Quantcast
2023 مارس 16 - تم تعديله في [التاريخ]

حكيمة الحطري: ضرورة سد ثغرات مدونة الأسرة لمنح المرأة حقوقا أوسع مستقبلا


العلم الإلكترونية - حاورها زهير العلالي

اعتبرت حكيمة الحطري، عضو المكتب التنفيذي لمنظمة المرأة الاستقلالية ونائبة عمدة فاس، أن الاحتفاء بالمرأة وبمكانتها يجب أن يتكرر مرات ومرات، وأن يبرز في تمكينها من كل حقوقها الإنسانية المختلفة، منبهة في الوقت نفسه، إلى أن النساء لا زلن في حاجة إلى الإنصاف والتحفيز والتشجيع بدون أي شرط ولا قيد، على اعتبار أن المرأة تبقى شريكة الرجل في كل مظاهر التنمية، وشقيقته في جميع الحقوق الإنسانية.

كما ذكّرت الحطري، في حوار لها مع "العلم" بمناسبة اليوم العالمي للمرأة (8 مارس)، أن من بين أهم العوامل التي تجعل وضعية المرأة مزرية في بلادنا، الثغرات التي تعتري مدونة الأسرة الصادرة في الأصل لإنصاف المرأة والاعتراف بمساواتها مع الرجل وضمان حقوقها وحقوق أطفالها، الأمر الذي يتطلب وفقها تعديلا وتنقيحا لمنح الأسرة نوعا من الاستقرار، داعية في السياق ذاته، إلى اعتماد الوساطة الأسرية، لما تتسم به من نزاهة وحياد، وجعل الخلاف بين الزوجين خارج أسوار القضاء، على اعتبار أن أي خلاف وصل إلى هذا الأخير تتعمق هوته وشقاقه.
 
س: بوصفك امرأة ما رمزية الاحتفال بيوم 8 مارس من كل عام؟
 
انطلاقا من كوني امرأة، دون استحضار خصوصية الدين والتقاليد الاجتماعية، والأعراف السائدة عن مكانة المرأة عموما، فإن الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة، 8 مارس، يستلزم الرجوع إلى الأسباب التي جعلته يوما خاصا بالمرأة، بالنظر إلى الظرفية غير المنصفة التي تحيل على أنها كانت على مر التاريخ تسند إليها الأدوار الهامشية، والمهينة لكرامتها بوصفها إنسانا. محقرة في كل احتياجاتها: العائلية والمجتمعية الاقتصادية والفكرية، ناهيكم عن باقي حقوقها الإنسانية في العيش الكريم.

فتاريخ البشرية يؤكد على الوضعية المزرية التي كانت عليها المرأة في كل الواجهات، حيث صنفتها بعض الأقوام ضمن سقط المتاع، ومن صنف الأرواح الشريرة، أو أدنى من مرتبة الحيوانات؛ وقد ظلت المرأة على هذا الحال لقرون عديدة، ولم تكن تنصف إلا من بعض الأمم القديمة التي عرف أهلها برجاحة العقل وسلامة الفطرة، كما هو الشأن عند قدماء المصريين وكما ورد في "قانون حمو رابي" وغير ذلك..

ليستمر الأمر في تحقير المرأة على مر العصور والأجيال وفي مختلف الأقطار والأمصار، باستثناء ما أحدثه الإسلام من ثورة اجتماعية عميقة برزت فيها المرأة مع كثير من الرفعة والتكريم ورد الاعتبار.

والحديث عن مكانة المرأة في الإسلام يستوجب وقفة متأنية نعود إليها في مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى.

وتستمر المرأة في معاناتها أمام قوانين صنفت دونيتها، وعادات وتقاليد كرست صورة نمطية سلبية عنها، وحدّت بل وقلصت من أدوارها لدرجة فضلت فيها أن تضحي بحياتها من أجل الدفاع عن كرامتها.

