اختتمت فعاليات الدورة الرابعة عشرة للجامعة السينمائية بمكناس يوم السبت 13 ديسمبر 2025، والتي عرفت نجاحا مهما لا من حيث الحضور ولا التنظيم الجيد، بالإضافة إلى الانفتاح على التكوينات في مختلف آليات صناعة الفيلم سواء تخييلي أو وثائقي، بالإضافة إلى النقاشات حول الأفلام والندوات التي كرست أهمية السينما في إبراز الهوية المغربية في السينما وهو الدور الذي لعبته الأندية السينمائية منذ تأسيسها في السبعينيات. وسهر على تنظيم هذه الدورة كل من الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب (جواسم)، وجمعية الشاشة الكبرى بمكناس بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة والمركز السينمائي المغربي.
وعرف حفل الافتتاح الذي أقيم بسينما دوليز بمكناس، تقديم أهازيج موسيقية فلكلورية، ووصلة موسيقية من عزف الفنان فتاح النكادي وغناء الشابة المطربة سلمى كملي، تلاها كلمة عبد العالي الخليطي عن جمعية الشاشة الكبرى، التي رحب من خلالها بالحضور والفاعلين الذين دعموا الجامعة الوطنية للأندية السينمائية، بعدها تم تقديم كلمة المديرية الإقليمية للثقافة والتواصل، لتأتي الكلمة الأخيرة لرئيس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية السيد عبد الخالق بلعربي، معتبرا في كلمته بأن هذه الدورة هي استمرار للدورات السابقة التي احتفت بالسينمائيين الذين كانوا فاعلين بالأندية السينمائية ، وخصوصا الرواد من قبيل المخرج حميد بناني هذه السنة .
كما تم تقديم فيديو تكريمي موجز خاص عن تجربة الفنانة خلود البطيوي، لتلقي كلمة ترحيبية ونودي على رئيسة النادي السينمائي ببني ملال السيدة امينة الصيباري لتقديم شهادة في حق المحتفى بها بكلمات ترقى لمستواها الفني والإبداعي وما خلفته كبصمة واضحة في المشهد السينمائي، معتبرة بأن خلود البطيوي من الفنانات القلائل اللواتي يلبسن الأدوار بامتياز، حيث تنتصر أدوارها على حد قول أمينة الصيباري، للإيقاعات المضبوطة، فهي متعددة الأدوار، اجتمع فيها ما تفرق في غيرها، وقد أنصفتها السينما جزئيا.
كما قدم المخرج عبد الإله زيرات ليقدم هو الآخر شهادة في حق الفنانة خلود باعتبارها زميلة له في الدراسة وبطلة فيلمه السينمائي الأخير، مما مكنه من الحديث عن طبيعة شخصيتها، وعن سر إصرارها على الاستمرارية في مجالها، كما قدم أيضا الإعلامي والمخرج إدريس الإدريسي شهادة في حقها كممثلة اشتغلت معه في مجال التلفزيون وما أعطته من إضافات في هذا المجال، وتم إهداؤها بورتريها من إنجاز الفنان التشكيلي مصطفى مفيد من المحمدية.
وفي نهاية الافتتاح، تم تقديم فيديو مختصر عن تجربة المخرج المكناسي حميد بناني، قيدوم السينما المغربية بمقاطع من إنجازاته السينمائية ليلقي كلمة عن مساره، ليتم تقديم شهادة في حقه من طرف عمر العزوزي، وقدم له بالمناسبة بورتريها شخصيا من طرف الفنان مصطفى مفيد المحمدية، وقدمه الناقد الأدبي والسينمائي ادريس القري والمخرج والإعلامي رشيد زكي.
وانطلقت صبيحة يوم الخميس 11 دجنبر 2025، الورشات بكل من المعهد الموسيقي ودار الشباب حمرية وقاعة المركز الثقافي محمد المنوني بمكناس، حيث احتضنت القاعة الأولى ورشة الإخراج بتأطير من المخرج عبد الإله زيرات محاولا إعطاء فرصة للإبداع في الإخراج، انطلاقا من مواضيع ذاتية ترتكز على حكايات قد تكون واقعية، مع تصحيح بعض المعالم فيها للوصول إلى فكرة مقنعة يمكن تحقيقها على مستوى الإخراج، فكان الموضوع العام الذي تمت مناقشته، هو مسألة الهجرة برؤى متعددة للحاضرين ضمن هذه الورشة.
أما في الورشة الثانية التي أطرها المخرج والإعلامي رشيد زكي، أي ورشة إعداد الفيلم الوثائقي، فقد تمحورت أسئلتها حول كيفية كتابة السيناريو المتعلق بالفيلم الوثائقي، وما يحيط به من مساعدين في مجالات تقنية متعددة، فانطلاقا من فكرة معينة على حد قول رشيد زكي، يمكن البحث عن موضوع، مع إعطاء أمثلة من الواقع الصحراوي، مستشهدا بنماذج مرتبطة بمسألة العنف ضد النساء مشيرا إلى أن الفيلم الوثائقي يتطلب الدقة في الملاحظة الدقيقة، وهو ما جرى على حد قوله في اختيار بطلة الفيلم الوثائقي الموسوم ب "جاكوار"، الذي صور بالأقاليم المغربية الجنوبية، مستعينا بتقديم مقاطع أساسية من هذا الفيلم.
أما الورشة الثالثة فقد كانت من تأطير الممثل والمخرج عبدو المسناوي، حيث ركزت على إدارة الممثل وطرق توظيفه في حالات صعبة لكسب رهان النجاح.
وبقاعة الفندق الذي احتضن ضيوف المهرجان، كان هناك ما يسمى بماستر كلاس، من تسيير الكاتب والناقد السينمائي ادريس القري، الذي تحدث عن الأيام العصيبة التي مرت منها السينما المغربية فغياب أبسط الظروف المادية والمعنوية منها، مع الإشارة إلى تضحيات الرواد في هذا المجال مستعينا بتجربة المخرج حميد بناني كأحد هؤلاء المغامرين، الذين ضحوا بالغالي والثمين لأجل تطوير هذا القطاع، حبا لانتمائهم ولوطنهم رغم وجود إغراءات خارجية، لكن كانت ضد بلدهم وطموحهم لأجل الانسلاخ عن التبعية، ثم أعطيت الكلمة للمخرج حميد بناني، ليتحدث عن مسيرته وظروف إنجازه لبعض الأفلام رغم غياب الإمكانيات، مستشهدا بفيلمه الطويل "وشمة" الذي يعد حسب رأي النقاد وأهل السينما مرجعا أساسيا في المشهد السينمائي المغربي.
وفي عشية نفس اليوم استدعي الحاضرون لمشاهدة هذه الأيقونة السينمائية فيلم "وشمة" بسينما الدوليز بمكناس، بعدما أن حضروا لتقديم خمسة أفلام قصيرة مشاركة في المسابقة الرسمية بحضور لجنة التحكيم.
أما في منتصف الليل، فقد تم تقديم نموذج عن سينما منتصف الليل بخريبكة، تم تأطيره من طرف رواد السينما بخريبكة، حيث تحدث بشكل مختزل عن موجة الحداثة الأوروبية في الستينيات، وعن سياقها التاريخي والثقافي، مستشهدا بالموجة الفرنسية الحديثة، لتنتهي هذه الأمسية بأسئلة الحاضرين كالعادة.
وقد تم تقديم الأفلام الخمسة المتبقية المشاركة في المسابقة الرسمية بالمهرجان يوم الجمعة 12 ديسمبر 2025، بالإضافة إلى عرض فيلم خارج المسابقة، لتختم الليلة بفقرة "نوستالجيا" من الساعة العاشرة ليلا إلى حدود الساعة الثانية عشرة ليلا بقاعة الاجتماعات بفندق باب منصور بمكناس، من تنشيط مصطفى فاسكة عضو بنادي الشاشة بمكناس.
