العلم الإلكترونية - محمد الورضي
في مشهد لا يتكرر كثيرًا في ملاعب كرة القدم، خطفت جماهير الكونغو الديمقراطية الأنظار خلال اللقاء الأخير حين ظهر بين صفوفها رجل وقف طوال دقائق المباراة في هيئة أقرب إلى الصنم منها إلى الإنسان. لم يتحرك، لم يجلس، ولم يغيِّر ملامحه، وكأنه تمثال حي يقف وسط المدرجات، يجسد روح أحد أبرز رموز التاريخ السياسي الإفريقي: باتريس لومومبا.
هذا المشهد الاستثنائي أثار فضول المتتبعين، ودفع كثيرين إلى البحث عن خلفية هذا السلوك الغريب الذي حوّل المدرج إلى مسرح رمزي مفتوح. فالمعروف عن لومومبا، الذي عاش بين سنتي 1925 و1961، أنه أحد القادة الأفارقة الذين تركوا بصمة قوية في الذاكرة الجماعية للكونغو، باعتباره مناضلًا وطنيًا قاد الكفاح من أجل استقلال البلاد، ودفع حياته ثمنًا لمواقفه.
وبحسب تصريحات بعض المناصرين الحاضرين، فإن الرجل الذي تجسّد في المدرجات لم يكن يقوم باستعراض شخصي، بل كان يؤدي «وقفة رمزية» تعبر عن استمرار حضور روح لومومبا في وجدان الشعب الكونغولي. فشخصيته ما تزال إلى اليوم تحظى بإعجاب شريحة واسعة من الجماهير، التي ترى فيه رمزًا للكرامة والنضال والشجاعة.
تفاعل الجمهور مع هذه «الوقفة الصنمية» كان واضحًا، بين من اعتبرها مبادرة فنية عفوية تستحق الإشادة، وبين من رأى فيها رسالة سياسية غير مباشرة تعبر عن استمرارية تأثير رموز التحرر في الوعي الشعبي، حتى داخل فضاءات تبدو بعيدة عن السياسة كالملاعب الرياضية.
المباراة التي جمعت منتخبي الكونغو ونيجيريا شهدت العديد من اللحظات المثيرة، لكن هذا المشهد ظل الأكثر التقاطًا بعدسة المتفرجين، لما حمله من قوة رمزية تربط الرياضة بالتاريخ، والجماهير بالذاكرة الجماعية، والهوية الوطنية بالقلوب التي لا تزال تهتف للمناضلين حتى بعد رحيلهم.
بهذه الصورة الفريدة، أكد الجمهور الكونغولي مرة أخرى أن كرة القدم ليست مجرد لعبة، بل منصة تعبّر من خلالها الشعوب عن ثقافتها، رموزها، وطريقة رؤيتها للعالم… حتى وإن كان ذلك من خلال إنسان يتحول، لدقائق طويلة، إلى صنم نابض بالحياة.
رئيسية 








الرئيسية