وبالعودة تاريخيا إلى مناسبة الاحتفاء بهذا اليوم من كل سنة، فإن الأمر يرجع إلى الحدث التاريخي الذي تظاهرت فيه آلاف النساء بمدينة نيويورك احتجاجا على ظروف العمل اللاإنسانية التي كن يعشنها، و كان ذلك اليوم هو 8 مارس 1856. فأصبح هذا اليوم تعبيرا عن الاحتفاء بإنجازات المرأة، واحترامها وتقديرها وكونها شريكا في التنمية.

وإن كنت اعتبر أن التذكير بالمرأة ومكانتها يجب أن يتكرر مرات ومرات، وأن يبرز في تمكينها من كل حقوقها الإنسانية المختلفة، فهي ما زالت تحتاج الى الإنصاف والتحفيز والتشجيع بدون أي شرط و لا قيد. فهي المرأة شريكة الرجل في كل مظاهر التنمية، وشقيقته في جميع الحقوق الإنسانية؛ مصداقا لقول رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: "إنما النساء شقائق الرجال...".
 
س: هل هذا الاحتفال هو احتفاء بالمرأة وتقدير لها في حد ذاتها على غرار عيد الأم؟ أم أن هناك طابعا سياسيا ونضاليا يصاحب إحياء هذا اليوم؟
 
إن الاحتفاء بالمرأة مقرون بمرجعية تاريخية، تجاذبته عدة طروحات وأيديولوجيات منها ما بني على خلفيات نضالية وأخرى سياسية، وأخرى حقوقية وهكذا..

والاحتفاء بهذه المناسبة، يعتقد الكثير أنه للتذكير بإنجازات المرأة، وانخراطها في التنمية المجتمعية الشاملة، بينما هناك من يرى أن المناسبة تذكير بوضعية المرأة التي تفتقد إلى كثير من العناية والإحقاق والإنصاف، وتبويئها المكانة الإنسانية الملائمة مثل الرجل في كل المجالات والقطاعات الفكرية والسياسية والحقوقية والنضالية والمهنية.. لذلك فهي ترى أن الاحتفاء بها في هذه المناسبة يأتي تحت غطاء كل ما تمت الإشارة إليه، فالكل يحتفي بالمرأة في يومها العالمي، ومنها: الأحزاب السياسية التي تضع ضمن برامجها العامة والانتخابية تحسين وضعية المرأة إلى جانب باقي الوضعيات الإنسانية الأخرى، وكذلك المنظمات الأهلية والجمعوية والحقوقية التي من بين أهدافها الدفاع عن حقوق المرأة.

هذا الأمر حذا بالتشريعات والقوانين، إن على المستويات الوطنية أو الدولية، كي تستجيب لمطالب الأحزاب السياسية، وأيضا المنظمات الحقوقية في سن قوانين خاصة بالمرأة ومحيطها. وهذا ما نجد له تجسيدا في المنظومة القانونية المغربية إلى جانب باقي البلدان في العالم، وعلى مستوى المواثيق الدولية.

س: بما أنك مختصة في قضايا المرأة والطفل وخبيرة في مدونة الأسرة، نعلم أن هذه الأخيرة صدرت في الأصل من أجل إنصاف المرأة وضمان حقوقها ومنح الأسرة نوعا من الاستقرار، وبالتالي للمجتمع، في رأيك لماذا نرى عكس ذلك في السنوات الأخيرة؟ وما سبب أو أسباب المطالبة بتعديل مدونة الأسرة؟

إن الحديث عن مدونة الأسرة وبتسميات مختلفة لدى الدول العربية والإسلامية: قانون الأسرة، قانون العائلة، قانون الأحوال الشخصية، مدونة الأحوال الشخصية وغيرها من التسميات، الأساس فيها هو تنظيم العلاقات الأسرية على مختلف أنواعها وتصنيفاتها، ودرجاتها، مراعية في ذلك المرجعية الإسلامية، والعادات والتقاليد، والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكل بلد.

ففي المغرب مثلا، كان أول إصدار لقانون ينظم العلاقات الأسرية سنة 1957، بعد حصول المغرب على استقلاله تحت مسمى مدونة الأحوال الشخصية التي استندت في فصولها إلى المرجعية الاسلامية، وخصوصا المذهب المالكي. وكان الغاية منها ضمان الحقوق الأسرية لكل أفراد الأسرة.

بعد ذلك أحدثت تعديلات في العديد من الفصول، ليأتي آخر تعديل سنة 2004، والأصل فيه حماية المرأة وضمان حقوق الطفل، وبالتالي حماية الأسرة وكل مكوناتها بما فيها الرجل.

وقد واكب هذا التعديل للقانون الموضوع تعديل للقانون الشكلي في الجانب المتعلق بقضاء الأسرة أي "جانب المسطرة والإجراءات".

كما خضع القضاة لتكوينات مستمرة، لاعتبار أن النظر والبت في قضايا الأسرة تكتنفهما تخصصات دقيقة، فبالإضافة إلى المعرفة بأحكام الشريعة والفقه الإسلامي والقوانين المختلفة، هنالك علوم مثل علمي النفس والاجتماع، وكذلك المعرفة الدقيقة بالعادات والتقاليد المغربية التي تعتبر ضرورية لقاضي الأسرة.

وقد برزت مستجدات في شتى الفصول تسعى لتكريس ما تم ذكره من الحماية والعناية بالمرأة والأطفال والأسرة.

ورغم هذه الجهود المبذولة فإن مدونة الأسرة تبقى قاصرة لاعتبارات عدة منها: أن هذا القانون يظل وضعيا في شكله وصياغته واختيار بنوده وأحكامه. أي أن الإنسان يتدخل في وضعه. وكل ما يضعه الإنسان يتعرض إما للنقص أو الخطأ أو عدم الكمال بصفة عامة، تأثرا بالمحيط والتغيرات المجتمعية. إضافة إلى الوضعية المزرية التي يعرفها الشكل التنظيمي والإداري في المحاكم وأقسام قضاء الأسرة من حيث الاكتظاظ والبطء وعدم التوفر على الموارد البشرية الكافية، وظروف الاشتغال... كل هذا ساهم في تفاقم المشاكل الأسرية التي لا تجد حلولا مرضية لدى القضاء الأسري، حيث تكثر القضايا ويعجز القضاء عن حل المشكلات وفض النزاعات.
وهنا نخلص إلى أن أكثر الأسباب المساهمة في القضاء على الخلاف وعدم تحقيق الاستقرار يتجلى في:
  • التغيرات المجتمعية التي عجزت مدونة الأسرة عن مجاراتها ومواكبتها في ظل عالم تحكمه العولمة والسرعة، وتغيير نمط العيش لدى الأسر، مما يستوجب إعادة النظر في بعض البنود.
فمدونة الأسرة كغيرها من القوانين التي كلما مر الزمن، وتجددت البيئات والظروف استلزمت التعديل والتغيير.
  • الوضعية الصعبة التي تمر بها جلسات الصلح التي تنتهي في أغلبها بالفراق والانفصال، حتى صارت حالات التطليق الشقاق مرتفعة جدا وفي تفاقم مستمر.
 
س: ما هي الاقتراحات التي ترينها مناسبة لسد الثغرات التي تعتري هذه المدونة؟

إن مدونة الأسرة بصفتها قانونا وضعيا تعتريها ثغرات عدة، إن على مستوى الموضوع أو على مستوى الشكل.

فعلى مستوى الموضوع نجد أن كثيرا من قضايا الحضانة والنفقة سواء في الزواج العادي أو الزواج المختلط تحتاج إلى ضبط وإجراءات محكمة تعين على منح المرأة حقوقا أوسع مما هو عليه الأمر حاليا. ففي مختلف مستحقات المرأة والأطفال أثناء الزواج أو بعد انحلاله تظل مثل حبر على ورق، لا يمكن استيفاؤها بسهولة، حيث يعمد الزوج أو الأب أو المطلق إلى التملص منها وعدم أدائها.

