Quantcast
2022 فبراير 25 - تم تعديله في [التاريخ]

المَعِدةُ ثوْرةُ الفُقراء !

افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 24 فبراير 2022


العلم الإلكترونية - محمد بشكار
 
يُقَالُ إنَّ المَعِدة بيْت الدّاء، وأقول إنّها إذا لم تحصُل على  كفايتها من الغذاء، يصبح الشعب كله وليس فقط المعدة، مسرحا للصِّراع الطَّبقي على الأطباق، ومُنطلقاً لثورة الفقراء !
 
هل أزيِّف الواقعية بالسِّحْر إذا قلتُ إنَّ لحظة تسيُّب في سوق أسبوعي، قد ارتَدَّتْ بالبلد لسنوات من التَّخلُّف للوراء،  يا لَلْمشْهد الرهيب، فجأةً أظلمتْ قاعة البلد، وعمَّ شاشة الواقع الضوء لتطفو الفضيحة بالمواجع، رجالٌ ونساء وأطفال هائجون في سوق أسبوعي بضواحي القنيطرة، لم يكُن المشْهد يعْكِس عمليّةً كالتي تجري أحداثُها في أفلام السَّطْو على البنوك، بل مُجرَّد فِرار بصناديق وقِفاف الخُضر، ويكْفي أنْ نُركِّز أعين الكاميرا على سرعة حركة الأيادي والأرجل، لِنُوقِن أنَّ الجوع يعرف طريقه جيداً في الظلمة ولو كان أعمى، وإذا كان الجزّار المُتضرِّر الأكْبر في هذه الإغارة، فلأنَّ ثمة من  لم يتذوَّق وجْبَة لحم أمداً طويلا.. ولكن في المقابل ثمَّة من يُوزِّع الفيديو على أوسع نطاق  ليُسيء لِسُمْعة البلد، وينتظر المزيد من الإثارة !   
 
هي لحظةٌ لم تُجسِّد فقط أقْبَح مظاهر الفقر، بلِ الفقر نفْسه يزحف على بطنه مُتضوِّرا جوعاً، لحظةٌ هدَّمت كل تطوُّر تنموي لا تفْتَأ الأجهزة الرسمية تُعْلن عنه مع كل وصْلةٍ إشهارية، أيْن مداخيل صناعة السَّيارات، أين ما تربحه خزينة الدولة من صادراتنا السَّمكية والفلاحية والفوسفاطية وما خَفي من المعادن أعظم، هل يجب أنْ  يكرر الشعب أين الثَّروة لِيصلهُم سؤال الملك،  بل إنَّ حتى رياح البلد لم تسْلَم من الاستثْمار، ولا أتأسَّف إلا مِمن يُعانون مشاكل هضمية ولم تعُد لديهم القدرة على إخراج الرِّيح، ألمْ تسمعوا أنَّها تولِّد هي أيضا طاقة مُتجدِّدة وتُصَدَّر للبلدان، أمّا المُواطن بعد أنْ انهارت أبْخس قدراته الشِّرائية، فقد خرج للشارع ليعبِّر عن رفضه للإهانة بكل ما أوتي من غضب وطاقة
 
قالتِ الحُكومة إنَّ المطر لم يسْقط وبوادر قحْط تلُوح جافَّةً في الأعيُن قبل الأفق، فأجاب المُواطن إنَّ البحر لا يحتاج للمطر كي نأكل سمكاً عوض أن يأكلنا في هجرة سرِّية، قالتِ الحكومة وهي تئنُّ كآلة تسْجيل معطوبة بنفْس اللَّحْن، إنَّ كورونا قد أوْصلت اقتصاد البلد للحضيض، فأجاب المواطن إنَّ الإصْرار على الجُرْعة الثالثة هو الَّذي أدَّى للمجاعة، قالتِ الحكومة لقد اخْتلَّ التَّوازُن الاقتصادي فعُودوا لجادّة العقْل، أجاب الشَّعب فقدْنا القُدرة على شراء قوت يومنا وطفَحَ الكيْل، ماذا تنتظرون أن تكون ردَّةُ الفِعْل، وما زالتِ الحكومة  تعتبر صرخاتنا المُعذَّبة في الشَّارع، مُجرَّد غناء يصلُح  لِسهْرة ليْلة السَّبت، قالتِ الحُكومة في محاولة تجميلية أخيرة فاشلة، إنَّ الوطن للجميع، فأجاب عجوزٌ بمرارة من فطن للكذبة بعد ضياع العُمْر: إنَّما الوطن لِمنْ يمْلِك القُدرة على العيش فيه والباقي يشرب البحرْ !
 
الأدْهى أنْ يتناسل المُنظِّرُون الاقْتِصاديُّون أسرع من الفُطْر مع اشْتداد الأزمة، الكُلُّ يريد أن يُعلِّم الناس من أينَ تُحْمل القُفَّة، لكن الفقير يريد مَنْ يعلِّمهُ كيف يَملأ القُفَّة، لا يفهم كثرة الكلام، يُصدِّق فقط ما تراهُ عيناه، كل ما يحتاجه لِيُحقِّق العيش الكريم مُتوفِّرٌ في الأسواق، الأطعمة بكل الأصناف والألْبِسة المُناسبة لتجاوز محنة البرد، كلُّ شيء موجودٌ في مُتناول اليد، ولكن ينقُصه المال ليشتري ما يريد، لقد شفَط غلاء الأسعار أُجْرته الهزيلة قبل أن يَتسلَّمها بالدُّيون الموزَّعة في أكثر من دُكّان، هو لا يدري معنى التضخُّم الاقتصادي، يريد فقط أن تتضخَّم بطْن أبنائه ليبيتوا شبْعانين،  هو لا يفْقَه أنَّه بِقدْر ارتفاع ثمن المَحْروقات ترتفع سوْمة البضائع لتغْطية تكلُفة وسائل نقلها للأسواق، ولكن يُدرِك جيِّداً أنَّه مُواطنٌ صالحٌ يستحقُّ أن تحْمي الدولة أمْنَه الغذائي والاجتماعي، وأنَّ دمه المُوزَّع في أكْثر من حمْلة تَبرُّع وطنيّة، غيرُ قابلٍ للاستغلال ليُصبح هو أيضاً من المَحْرُوقات، هو لا يعْنيه كمْ بلغ ثمن برميل البترول الواحد، ولكن يرفُض أن  تبْتلِعه هو وقُوت يومِه اليسير، براميل بشريّة تستفيد من الأزمة لِتُضاعِف من ثرائها الفاحش، هو لا يعرف مؤشِّر الأسْهُم لأيِّ حدٍّ صعد أو نزل ومدى تأثير تحوُّلاته على حركة السوق العالمية، يُريد فقط الحدَّ الأدنى من العيش الكريم، وأنْ لا يَنزِل السِّروال بتأثير سوء التغذية المؤدِّي لفقْر الدم والهزال

ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 24 فبراير 2022


              
















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار