د.حكيم التوزان، أستاذ القانون الدولي العام جامعة ابن زهر بأكادير
العلم - بقلم د. حكيم التوزاني
في ضوء التحول العميق الذي حمله القرار الأممي رقم 2797 (2025) بشأن الصحراء المغربية، تطرح الإشكالية المحورية اليوم سؤالًا قانونيًا جوهريًا: كيف يمكن لمجلس الأمن أن ينتقل من مجرد دعوةٍ إلى التفاوض إلى إلزامٍ بالتنفيذ، يُنتج آثارًا قانونية واضحة على الأطراف الممتنعة؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تستدعي تفكيك البنية الميثاقية التي يستند إليها القرار، لاسيما المواد 25 و27 و41 من ميثاق الأمم المتحدة، بما تتيحه من أدوات تجعل من قرارات المجلس -متى توافرت الشروط الإجرائية- واجبة النفاذ حتى في غياب الإجماع أو المشاركة الكاملة.
تسعى هذه الدراسة إلى تحليل المداخل القانونية لإنفاذ القرار 2797، من خلال استقراء الاجتهادات القضائية (خصوصًا رأي محكمة العدل الدولية في قضية ناميبيا سنة 1971)، واستعراض الممارسات الأممية التي حوّلت قرارات “توصوية” إلى التزاماتٍ تنفيذية (كما في روديسيا، كوسوفو، وليبيا). وتبيّن أن التعطيل المتعمّد لمقتضيات القرار لا يعدّ موقفًا سياسيًا فحسب، بل إخلالًا بالتزامٍ دولي يخول للمجلس تفعيل سلطاته التدريجية وصولًا إلى التدابير غير العسكرية.
إن القرار 2797 لا يمثّل محطةً عادية في مسار النزاع، بل لحظةً معياريةً جديدة تؤسس لانتقال الأمم المتحدة من سلطة التوصية إلى قوة الإلزام، ومن إدارة الأزمة إلى هندسة الحلّ الواقعي تحت السيادة المغربية.
وعليه، يقتضي الجواب عن هذا السؤال العودة إلى البنية المعيارية للميثاق الأممي، التي لم تُصمم لتبقى حبيسة الدعوات الدبلوماسية، بل لتمنح مجلس الأمن سلطةً مرنةً ومتدرجةً تمكّنه من الانتقال من مرحلة التوصية (recommendation) إلى مرحلة الإلزام (obligation) كلما ثبت أن استمرار التعطيل يُقوّض مقاصد الميثاق في حفظ السلم والأمن الدوليين.
وعليه، وللإجابة عن هذا السؤال تستدعي تتبّع أربعة مداخل متكاملة في منظومة الميثاق الأممي، تُتيح للمجلس التحرك تدريجيًا من الإقناع إلى الإلزام، ومن الفصل السادس إلى عتبة الفصل السابع، دون المساس بمرتكزات الشرعية الدولية.
تُعدّ العبارة المفتاحية هنا هي «التدابير التي يراها ضرورية»، وهي صياغة مرنة تتيح لمجلس الأمن الانتقال من سلطة التوصية إلى سلطة التحديد (pouvoir de détermination). فحين يثبت للمجلس أن الأطراف تماطل أو تمتنع عن الانخراط في العملية السياسية، يمتلك – بمقتضى المادتين 36 و37 من الميثاق – الحق في إصدار قرارات لاحقة ذات طابع تقييدي يمكن أن تشمل:
وهنا تظهر أهمية المادتين 39 و99 معًا: فإذا أثبتت تقارير الأمين العام أو المبعوث الشخصي أن الرفض الجزائري–الانفصالي لم يعد مجرد تريّثٍ سياسي بل أصبح استراتيجية تعطيل ممنهجة، يمكن للأمين العام أن يفعّل المادة 99 ويلفت نظر المجلس رسميًا إلى أن الوضع بات “يهدد السلم والأمن الإقليميين”.
وقد تجسّد هذا المنحى بوضوح في الممارسة التاريخية للأمناء العامين للأمم المتحدة، الذين أدركوا أن “التعطيل السياسي” لا يمكن أن يكون ذريعة لتعليق الشرعية الأممية، بل قد يشكّل محرّكًا قانونيًا لتفعيل الفصل السابع حين تتحول المماطلة إلى تهديدٍ فعليٍّ للسلم.
ففي أزمة قناة السويس سنة 1956، بادر الأمين العام "داغ همرشولد" (Dag Hammarskjöld) إلى تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، فلفت نظر مجلس الأمن إلى أن استمرار رفض بعض الأطراف الانسحاب من القناة بات يشكل تهديدًا مباشرًا للسلم والأمن الدوليين، مما دفع المجلس إلى عقد جلسات طارئة أفضت إلى إنشاء أول قوة طوارئ أممية في التاريخ (UNEF)، في سابقةٍ رسّخت مبدأ تحوّل الأزمة السياسية إلى ملفٍّ ذي صبغة أمنية ملزِمة.
وفي كوسوفو سنة 1999، حين فشلت المفاوضات السياسية ورفضت الأطراف الالتزام بخطة السلام، رفع الأمين العام "كوفي عنان" (Kofi Annan) تقريرًا رسميًا إلى المجلس أكد فيه أن التعطيل الممنهج أصبح يهدد الأمن الإقليمي في البلقان، وهو ما شكّل الأساس القانوني لاعتماد القرار 1244 بموجب الفصل السابع، الذي أنشأ بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو (UNMIK) وأعطى للأمم المتحدة سلطة إدارة الإقليم مؤقتًا.
أما في ليبيا سنة 2011، فقد استخدم الأمين العام "بان كي مون" (Ban Ki-moon) الصلاحية ذاتها بعد أن تبين أن فشل السلطات الليبية في احترام التزاماتها الدولية وتصاعد العنف ضد المدنيين بات يشكّل تهديدًا حقيقيًا للسلم الإقليمي والدولي، فدعا المجلس إلى اتخاذ تدابير عاجلة بموجب الفصل السابع، مما أدى إلى صدور القرار 1973 الذي أجاز حماية المدنيين وفرض منطقة حظر جوي.
تُبرز هذه السوابق الثلاث بجلاء أن الأمم المتحدة لا تسمح بتجميد الشرعية الدولية تحت ذريعة “الخلاف السياسي” أو “الامتناع عن المشاركة”، بل تجعل من التعطيل ذاته قرينةً على وجود تهديدٍ للسلم، ومن ثمّ مبرّرًا لتفعيل سلطات مجلس الأمن بموجب الفصل السابع. فالسويس كانت اختبارًا لإرادة المنظمة في حماية النظام الدولي الناشئ بعد الحرب العالمية الثانية، وكوسوفو جسّدت الانتقال من منطق الوساطة إلى منطق الإدارة الأممية المباشرة، وليبيا عبّرت عن تحوّلٍ في مفهوم “حماية المدنيين” إلى التزامٍ دوليٍّ نافذ.
وبالقياس على ذلك، فإن استمرار الجزائر وجبهة البوليساريو في تعطيل مسار المفاوضات حول الحكم الذاتي المغربي لا يُعدّ مجرّد اختلافٍ دبلوماسيٍّ مشروع، بل يُمكن أن يُصنَّف – وفق منطق الميثاق وسوابقه – كحالة إخلالٍ بقرارٍ نافذ صادرٍ عن مجلس الأمن، بما يهدد السلم الإقليمي في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل. وهنا يُصبح “الرفض الممنهج” ليس دليلًا على السيادة، بل قرينةً على انتهاك الميثاق تستدعي تدخّل المجلس في إطار سلطته الحمائية لحفظ الأمن الجماعي.