وفي الحضانة أيضا العديد من الصعوبات والعراقيل تعود سلبياتها المتنوعة على الأطفال، الضحايا الأوائل في الخلافات الأسرية، فكثير من الإجراءات المسطرية والشكلية تقف في وجه المرأة لاستحالة تحقيق مصالحها ومصالح أطفالها.

كما أن الأسلوب التقليدي في فض النزاعات أصبح غير نافع، حيث تظل كل محاولات الصلح شكلية لا فائدة منها. مما يستلزم الرجوع إلى حلول بديلة لفض المنازعات.

س: ناديت كثيرا بالوساطة الأسرية لتقوم مقام الصلح القضائي، ما الحلول التي يمكن أن تقدمها في نظرك؟ وهل الصلح القضائي عاجز عن احتواء الخلافات الأسرية؟

سبقت الإشارة إلى أن الصلح القضائي لم يؤد رسالته على أكمل وجه، بسبب ظروف تكوينية ولوجيستيكية وبشرية وغيرها... إذ نجد أن كل القضايا التي خضعت للصلح القضائي لم تجد طريقها إلى الحلول المثلى، بل بقيت كما هي وفي غالب الأحيان، تفاقمت أكثر فأكثر.

وبالنسبة للوساطة بصفتها آلية جديدة لفض النزاعات سواء أكانت أسرية أم اجتماعية أم تجارية، فقد أصبحت أمرا مرغوبا فيه لنجاعتها ولتوفرها على خصائص منها: الحياد، السرعة، والاستقلالية...

وقد توجهت الدول المتقدمة إلى ترسيخ نظام الوساطة في فض النزاعات. وتوجهي إلى الاعتناء بهذه الوسيلة البديلة أتى بعد تجربة طويلة في العمل الجمعوي، حيث كان مركزنا للدراسات والأبحاث في قضايا الأسرة والمرأة بفاس يشتغل على هذه الآلية لفض العديد من النزاعات الأسرية، وغالبا ما كان النجاح حليفها. ولأنه ليس سهلا على كل جمعيات المجتمع المدني أن تمارس هذه الوظيفة، أي وظيفة إصلاح ذات البين عن طريق الوساطة لافتقادها إلى الأسلوب العلمي والتقني المستمد من مختلف التخصصات: مثل العلوم الشرعية والنصوص القانونية وغيرها من العلوم المتخصصة التي لا يمكن أن يتوفر عليها إلا من درسها وتكون فيها.

وهكذا ارتأيت التفكير في نقل هذه التجربة إلى فضاء الجامعة على اعتبار أنها محضن لكل العلوم التي تعتمد الموضوعية والعقلانية والتكوين المتخصص.

فبادرت بصفة شخصية إلى تقديم مشروع تكوين على مستوى الماستر عنوانه: ماستر الوساطة الأسرية والاجتماعية، والذي حظي بالقبول بدون شروط، فكان الأول من نوعه على مستوى الجامعات المغربية؛ هذا بالإضافة إلى تكوينات أخرى احتضنت الوسائل البديلة لفض المنازعات على غرار، الصلح والتحكيم والوساطة...

وبعد تجربة ست سنوات من الاشتغال أكاديميا إن على مستوى الماستر أو الدكتوراه، تبين لنا بأنها أفضل وسيلة بديلة لفض النزاعات الأسرية، على أساس أن تكون نظاما مستقلا بذاته غير تابع لوزارة العدل، وغير مُوطن في المحاكم، له هيكلة خاصة وبشروط خاصة تجعلها ضرورية في إصلاح ذات البين لدى مكونات الأسرة المختلفة خاصة الزوج والزوجة.

لذا، نرى أنه من اللازم أن يتم التنصيص على الوساطة كنظام مستقل يُلتَجأ إليه على وجه الضرورة قبل اللجوء إلى القضاء. وأرى أن الفرصة سانحة لتكون الوساطة الأسرية ضمن المستجدات التي تنص عليها مدونة الأسرة في أفق السعي إلى تعديلها.

              
















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار