العلم - محمد الورضي
حلت الذكرى الـ17 للمناظرة الوطنية حول الرياضة، التي احتضنتها مدينة الصخيرات يومي 24 و25 أكتوبر سنة 2008، وهي محطة شكلت نقطة تحول كبرى في مسار الرياضة المغربية، بعدما وضعت أسس رؤية جديدة لإصلاح المنظومة الرياضية بجميع مكوناتها.
حلت الذكرى الـ17 للمناظرة الوطنية حول الرياضة، التي احتضنتها مدينة الصخيرات يومي 24 و25 أكتوبر سنة 2008، وهي محطة شكلت نقطة تحول كبرى في مسار الرياضة المغربية، بعدما وضعت أسس رؤية جديدة لإصلاح المنظومة الرياضية بجميع مكوناتها.
فقد جاءت المناظرة في وقت كانت فيه الرياضة الوطنية تعرف عددا من الاختلالات التنظيمية والمالية والتكوينية، مما استدعى وقفة تقييم شاملة من مختلف الفاعلين الرياضيين والمؤسسات المعنية لصياغة مشروع وطني ينهض بالرياضة إلى مستوى التطلعات الملكية والشعبية.
- الرسالة الملكية... منارة للإصلاح الرياضي..
وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله رسالة سامية إلى المشاركين في المناظرة، دعا فيها إلى جعل الرياضة رافعة للتنمية البشرية ووسيلة لترسيخ قيم المواطنة والانضباط والانفتاح، مؤكدا على ضرورة تطوير البنيات التحتية وتوسيع قاعدة الممارسة في صفوف الشباب والنساء، والانتقال من الهواية إلى الاحتراف الحقيقي.
كانت تلك الرسالة بمثابة الشرارة الأولى التي أطلقت مسلسل إصلاح شامل أعاد للرياضة المغربية هيبتها ومكانتها القارية والدولية.
- خلاصات وتوصيات مناظرة الصخيرات..
خرجت المناظرة بمجموعة من التوصيات التي رسمت خريطة طريق واضحة لتطوير الرياضة الوطنية، أبرزها:
- اعتماد الحكامة الجيدة والشفافية داخل الجامعات والأندية الرياضية.
- تطوير الرياضة المدرسية لاكتشاف المواهب في سن مبكرة.
- تشجيع الاستثمار والشراكة مع القطاع الخاص.
- تأهيل الموارد البشرية في مجالات التدريب والتسيير الرياضي.
- كرة القدم... قصة نجاح وطنية..
منذ تلك اللحظة، أصبحت كرة القدم المغربية الوجه الأبرز للنهضة الرياضية الوطنية، حيث شهدت نقلة نوعية غير مسبوقة على مستوى التنظيم، التكوين، والبنية التحتية.
فقد تجسدت الرؤية الملكية في مشاريع مهيكلة، أبرزها مركز محمد السادس لكرة القدم بالمعمورة، الذي يعتبر اليوم من بين أفضل مراكز التكوين في العالم، واحتضان المملكة لبطولات إفريقية وعالمية جعلت من المغرب منصة كروية رائدة في القارة.
وجاء الإنجاز الأهم سنة 2022، حين نجح المنتخب الوطني المغربي الأول في كتابة صفحة ذهبية في تاريخ كرة القدم العالمية، ببلوغه نصف نهائي كأس العالم بقطر، كأول منتخب عربي وإفريقي يصل إلى هذا الدور، في إنجاز أبهر العالم ورسخ مكانة المغرب بين كبار المنتخبات وزعماء الكرة العالمية.
كما واصلت الأندية المغربية تألقها قاريا، بفوز الوداد والرجاء ونهضة بركان بألقاب إفريقية، وهو ما يعكس نضج التجربة الوطنية ونجاح المسار الإصلاحي الذي انطلق منذ مناظرة الصخيرات..لتليها انجازات المرأة المغربية في مجال الكرة من خلال الوصول للدور الثاني في آخر مونديال نسوي في سابقة كانت هي الأولى عربيا، وتستمر المشاركات والتوهج المغربي حين حاز المنتخب الأولمبي المغربي على برونزية باريس، وقبلها ذهبية أمم افريقيا لأقل من 23 سنة التي اقيمت بالمغرب، وكان منتخب أقل من 17 سنة ظفر بلقب وصيف بطل افريقيا، و كذا إحراز منتخب الفوت صال على بطولتين إفريقيتين وبروز لافت في المونديال وفي اكثر من مناسبة، وساهمت هذه النتائج في تقدم المغرب الكبير في سبورة ترتيب الفيفا في الرياضيتن وصل على اثر ذلك منتخب الكرة إلى الصف الحادي عشر و الفوت صال الى السادس، لتصل كرة القدم الى انتزاع أول كأس عالمية في فئة الأقل من 20 سنة بالشيلي كأفضل وأهم انجاز عرفته الرياضة الوطنية عبر التاريخ.
- البنيات التحتية والتكوين...أساس المجد الكروي..
ما تحقق في كرة القدم المغربية لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة عمل استراتيجي طويل المدى، شمل إعادة تأهيل الملاعب، وتعميم مراكز التكوين، وفسح المجال أمام الأطر الوطنية المكونة لإبراز مهاراتها الرياضية على جميع المستويات.
واليوم، باتت المملكة تتوفر على منشآت بصبغة العالية، جعلتها مرشحة بقوة لاحتضان مونديال 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال، في حدث سيشكل تتويجا لمسار بدأ قبل سبعة عشر عاما في قاعات مناظرة الصخيرات، وقبل ذلك احتضان المغرب لأكبر تظاهرة قارية يتعلق الأمر بكأس أمم افريقيا 2025 التي ستحتضنها كبريات المدن المغربية وسينتظرها العالم باكمله.
- إشعاع رياضي متعدد وتفوق نسوي لافت..
ورغم تركيز الأنظار على كرة القدم، فإن الرياضة المغربية في مجملها عرفت تطورا واضحا في السنوات الأخيرة. فقد برزت أسماء مغربية وازنة في ألعاب القوى، والتايكواندو، والكاراطي، والملاكمة، والجيدو، وحصدت ميداليات مشرفة قاريا وعالميا.
كما تميز الحضور النسوي في المجال الرياضي، سواء حين برزت المراة المغربية كلاعبة أو مدربة أو مسيرة، وهو ما يعكس مكانة المرأة المغربية ودورها في بناء المشهد الرياضي الوطني.
- الحصيلة إلى حدود اليوم..
الحصيلة العامة تؤكد أن المغرب قطع أشواطا كبيرة في درب الإصلاح الرياضي، حيث تحسنت البنية التحتية، وارتفعت مستويات التكوين والتدبير، وبدأت تظهر نتائج ملموسة على المدى المتوسط.
غير أن الرهان الحقيقي اليوم هو ضمان الاستمرارية وترسيخ ثقافة الاحتراف، عبر تعزيز التنسيق بين مختلف القطاعات، وتوسيع قاعدة الممارسين، وربط الدعم بالمردودية والنتائج.
كما أن إدماج الرياضة في السياسات التربوية والتعليمية بات ضرورة لتكوين جيل جديد من الأبطال، وجعل الرياضة جزءا من الثقافة اليومية للمواطن المغربي.
- الطريق نحو العالمية لباقي الرياضات..
يبقى السؤال المطروح اليوم وهو كيف يمكن لباقي الرياضات أن تسير على خطى كرة القدم في الطريق نحو العالمية؟
وهنا يكمن الجواب في تحديد الرؤية والتخطيط لضمان الاستمرارية. فكلما تضافرت جهود الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، ووجدت المواهب الرياضية فضاء يحتضنها ويصقل قدراتها، كلما اقترب المغرب أكثر من تحقيق الحلم الرياضي الكامل.
ونقول في الختام، إنه بمرور سبعة عشرة سنة بعد مناظرة الصخيرات، يتأكد أن المغرب لم يعد يعيش مرحلة التشخيص، بل دخل مرحلة الإنجاز والتتويج. وكرة القدم كانت الواجهة البارزة لهذا التحول، لكنها ليست النهاية. فبفضل رؤية ملكية متبصرة، وإرادة وطنية موحدة، تسير المملكة بثبات نحو مستقبل رياضي مشرق يجعلها من بين القوى العالمية في مجال الرياضة.
رئيسية 








الرئيسية