في ضوء التحول العميق الذي حمله القرار الأممي رقم 2797 (2025) بشأن الصحراء المغربية، تطرح الإشكالية المحورية اليوم سؤالًا قانونيًا جوهريًا: كيف يمكن لمجلس الأمن أن ينتقل من مجرد دعوةٍ إلى التفاوض إلى إلزامٍ بالتنفيذ، يُنتج آثارًا قانونية واضحة على الأطراف الممتنعة؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تستدعي تفكيك البنية الميثاقية التي يستند إليها القرار، لاسيما المواد 25 و27 و41 من ميثاق الأمم المتحدة، بما تتيحه من أدوات تجعل من قرارات المجلس -متى توافرت الشروط الإجرائية- واجبة النفاذ حتى في غياب الإجماع أو المشاركة الكاملة.
تسعى هذه الدراسة إلى تحليل المداخل القانونية لإنفاذ القرار 2797، من خلال استقراء الاجتهادات القضائية (خصوصًا رأي محكمة العدل الدولية في قضية ناميبيا سنة 1971)، واستعراض الممارسات الأممية التي حوّلت قرارات “توصوية” إلى التزاماتٍ تنفيذية (كما في روديسيا، كوسوفو، وليبيا). وتبيّن أن التعطيل المتعمّد لمقتضيات القرار لا يعدّ موقفًا سياسيًا فحسب، بل إخلالًا بالتزامٍ دولي يخول للمجلس تفعيل سلطاته التدريجية وصولًا إلى التدابير غير العسكرية.
إن القرار 2797 لا يمثّل محطةً عادية في مسار النزاع، بل لحظةً معياريةً جديدة تؤسس لانتقال الأمم المتحدة من سلطة التوصية إلى قوة الإلزام، ومن إدارة الأزمة إلى هندسة الحلّ الواقعي تحت السيادة المغربية.
وعليه، يقتضي الجواب عن هذا السؤال العودة إلى البنية المعيارية للميثاق الأممي، التي لم تُصمم لتبقى حبيسة الدعوات الدبلوماسية، بل لتمنح مجلس الأمن سلطةً مرنةً ومتدرجةً تمكّنه من الانتقال من مرحلة التوصية (recommendation) إلى مرحلة الإلزام (obligation) كلما ثبت أن استمرار التعطيل يُقوّض مقاصد الميثاق في حفظ السلم والأمن الدوليين.
وعليه، وللإجابة عن هذا السؤال تستدعي تتبّع أربعة مداخل متكاملة في منظومة الميثاق الأممي، تُتيح للمجلس التحرك تدريجيًا من الإقناع إلى الإلزام، ومن الفصل السادس إلى عتبة الفصل السابع، دون المساس بمرتكزات الشرعية الدولية.
- المدخل الأول: التفعيل التدريجي للفصل السادس (المادتان 36 و37): من التوصية إلى تحديد شروط التسوية
تُعدّ العبارة المفتاحية هنا هي «التدابير التي يراها ضرورية»، وهي صياغة مرنة تتيح لمجلس الأمن الانتقال من سلطة التوصية إلى سلطة التحديد (pouvoir de détermination). فحين يثبت للمجلس أن الأطراف تماطل أو تمتنع عن الانخراط في العملية السياسية، يمتلك – بمقتضى المادتين 36 و37 من الميثاق – الحق في إصدار قرارات لاحقة ذات طابع تقييدي يمكن أن تشمل:
- تحديد جدولٍ زمنيٍّ واضح لمراحل المفاوضات؛
- تسمية الأطراف المعنية صراحةً بوصفها أطرافًا رئيسية في المسار السياسي؛
- حصر موضوع التفاوض في مقترح الحكم الذاتي باعتباره الحل الواقعي والوحيد المعترف به دوليًا.
- المدخل الثاني: إعادة توصيف النزاع كـ «تهديدٍ للسلم» (المادة 39): من الفشل الدبلوماسي إلى الخطر الأمني
وهنا تظهر أهمية المادتين 39 و99 معًا: فإذا أثبتت تقارير الأمين العام أو المبعوث الشخصي أن الرفض الجزائري–الانفصالي لم يعد مجرد تريّثٍ سياسي بل أصبح استراتيجية تعطيل ممنهجة، يمكن للأمين العام أن يفعّل المادة 99 ويلفت نظر المجلس رسميًا إلى أن الوضع بات “يهدد السلم والأمن الإقليميين”.
وقد تجسّد هذا المنحى بوضوح في الممارسة التاريخية للأمناء العامين للأمم المتحدة، الذين أدركوا أن “التعطيل السياسي” لا يمكن أن يكون ذريعة لتعليق الشرعية الأممية، بل قد يشكّل محرّكًا قانونيًا لتفعيل الفصل السابع حين تتحول المماطلة إلى تهديدٍ فعليٍّ للسلم.
ففي أزمة قناة السويس سنة 1956، بادر الأمين العام "داغ همرشولد" (Dag Hammarskjöld) إلى تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، فلفت نظر مجلس الأمن إلى أن استمرار رفض بعض الأطراف الانسحاب من القناة بات يشكل تهديدًا مباشرًا للسلم والأمن الدوليين، مما دفع المجلس إلى عقد جلسات طارئة أفضت إلى إنشاء أول قوة طوارئ أممية في التاريخ (UNEF)، في سابقةٍ رسّخت مبدأ تحوّل الأزمة السياسية إلى ملفٍّ ذي صبغة أمنية ملزِمة.
وفي كوسوفو سنة 1999، حين فشلت المفاوضات السياسية ورفضت الأطراف الالتزام بخطة السلام، رفع الأمين العام "كوفي عنان" (Kofi Annan) تقريرًا رسميًا إلى المجلس أكد فيه أن التعطيل الممنهج أصبح يهدد الأمن الإقليمي في البلقان، وهو ما شكّل الأساس القانوني لاعتماد القرار 1244 بموجب الفصل السابع، الذي أنشأ بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو (UNMIK) وأعطى للأمم المتحدة سلطة إدارة الإقليم مؤقتًا.
أما في ليبيا سنة 2011، فقد استخدم الأمين العام "بان كي مون" (Ban Ki-moon) الصلاحية ذاتها بعد أن تبين أن فشل السلطات الليبية في احترام التزاماتها الدولية وتصاعد العنف ضد المدنيين بات يشكّل تهديدًا حقيقيًا للسلم الإقليمي والدولي، فدعا المجلس إلى اتخاذ تدابير عاجلة بموجب الفصل السابع، مما أدى إلى صدور القرار 1973 الذي أجاز حماية المدنيين وفرض منطقة حظر جوي.
تُبرز هذه السوابق الثلاث بجلاء أن الأمم المتحدة لا تسمح بتجميد الشرعية الدولية تحت ذريعة “الخلاف السياسي” أو “الامتناع عن المشاركة”، بل تجعل من التعطيل ذاته قرينةً على وجود تهديدٍ للسلم، ومن ثمّ مبرّرًا لتفعيل سلطات مجلس الأمن بموجب الفصل السابع. فالسويس كانت اختبارًا لإرادة المنظمة في حماية النظام الدولي الناشئ بعد الحرب العالمية الثانية، وكوسوفو جسّدت الانتقال من منطق الوساطة إلى منطق الإدارة الأممية المباشرة، وليبيا عبّرت عن تحوّلٍ في مفهوم “حماية المدنيين” إلى التزامٍ دوليٍّ نافذ.
وبالقياس على ذلك، فإن استمرار الجزائر وجبهة البوليساريو في تعطيل مسار المفاوضات حول الحكم الذاتي المغربي لا يُعدّ مجرّد اختلافٍ دبلوماسيٍّ مشروع، بل يُمكن أن يُصنَّف – وفق منطق الميثاق وسوابقه – كحالة إخلالٍ بقرارٍ نافذ صادرٍ عن مجلس الأمن، بما يهدد السلم الإقليمي في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل. وهنا يُصبح “الرفض الممنهج” ليس دليلًا على السيادة، بل قرينةً على انتهاك الميثاق تستدعي تدخّل المجلس في إطار سلطته الحمائية لحفظ الأمن الجماعي.
إن القرار 2797 (2025) يقف اليوم على العتبة نفسها التي وقفت عندها تلك الأزمات التاريخية: لحظة التحول من التوصية إلى الإلزام، ومن الجدل السياسي إلى سلطة القانون. ومن ثمّ، فإن تطبيق مقاربة “كوسوفو–ليبيا” على الحالة المغاربية ليس مغامرة قانونية، بل امتداد طبيعي لفقه الأمم المتحدة في مواجهة السلوك المعرقل للسلم، وترسيخٌ لحقّ المجلس في أن يُعيد توصيف النزاع متى أصبح التعطيل نفسه مصدرًا للاضطراب الإقليمي.
وعليه، إذا استمر رفض الجزائر والبوليساريو الدخول في مفاوضات، يمكن للمجلس أن يصدر قرارًا لاحقًا يقرّر فيه أن: “استمرار رفض المشاركة في عملية سياسية دعا إليها المجلس يشكل تهديدًا للسلم والأمن في المنطقة المغاربية.” وهو توصيفٌ كافٍ قانونًا لفتح الباب أمام تدابير المادة 41.
🔹 في ليبيا (1992)، عقب امتناع السلطات الليبية عن تسليم المتهمين في قضية لوكربي (Lockerbie)، اعتمد المجلس القرار 748 بموجب الفصل السابع، ففرض حظرًا شاملًا على الرحلات الجوية وعلّق أغلب أوجه التعاون الدولي معها. لم يكن الهدف معاقبة الدولة، بل إجبارها على احترام قرار أممي نافذ صدر لحماية السلم والأمن الجوي الدولي.
🔹 وفي السودان (2005)، بعد تقاعس الحكومة عن التعاون مع لجنة التحقيق في جرائم دارفور، أدرج مجلس الأمن عددًا من المسؤولين السودانيين على لائحة العقوبات الدولية، تنفيذًا للقرار 1591، وأحال الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية بموجب القرار 1593، في خطوة غير مسبوقة تُكرّس مبدأ المسؤولية الفردية عن الإخلال بالالتزامات الأممية.
🔹 أما في إريتريا (2009)، فقد قرر المجلس بموجب القرار 1907 فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية واسعة النطاق، بعد أن ثبت تورّطها في تعطيل جهود السلام في الصومال ودعم جماعات مسلحة. هذه السابقة كانت حاسمة لأنها حوّلت مجرّد العرقلة السياسية إلى تهديدٍ فعليٍّ للسلم الإقليمي، مبرّرةً بذلك تفعيل المادة 41 دون حاجة لاستخدام القوة.
وفي ضوء هذه الأمثلة، يتضح أن مجلس الأمن لم يترك قراراته رهينة حسن نية الأطراف، بل طوّر عبر العقود نظامًا تدريجيًا للإنفاذ يقوم على الجزاء الذكي (mesure ciblée intelligente)، أي الجزاء الموجَّه إلى الأشخاص أو الكيانات المعرقلة دون المساس بالشعوب أو البنى الاقتصادية للدول.
وعليه، فإن الحالة المغربية–الجزائرية–الانفصالية تندرج موضوعيًا في الإطار ذاته؛ فـرفض الجزائر وجبهة البوليساريو المشاركة في المفاوضات أو تعطيل مسار الحكم الذاتي يمكن أن يُكيف قانونيًا كـ إخلالٍ بقرار أممي نافذ (2797)، مما يخول للمجلس – متى استمر التعطيل – أن يعتمد تدابير من طبيعةٍ غير عسكرية ضد الأطراف المعرقلة، من قبيل:
وبناءً عليه، فإن أي محاولةٍ من الجزائر لتبرير تعطيلها بارتباطاتٍ داخل الاتحاد الإفريقي، أو تفاهماتٍ سياسيةٍ مع جبهة البوليساريو، أو حتى باعتباراتٍ “سيادية” داخلية، لا تُغيّر شيئًا من الإلزام الأممي، لأن قرارات مجلس الأمن تُقدَّم قانونًا على جميع المعاهدات الأخرى.
وقد طبّقت محكمة العدل الدولية هذا المبدأ بوضوح في قضية لوكربي (1992)، حين أكدت أن التزامات الدول بموجب قرارات المجلس الصادرة تحت الميثاق “تسمو على الالتزامات التعاقدية الأخرى، حتى ولو كانت نابعة من اتفاقيات دولية متعددة الأطراف”.
إن هذا المبدأ يختتم منظومة الإنفاذ بأكملها، فهو الذي يُحيل الجزاءات غير العسكرية (المادة 41) من مجرد إجراءاتٍ تنفيذية إلى التزامٍ قانونيٍّ دوليٍّ أعلى لا يجوز التحلل منه، ويمنح مجلس الأمن السلطة المطلقة في ترجيح الشرعية الأممية على الاعتبارات الإقليمية أو السياسية الضيقة.
وبالتالي؛ حين يقرّ الميثاق بأولوية قرارات المجلس، فإنه لا يترك مجالًا للمناورة أو التذرّع؛ فكل إخلالٍ بالقرار 2797 لن يكون سوى انتهاكٍ مباشرٍ للنظام القانوني الأممي. ومن هنا، تتضح حلقة الإنفاذ الرابعة التي تنقل الالتزام من المستوى السياسي إلى مرتبة الإلزام المعياري، لتُغلق دائرة الشرعية وتُرسّخ مبدأ سيادة الميثاق على سلوك الدول والأطراف. ذلك أنّ ميثاق الأمم المتحدة لا يقف عاجزًا أمام التعطيل، بل يضع سلسلةً متدرجة من المداخل القانونية التي تمكّن مجلس الأمن من الانتقال من الدعوة إلى التنفيذ:
وعليه، إذا استمر رفض الجزائر والبوليساريو الدخول في مفاوضات، يمكن للمجلس أن يصدر قرارًا لاحقًا يقرّر فيه أن: “استمرار رفض المشاركة في عملية سياسية دعا إليها المجلس يشكل تهديدًا للسلم والأمن في المنطقة المغاربية.” وهو توصيفٌ كافٍ قانونًا لفتح الباب أمام تدابير المادة 41.
- المدخل الثالث: التدابير غير العسكرية (المادة 41): من الإقناع إلى الجزاء
- قطع العلاقات الاقتصادية أو الدبلوماسية، وهو أسلوب تقليدي لضمان العزل السياسي والاقتصادي للطرف المعرقل؛
- فرض حظر السفر أو تجميد الأصول المالية للأشخاص أو الكيانات التي تساهم في خرق قرارات المجلس؛
- إنشاء لجان مراقبة أو آليات متابعة دورية تصدر تقارير ملزمة حول مدى التزام الأطراف بالقرارات الأممية.
🔹 في ليبيا (1992)، عقب امتناع السلطات الليبية عن تسليم المتهمين في قضية لوكربي (Lockerbie)، اعتمد المجلس القرار 748 بموجب الفصل السابع، ففرض حظرًا شاملًا على الرحلات الجوية وعلّق أغلب أوجه التعاون الدولي معها. لم يكن الهدف معاقبة الدولة، بل إجبارها على احترام قرار أممي نافذ صدر لحماية السلم والأمن الجوي الدولي.
🔹 وفي السودان (2005)، بعد تقاعس الحكومة عن التعاون مع لجنة التحقيق في جرائم دارفور، أدرج مجلس الأمن عددًا من المسؤولين السودانيين على لائحة العقوبات الدولية، تنفيذًا للقرار 1591، وأحال الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية بموجب القرار 1593، في خطوة غير مسبوقة تُكرّس مبدأ المسؤولية الفردية عن الإخلال بالالتزامات الأممية.
🔹 أما في إريتريا (2009)، فقد قرر المجلس بموجب القرار 1907 فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية واسعة النطاق، بعد أن ثبت تورّطها في تعطيل جهود السلام في الصومال ودعم جماعات مسلحة. هذه السابقة كانت حاسمة لأنها حوّلت مجرّد العرقلة السياسية إلى تهديدٍ فعليٍّ للسلم الإقليمي، مبرّرةً بذلك تفعيل المادة 41 دون حاجة لاستخدام القوة.