وأوضح رئيس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية عبد الخالق بلعربي في كلمة له ، على تأكيده على أهمية الأندية السينمائية التي جاءت في فترة مبكرة لأجل الدفاع عن الهوية المغربية كوسيلة نضالية عاشها عدد من الشباب الذي كان يحمل هم الوطن، ثم أشار إلى نادي الشاشة بمكناس وما قدمه من إنجازات في هذا المجال كأول نادي سينمائي في المغرب الذي نظم مهرجانا سينمائيا .
ونظمت في صباح اليوم الأخير من المهرجان، ندوة موسومة ب"السينما والهوية" بمشاركة النقاد وأطر الأندية السينمائية، وهم هشام لعيدي، فريد بوجيدة ، محمد صولة وتسيير مصطفى لكليتي. حيث تمت محاولة تحديد سؤال الهوية وتصنيفه ضمن الخريطة المغربية، وأسئلة الوجود وكيفية التعامل معها وطريقة تفكيكها.
حيث استهل الأستاذ فريد بوجيدة ورقته تحت عنوان "السينما المغربية وإشكال الهوية" ومن خلالها تحدث عن الفرق بين الناقد والباحث، واعتبر أن السينما المغربية سينما واقعية بالمعنى السلبي، وأٌن السينما المغربية بدون كاتب وهو غير موجود أصلا، وليست هناك مهنة الكاتب، وأن الهوية بشكل عام تتعلق بفهم الناس وتصور أنفسهم، كما يشترط الخطاب الهوياتي الدفاع عن الوطن وعن فئة معينة، مع إعطاء نماذج من الأفلام المغربية، وعلى أن مقاربات الموضوع يمكن تناولها من زوايا متعددة، وعلى أن الإشكال هو أن هذه الهوية تتغير وتحددها مكونات مختلفة، وأن الشرط الأساسي لتحديد الهوية يتعلق أساسا بالأرض.
أما الدكتور محمد صولة فقد كانت مداخلته موسومة ب "السينما المغربية الصورة الهوية وتمثلات الأنساق" ركز فيها على بعض العناصر لهذه الأنساق الثقافية من بينها علاقة السينما والهوية وكيف يمكن قراءتها، ثم أكد على الصورة كلغة غالبا ما يركز عليها المخرج للتواصل، ولذا يجب تعريف الخطاب السينمائي لأنه يختلف على اللغات الأخرى في الأجناس التعبيرية، واعتبر السينما عموما هي تمثلات لما يوجد في ذهن المتلقي ومن هنا يمكن الحديث عن الهوية، والسينما المغربية تستمد مشروعيتها من التفرد والتميز.
بينما مداخلة الأستاذ هشام طالب فيها بتحديد هوية المعرفة قبل كل شيء، وعلى أن هذا السؤال في التصور اليوناني هو أن الشيء يبقى هو هو، ثم تحدث في ختام كلامه عن إشكالية محاكاة الهوية مستشهدا ببعض الأمثلة.
وفي حفل الاختتام الذي احتضنته بقاعة سينما دوليز وقدمته الإعلامية خديجة مربوح، تم تكريم السينيفيلي حفيظ العيساوي، مع شهادة جميلة مصاحبة للأستاذ جمال بزوز، وتسليم المحتفى به بورتريه خاص من إنجاز الفنان مصطفى مفيد من المحمدية.
كما تم الإعلان عن جوائز الدورة والتي حاز فيها فيلم (لحظة إدراك) للمخرجة سكينة الناصري على جائزة الإخراج، فيما عادت جائزة أفضل سيناريو والجائزة الكبرى لفيلم (ربيع) للمخرج زكرياء الخراط.
أما جائزة التشخيص فكانت مناصفة بين الممثل عمر مقتدر في فيلم "فراغ" من إخراج رشيد والممثلة ندى عبلة في فيلم "ها تخمامي" من إخراج التهامي بورخيص. بينما عادت جائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم "بيل أو فاص" للمخرج سفيان وجيز. بينما جائزة دون كيشوط فكانت من نصيب فيلم "فراغ" لمخرجه رشيد العماري.
رئيسية 








الرئيسية 








