
*العلم الإلكترونية: إيطاليا - عبد اللطيف الباز*
في قلب أوروبا، حيث تمتزج روائح التاريخ بروح الحاضر المتأزم، تعيش إيطاليا حالة من القلق الوجودي الصامت. بلاد الألف كنيسة والمليون قصة حب لم تعد تُنجب كما كانت تفعل. المدن القديمة أصبحت أكثر صمتًا، والقرى الجبلية تنام على أنين شيخوخة لا تجد من يوقظها. انخفاض حاد في عدد المواليد، ارتفاع متسارع في معدل الأعمار، واقتصاد يعاني من تقلص القوى العاملة. كل ذلك دفع البلاد إلى طرح استفتاء شعبي يحمل في طيّاته أكثر من مجرد تعديل قانوني. هو استفتاء على المستقبل، على الهوية، وعلى تعريف من يستحق أن يكون “إيطاليًّا”.

ففي الأيام الماضية، توجّه الإيطاليون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في استفتاء من خمسة محاور، أبرزها مقترح تقليص مدة الإقامة المطلوبة للحصول على الجنسية من عشر سنوات إلى خمس، وهو ما قد يفتح الباب أمام قرابة 2.5 مليون أجنبي يعيشون ويعملون في البلاد دون أمل قريب في الاندماج التام. لكن الأمل سرعان ما اصطدم بواقع بارد: الإقبال على التصويت جاء ضعيفًا للغاية، إذ لم يتجاوز 23 % حتى مساء الأحد، في حين يشترط القانون أن تتجاوز النسبة 50 % زائد واحد حتى تُحتسب النتائج ملزمة.

الغريب أن المقترح لا يأتي من فراغ، بل من أزمة ديموغرافية صارخة تُهدد البلاد في صميم بنيتها الاجتماعية والاقتصادية. فمعدل الولادات في إيطاليا يُعد من الأدنى عالميًا، ومع تراجع عدد السكان النشيطين، وارتفاع عدد المسنّين، يُجمع الاقتصاديون على أن البلاد بحاجة ماسة لتجديد دمائها عبر سياسات هجرة أكثر انفتاحًا.

لكن المفارقة أن هذا الطرح، رغم منطقيته، يصطدم بثقافة سياسية سائدة تُغذّيها أطراف يمينية محافظة، ترى في أي تسهيل للجنسية تنازلًا عن “الهوية الإيطالية”. ومع وجود حكومة بقيادة جورجيا ميلوني، التي صعدت إلى الحكم بشعارات قومية واضحة، لم يكن مفاجئًا أن يُترك هذا الاستفتاء في الظل، بلا تعبئة جماهيرية حقيقية، ولا حملة تحفيزية قوية.
وفي خضم هذا التباين بين الحاجة الديموغرافية والممانعة الثقافية، بدا أن الشعب الإيطالي قرر، بوعي أو لا وعي، أن يترك صندوق الاقتراع فارغًا. وبذلك يكون قد اختار — أو على الأقل قبل — استمرار الوضع كما هو: بلد يتقلّص ديموغرافيًا، ويقاوم التجديد رغم وضوح الحاجة إليه.
لكن القصة لم تنتهِ هنا…
وفي خضم هذا التباين بين الحاجة الديموغرافية والممانعة الثقافية، بدا أن الشعب الإيطالي قرر، بوعي أو لا وعي، أن يترك صندوق الاقتراع فارغًا. وبذلك يكون قد اختار — أو على الأقل قبل — استمرار الوضع كما هو: بلد يتقلّص ديموغرافيًا، ويقاوم التجديد رغم وضوح الحاجة إليه.
لكن القصة لم تنتهِ هنا…