
العلم - سفيان عبد اللوي
سلط الدكتور محمد خريصي، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، الضوء على التأثير العميق الذي أصبحت تمارسه الصورة على إدراك الإنسان للواقع، معتبراً أننا نعيش زمناً جديداً لم تعد فيه الصورة مجرد أداة للتواصل، بل تحولت إلى سلطة تؤطر المعرفة وتعيد تشكيل الوعي. جاء ذلك خلال مشاركته في ندوة وطنية نظمت يومه الثلاثاء 27 ماي الجاري، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط تحت عنوان "الصورة في الزمن الأيقوني الجديد"، حيث أكد أن هذا الموضوع لم يعد هامشياً، بل أصبح في صلب انشغالات الفكر المعاصر.
سلط الدكتور محمد خريصي، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، الضوء على التأثير العميق الذي أصبحت تمارسه الصورة على إدراك الإنسان للواقع، معتبراً أننا نعيش زمناً جديداً لم تعد فيه الصورة مجرد أداة للتواصل، بل تحولت إلى سلطة تؤطر المعرفة وتعيد تشكيل الوعي. جاء ذلك خلال مشاركته في ندوة وطنية نظمت يومه الثلاثاء 27 ماي الجاري، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط تحت عنوان "الصورة في الزمن الأيقوني الجديد"، حيث أكد أن هذا الموضوع لم يعد هامشياً، بل أصبح في صلب انشغالات الفكر المعاصر.
ولفت الدكتور خريصي، إلى أن الإنسان المعاصر تحول في "الزمن الأيقوني الجديد للصورة إلى أدوات في يد نظام اقتصادي يخلق كائنات موجهة للاستهلاك فقط، بوصفه شرط عيش الإنسان المعاصر الذي يتجه أكثر إلى أن يكون وجوداً استعراضياً لا يهم فيه ما يحبل به من معنى وما يمثل من قيم"، مشدداً على أن هذا الوجود "يسوده ويهيمن عليه كوجيطو السلعة على حد تعبير جيل دولوز".

وفي السياق ذاته، أوضح الأستاذ خريصي أن "الندوة الوطنية حول الصورة في الزمن الأيقوني الجديد تعيدنا إلى إثارة الأسئلة المتعلقة بالتواصل الإنساني، الذي يشكل محفل الصورة من داخله عاملاً حاسماً في توجيه المعارف والممارسات النظرية بوصفه الموضوع الأكبر استهلاكاً وإنتاجاً والأقوى حضوراً في اليومي والمعيش"، مشيراً إلى أن أهمية الموضوع ترجع إلى كونه "مجالاً لتقاطع معارف من طبائع شتى، سواء أكانت فلسفية، أم سيكولوجية، أم أنتروبولوجية، أم سوسيولوجية، أم سيميولوجية، أم لسانية، أم فنية، وبلاغية وجمالية".
وشدد على أن اختيار مصطلح "الزمن الأيقوني الجديد" لم يكن اعتباطياً، بل يهدف إلى "محاولة الإلمام بكيفيات النظر إلى الصورة من موقع مخالف للاستخدام المتداول"، مؤكداً أن هذا الوسيط أصبح "أحد الإشكالات المستعصية في كل المقاربات التي نحاول بواسطتها فهم مقوماتها ومتطلباتها ومستتبعاتها كما تقول الباحثة رشيد التريكي".

وفي تعليقه على علاقة الصورة بالحقيقة، تساءل الأستاذ خريصي: "ألا يحق لنا أن نضع موضع الشك فعالية الصورة في البحث عن الحقيقة ومداها التوثيقي؟ هكذا ارتبطت فعالية توهيم الصورة بالشروط التي تشيد صرح الحقيقة، والحقيقي نفسه لم يعد ممكنًا إلا من خلال ما تتيحه الصورة وما تفرضه مؤثراتها الخاصة من ضرورة نفسية وليست عقلية بالضرورة".
واعتبر أن الصورة أصبحت وسيلة للقصف المتواصل (bombardement par série) تمامًا كالمدفع الرشاش وبشكل لا يترك مجالاً للتفكير، وهو ما يعلن عن زمن جديد للحقيقة يفرضه التواصل البصري، حيث باتت "الأيقونة من المنظور السيميائي أهم وأخطر من مرجعها، فنحن لا نعيش اللحظة بل نصورها كما يقول الدكتور سعيد بنكراد، وأن كل ما في هذا العالم مودع في صور تشبه الواقع وتناظره ولكنها لن تكونه أبداً".
وأضاف أستاذ السيميائيات أن "الحياة الحقيقية تحولت إلى موعد عادل في الواقع لأن فكرة نسخة عن الواقع إن هي إلا فكرة ساذجة لأن ما هو ساذج فعلاً هو فكرة الواقعي نفسها"، مستشهداً 'بجماعة مو' البلجيكية، حيث "لم يعد بإمكاننا، والحال هذه، أن نتخيل الواقع لأن الصورة حلت محله كما أعلن جان بودريار ذلك منذ عقود خلت".
وذكّر خريصي بأن الصورة أصبحت "تغزو مخيلاتنا وتُنمط وقائعنا بشكل احتفالي غدا معه العالم المعيش مشهداً فرجوياً"، مؤكداً على تراجع "حقائق الوجود وحقائق اللغة التي هي مِصْفَاتُ وجودنا وسبيلنا إلى حقائق تبنى في المفهوم والمتخيل لتحل محلها حقائق الصورة وحدها كما يقول مارك دوغان وكريستوف لابي، في كتابهما 'الإنسان العاري'، كمؤشر على صدقية التجربة وخارج اعترافها ليس للواقع من أثر إلا السديم والعدم".
كما نبه إلى مخاطر تنميط الذوق والقيم، معتبراً أن "سطوة الصورة وفتنتها تروم نمذجة كل القيم تحت مظلة ثقافية واحدة قد تجعل مثلا من أكلات "ماكدونالد" السريعة أو مشروبات "كوكاكولا" المنعشة على مستوى التلقي متطابقة في سلة واحدة"، وهو ما يشكل تحدياً صادماً للاختلاف و"ينجم عنه تضخم بصري نغدو معه مدعوين إلى غض البصر بالتعبير البليغ للدكتور فريد الزاهي".
وختم مداخلته بالتنبيه إلى خطورة هذا التحول، قائلا إن "ثمة أيديولوجية ثاوية خلف الصورة تسحر بعوالمها التي تعلوا على النقض والشك وتكرس واقعا قائما يُقصي أي إمكان للنفي أو الاختلاف في زمن غياب المساءلة والاستغراب، يا للأسف، إنه الزمن الأيقوني الجديد وإن شئنا الزمن الجديد للحقيقة الذي ينذر باغتراب العالم في ذاته حيث لم تعد الصورة وسيلة بل أصبحت غاية في حد ذاتها، أساسا، مع الشهوة التي يخدمها سعار الإشهار".