وفي ضوء هذه الأمثلة، يتضح أن مجلس الأمن لم يترك قراراته رهينة حسن نية الأطراف، بل طوّر عبر العقود نظامًا تدريجيًا للإنفاذ يقوم على الجزاء الذكي (mesure ciblée intelligente)، أي الجزاء الموجَّه إلى الأشخاص أو الكيانات المعرقلة دون المساس بالشعوب أو البنى الاقتصادية للدول.
وعليه، فإن الحالة المغربية–الجزائرية–الانفصالية تندرج موضوعيًا في الإطار ذاته؛ فـرفض الجزائر وجبهة البوليساريو المشاركة في المفاوضات أو تعطيل مسار الحكم الذاتي يمكن أن يُكيف قانونيًا كـ إخلالٍ بقرار أممي نافذ (2797)، مما يخول للمجلس – متى استمر التعطيل – أن يعتمد تدابير من طبيعةٍ غير عسكرية ضد الأطراف المعرقلة، من قبيل:
- فرض قيود دبلوماسية مؤقتة كتجميد مشاركات الجزائر في الآليات الأممية الخاصة بالملف؛
- إلزامها بتقارير نصف سنوية تُقدَّم إلى المبعوث الشخصي لتقييم مدى التزامها؛
- توجيه تدابير مالية أو قانونية موجهة ضد قيادات الجبهة الانفصالية أو شبكات تمويلها في الخارج، مثل حظر السفر أو تجميد الأرصدة.
- المدخل الرابع: أولوية قرارات مجلس الأمن (المادة 103): حين يتقدّم الميثاق على الاتفاقيات
وبناءً عليه، فإن أي محاولةٍ من الجزائر لتبرير تعطيلها بارتباطاتٍ داخل الاتحاد الإفريقي، أو تفاهماتٍ سياسيةٍ مع جبهة البوليساريو، أو حتى باعتباراتٍ “سيادية” داخلية، لا تُغيّر شيئًا من الإلزام الأممي، لأن قرارات مجلس الأمن تُقدَّم قانونًا على جميع المعاهدات الأخرى.
وقد طبّقت محكمة العدل الدولية هذا المبدأ بوضوح في قضية لوكربي (1992)، حين أكدت أن التزامات الدول بموجب قرارات المجلس الصادرة تحت الميثاق “تسمو على الالتزامات التعاقدية الأخرى، حتى ولو كانت نابعة من اتفاقيات دولية متعددة الأطراف”.
إن هذا المبدأ يختتم منظومة الإنفاذ بأكملها، فهو الذي يُحيل الجزاءات غير العسكرية (المادة 41) من مجرد إجراءاتٍ تنفيذية إلى التزامٍ قانونيٍّ دوليٍّ أعلى لا يجوز التحلل منه، ويمنح مجلس الأمن السلطة المطلقة في ترجيح الشرعية الأممية على الاعتبارات الإقليمية أو السياسية الضيقة.
وبالتالي؛ حين يقرّ الميثاق بأولوية قرارات المجلس، فإنه لا يترك مجالًا للمناورة أو التذرّع؛ فكل إخلالٍ بالقرار 2797 لن يكون سوى انتهاكٍ مباشرٍ للنظام القانوني الأممي. ومن هنا، تتضح حلقة الإنفاذ الرابعة التي تنقل الالتزام من المستوى السياسي إلى مرتبة الإلزام المعياري، لتُغلق دائرة الشرعية وتُرسّخ مبدأ سيادة الميثاق على سلوك الدول والأطراف. ذلك أنّ ميثاق الأمم المتحدة لا يقف عاجزًا أمام التعطيل، بل يضع سلسلةً متدرجة من المداخل القانونية التي تمكّن مجلس الأمن من الانتقال من الدعوة إلى التنفيذ:
- يبدأ بالتحفيز عبر الفصل السادس،
- ثم التوصيف كـتهديدٍ للسلم بموجب المادة 39،
- ثم التدابير غير العسكرية تحت المادة 41،
- وأخيرًا، يُكرّس أولوية الميثاق بموجب المادة 103، بحيث لا تعلو عليه أي التزاماتٍ إقليمية أو سياسية.
رئيسية 








الرئيسية


