جلست الأم الفلسطينية تطلب من الله “خبزة” بعد أن هدها الجوع والعطش وفقدت أولادها كلهم ومعهم الأب، جلست تبكي وتطلب خبزة من الله، وسط ركام غزة فلسطين وجحيم غزة فلسطين، وجريمة غزة في فلسطين كجريمة تاريخية، المدينة الفلسطينية التي فلشتها صواريخ النبي موسى وإلى جانبه الخضر العربي الذي رافقة وهو في مملكة الحجاز، كي يدله على مستقبل درب الجريمة المنظمة مستقبلا وكيفية التمهيد لها توراتيا، ليستهدفا شعباً صنع أجمل وطن في التاريخ المقيت الملتبس وهو “شعب فلسطين”، فاغتاظ النبي “الألثغ موسى” ومعه الخضر” اغتاظا من النبي محمد، وهما يشهدان رسول المسلمين في رحلة البراق حلما من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فجلسا يحيكان المؤامرات ضده وينسجان خيوطها وهما في زورق انحدر من ساحل البحر الأحمر من قلب الجزيرة العربية يبحثان عن وطن ليس لهما ولا لأتباعهما، فعثرا بعد رحلة مئات السنين على “هرتزل” مجتمعا مع صيارفة اليهود في مدينة “بازل” في سويسرا عام 1897 ليشرعا ما أسموه “وطنا قوميا لليهود” على الأرض الفلسطينية المقدسة، وهي ليست وطنا لهم.. ذلك الوطن هو فلسطين.. وفلسطين هو ذلك الوطن وطن الفلسطينين تأريخيا ووجوديا! منذ ذلك التاريخ تحركت أسراب الجوارح ووحوش الغاب لتصطف مع المتصهينين من كافة الآديان للإنتقام من أجمل شعب خلقه الله.. شعب جميل الطلعة وجميل الروح هو الشعب الفلسطيني.
كان نبيهم “موسى يلثغ في لغة الكلام” فطلب من ربه قائلا “وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي” وكان نبيهم موسى وهو منذ صغره وقحاً ونشأ وقحا، قد نتف شعر لحية الفرعون فغضب منه، وأراد عقابه فقالت له أمرأة الفرعون هو صغير ولا يفقه شيئا وجاءت له بتمرة وجمرة في إناء، فأكل موسى الجمرة بدلا من التمرة ولسعته الجمرة في لسانه فصار يلثغ القول.. ولذا جاء صهاينة اليهود والمتصهينين من قتلة المسيح ومن أدعياء الأديان زيفا لينتقموا من أجمل خلق الله على الأرض.. شعب فلسطين.. فإن أبادوهم فسوف تفرغ الأرض من طيبتها وأفراحها وكرمها وخيرها وجمالها، وتعم كل شرور وحوش الأرض قانونا للبشرية بديلا لقوانين العدالة البشرية والإلهية.
كل منزل وكل بيت وكل مزرعة زيتون وبرتقال هو فلسطين، ومطلوب زراعة الحقد والكراهية والموت بديلا عن زيتون فلسطين وبديلا عن برتقال يافا وبديلا عن بيوت غزة والناصرة وحيفا وشعراء ومبدعي كل المدن الفلسطينية.. مطلوب موت قسري للأطفال والأمهات والآباء والأخوة.. موت حتى وهم ميتون، موت دفنوا أحياء، موت وهم ينزفون دما في مستشفيات المدن الفلسطينية موت وهم يلعبون في مدارس النشأ وفي رياض الأطفال اليتامى. موت وهم في مقهى بدون كباية شاي ولا فنجان قهوة، موت وهم يرتجفون من البرد على ساحل البحر، موت من الجوع والعطش! موت وهم ميتون في قبورهم حين فتح أتباع النبي الألثغ المقابر الجماعية ليفرغوا حقدهم بعد حقدهم يشوهون أكفانهم أو الذين ليس لهم كفن.. والأم وحدها تطلب خبزة من الله بعد أن هدها الجوع والعطش!
