخوف والتقليد؟ ليس في إحياء فكر ابن رشد عودة إلى الوراء، بل هو قفزة إلى الأمام، نحو أفق فكري متزن، حيث لا يُقصى الدين، ولا يُلغى العقل، بل يتعانقان في تناغم لا يُنكر فيه أحد الآخر.
فلنُحيِ عقلانيتنا من جديد، لا بالرجوع إلى الماضي بحنين ساذج، بل باستثمار هذا التراث في معركة الوعي المعاصرة. فكما قال ابن رشد في مقدمة كتابه "فصل المقال": "إن من نظر في الشريعة فرأى أنها كلها دعوة إلى النظر، واعتبار بالعقل، علم أن النظر فيها واجب شرعًا." وقال أيضًا: "الحكمة صاحبة الشريعة، والأخت الرضيعة، وهما المصطحبتان بالطبع والمحبّتان بالجوهر." هذه الكلمات لم تكتب فقط للقرن السادس الهجري، بل كُتبت لنا، نحن، الذين نعيش أزمة التوفيق بين الهوية والانفتاح، بين الدين والعلم، بين الأصالة والتجديد.
إن العودة إلى عقلانية ابن رشد ليست فقط عودة إلى أفكاره الفلسفية، بل هي دعوة إلى إحياء العقل النقدي في زمن ساد فيه الفكر الأحادي والانغلاق. لنحقق من خلال ذلك نهضة فكرية جديدة، ترتكز على احترام العقل وحقوق الإنسان، وتنادي بالتسامح والتعايش السلمي بين مختلف الثقافات والأديان.
ظهر ابن رشد في مرحلة تاريخية مضطربة، عرفت فيها الأندلس تراجعًا سياسيًا، وصعودًا لنزعات الغلو والتقوقع. ومع ذلك، أصرّ على أن يكون للعقل دور في تفسير الكون والدين معًا. كتب شروحًا على كتب أرسطو، وأصرّ على أن الفلسفة ليست ضد الدين، بل وسيلة لفهمه بعمق. وعبارته الشهيرة: "الحقيقة لا تضاد الحقيقة" تلخص جوهر مشروعه الفلسفي: الحقيقة المنقولة عبر الوحي لا تعارض الحقيقة التي يصل إليها الإنسان عبر العقل، فكلتاهما من عند الله.
العقلانية عند ابن رشد ليست دعوة إلى "تأليه العقل" على حساب الإيمان، بل هي دعوة لتوظيف العقل في خدمة الفهم الديني والتقدم الحضاري. دعا إلى أن يستخدم الفقيه أدوات المنطق والفهم العميق بدل الجمود على ظاهر النصوص. وبهذا، كان سابقًا لزمنه في تأكيده على أهمية التأويل في فهم النصوص المقدسة، خاصة تلك التي تبدو متعارضة مع بداهات العقل أو حقائق العلم.
في عالم اليوم، حيث تنتشر النزعات الشعبوية، وتتنامى الخطابات الدينية المتطرفة، نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى عقلانية ابن رشد: عقلانية ترفض الاتباع الأعمى، وتنادي بالبحث والنقد والتأمل. عقلانية لا تفصل الدين عن الحياة، لكنها ترفض تحويله إلى أداة للهيمنة أو تبرير العنف.
حين نقول "إحياء الفلسفة العقلانية لابن رشد"، لا نقصد تحويله إلى أيقونة جامدة أو شخصية مقدسة تُكرر أفكارها كما هي. بل نقصد استلهام روحه النقدية، وشجاعته الفكرية، وجرأته في الجمع بين التراث والانفتاح. إحياء ابن رشد يعني اليوم الانتصار للتعليم الحر، للبحث العلمي، للفكر النقدي، ولثقافة الأسئلة بدل ثقافة الإجابات الجاهزة.
يا أبناء هذه الأرض التي أنجبت ابن رشد، أما آن للعقل أن يُرفع من غيبوبته؟ أما آن للفكر أن يتحرر من أصفاد الخوف والتقليد؟ ليس في إحياء فكر ابن رشد عودة إلى الوراء، بل هو قفزة إلى الأمام، نحو أفق فكري متزن، حيث لا يُقصى الدين، ولا يُلغى العقل، بل يتعانقان في تناغم لا يُنكر فيه أحد الآخر.
فلنُحيِ عقلانيتنا من جديد، لا بالرجوع إلى الماضي بحنين ساذج، بل باستثمار هذا التراث في معركة الوعي المعاصرة. فكما قال ابن رشد في مقدمة كتابه "فصل المقال": "إن من نظر في الشريعة فرأى أنها كلها دعوة إلى النظر، واعتبار بالعقل، علم أن النظر فيها واجب شرعًا." وقال أيضًا: "الحكمة صاحبة الشريعة، والأخت الرضيعة، وهما المصطحبتان بالطبع والمحبّتان بالجوهر." هذه الكلمات لم تكتب فقط للقرن السادس الهجري، بل كُتبت لنا، نحن، الذين نعيش أزمة التوفيق بين الهوية والانفتاح، بين الدين والعلم، بين الأصالة والتجديد.
إن العودة إلى عقلانية ابن رشد ليست فقط عودة إلى أفكاره الفلسفية، بل هي دعوة إلى إحياء العقل النقدي في زمن ساد فيه الفكر الأحادي والانغلاق. لنحقق من خلال ذلك نهضة فكرية جديدة، ترتكز على احترام العقل وحقوق الإنسان، وتنادي بالتسامح والتعايش السلمي بين مختلف الثقافات والأديان.