ما يحصل في غزة فلسطين، لم يحصل في تاريخ جريمة المجرمين في التاريخ، التي ارتجفت لها قلوب شبيبة العالم وأمهات العالم وأفريقيا العالم وفي أمريكا اللاتينية، وحتى في جامعات أمريكا نفسها.. كل العالم نددوا بالإبادة، إبادة الشعب الفلسطيني عدا الشعوب العربية والإسلامية إذا ما استثنينا شعب اليمن العظيم الذي بقي وحده مدافعا عن شعب الله في أرض الله.. فلسطين.
جلست الأم الفلسطينية وسط ركام غزة بعد أن أغلقوا أبواب المدينة حتى لا تمر حبة قمح مع معبر رفح وسألت الله وهو متربع على كرسيه الذي وسع السموات والأرض، سألته بصيغة الواقع وليس بمجازه.. إلهي هب لي من لدنك رغيف خبز واحد! بقيت صرختها تدوي عبر شاشات الأقمار الإصطناعية هب لي من لدنك رغيف خبز يا إلهي!
سيدتي أن الله ليس ثمة تنور في جنته.. ولا سنابل قمح في جحيم ناره !! فمن أين يرمي لك برغيف خبز، وليس بين أمواته خبازون، فلقد نسي الخبازون مهنتهم وهم متكئون على الآرائك ينتظرون إستعراض حور العين بعد أن يسقيهم النبيذ اطفال من غزة الشهداء الأبرياء مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلواً منثورا.. بجوارك سيدتي عبر معبر رفح فقط مائة وستة مليونا وخمسمائة وستة وخمسين ألفا ومائة وأربعة وسبعين مواطنا عربيا ومسلما، وفي الجانب الآخر، وفقط حين تعبرين جسر اللمبي ستجدين عشرة ملايين وأربعمائة وثمانية وعشرين ومائتان وواحد وأربعين مواطنا عربيا وسلما. ولو أسمعت صوتك بعيدا قليلا بشمرة عصا ستجدين خمسة وثلاثين مليونا من المسلمين يشهرون بنادقهم ويلعلع الرصاص فرحا وإبتهاجا في صحرائهم، يوم إعتلى بعيرهم ظهر ناقتهم، وأولج سالبه في موجبها، ولا تسألي عن الدويلات المتناثرة هنا وهناك، إذ يحكم في بلدانهم الهنود واليهود، ولا تفكري بالعراق وشعبه البالغ عددهم ستة وأربعين مليونا، فلقد رتب أوضاعهم بول بريمر وإنتهت حكاية ما بين النهرين، وفي الجماهيرية الليببة تولى ساركوزي الفرنسي أمر دمار ليبيا، ولم يسلم السودان من جرائم فرنسا ومن تآلف معها في تمزيق وحدة الشعب السوداني، وأنت تنتظرين يا سيدتي خبزة الله ولا تدرين بأن الخبازين بعد موتهم قد نسوا مهنتهم وهم “متكئين على الآرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريا”!
أيتها الأم الحنون.. فلسطينة الأحزان والدمع فلسطينية القلب الموجوع.. تستلفين الكفن من طفل شهيد لتلفي فيه طفلا شهيدا ثانيا وثالثا ويتداول الكفن الواحد ما يقرب من مائتي الف شهيد من خيرة الأطفال الذين أنجبتهم أمهات العالم.. أناديك حبيبتي الأم الفلسطينية أن لا تنتظري خبزة الله.. بل باركي بصوتك الشجي الباكي أبناء أفريقيا السوداء الأكثر نصاعة من بياض الإعراب “العربان” وسوف يخالف الهدهد تعاليم الملك سليمان ويغادر مدينة سبأ طائرا محلقاً نحو فلسطين، مغرداً وهو يصيح في سماء فلسطين الحبيبة، دون أن تسقط الخبزة من فمه.. وجئتك من سبأ بنبا يقين!
قاسم حول - سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا