
*العلم الإلكترونية*
تنظم مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج المعرض الفوتوغرافي: "أتيت من نظرة تَعْبُرُ" للفنان المصور المغربي المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية مصطفى البصري، وذلك من 19 يونيو إلى 19 يوليوز 2025 بفضاء ضفاف.
أقيم حفل افتتاح المعرض يوم الخميس 19 يونيو 2025 على الساعة السادسة والنصف مَسَاءً بفضاء ضفاف بمقر المؤسسة.
ولد مصطفى البصري سنة 1959 بمدينة الرباط، وبعد دراساته في علم الاجتماع بفرنسا، استقر في مقاطعة أورانج بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث يعيش ويعمل كمصور فوتوغرافي.
إلى جانب تكوينه الأكاديمي في علم الاجتماع، تلقى أيضا تكوينا في التصوير الفوتوغرافي الثابت بمعهد أورانج بكاليفورنيا، حيث حصل على شهادة استحقاق في هذا المجال. ويعد مصطفى البصري أول مصور فوتوغرافي في العالم العربي يحصل على جائزة “أفضل مصور دولي للبورتريه سنة 2023” ضمن تصنيف" أوارْدز بوك توب 101" في أستراليا.
كمصور شارع، يترقب مصطفى البصري “اللحظة الحاسمة” واللحظة العابرة، فيلتقط صور روح المكان أو الشخصية أو لحظة عابرة من الحياة اليومية. إنه فنان إنساني يعبر عن رؤيته للعالم ويوجه أنظارنا نحو الأشخاص “غير المرئيين” في المجتمع. ومن خلال البورتريه، يسعى إلى إعادة منحهم كرامة وتقدير مستحق. متأثرا بوجوههم التي طبعها الزمن والتجربة، يعمل المصور مصطفى البصري على جعلهم مرئيين من جديد.
لقاء مع المصور الفوتوغرافي مصطفى البصري
*حاورته: فتيحة أملوك*
كل صورة تصبح جسرا بين العوالم
هو يترقب اللحظة المناسبة واللحظة العابرة لكي يلتقط صورا لروح المكان أو شخصية ما أو لحظة عابرة من الحياة اليومية. الفنان مصطفى البصري إنساني في مقاربته ورؤيته الفنية التي يعبر عنها للعالم، ويوجه أنظار الناس نحو أشخاص "غير مرئيين " أو بمعنى أخر مهمشين. ويسعى من خلال فن التصوير الفوتوغرافي إلى منحهم كرامة مستحقة.
ما معنى أتيت من نظرة تعبر؟
مصطفى البصري: "أتيت من نظرة تعبر" تشير إلى حضور خفي لكنه عميق التأثير. هي نظرة ترى ما وراء الظاهر، تلتقط اللامرئي، الصمت، والغياب. إنها نظرة تعبر الأشخاص والأماكن دون أن تفرض نفسها، تاركة وراءها أثرا وصدى. قد تكون هذه النظرة نظرة الفنان، أو الشاعر، أو الغريب المتأمل. إنها نظرة تثير التساؤلات، وتربط، وتظهر ما يبقى غالبا مخفيا.
لماذا اخترت فن البورتريه؟
مصطفى البصري: اختيار فن البورتريه يفرض نفسه كوسيلة مباشرة وإنسانية للقاء الآخر. فهو يسمح بإلتقاط حميمية الوجه، آثار الحياة، لحظة من العاطفة أو الزمن المعلّق. من خلال البورتريه، أبحث عن كشف الكرامة، الهشاشة، وأيضا القوة الكامنة في الأفراد، وغالبا في من يتم تهميشهم. إنها وسيلة لحوار صامت، ومساحة للاعتراف المتبادل. فالبورتريه يضفي طابعا إنسانيا، ويروي ما قد تعجز عنه اللغة والكلمات.
وماذا عن تصوير الشارع؟
مصطفى البصري: التصوير في الشارع يتيح لي التقاط الحياة في عفويتها، في حقيقتها المجردة. أنا أقتنص اللحظة التي يصبح فيها العادي استثنائيا، حين تحكي الإضاءة أو الحركة أو لقاء قصة. إنها طريقة للشهادة على العالم كما هو، دون "تزويق". هذا النوع من التصوير يحركني ويجعلني منصتا، متأهبا لما تهمس به المدينة. فالشارع مسرح مفتوح، غير متوقع، لكنه عميق إنسانيا.
كيف تختار الشخصيات التي تصورها؟
مصطفى البصري: الاختيار غالبا ما يكون عفويا، تقوده مشاعر، أو حضور، أو تفاصيل تجذب نظري. أنا شديد التأثر بالوجوه التي تحمل آثار التجربة، التي تخفي قصصا، حتى وإن لم تروى. أبحث عن أشخاص حقيقيين، يظهرون فرادتهم دون سعي للإعجاب. غالبا ما يكونون من المنسيين أو المهمشين، وأرغب في إعادتهم إلى الضوء. نظري يتوقف حيث يعبر الآخرون بسرعة.
ما هو نهجك لالتقاط اللحظة المناسبة؟
مصطفى البصري: نهجي يبدأ بالملاحظة الصبورة. أندمج مع المحيط، وأمنح نفسي الوقت لأشعر بالأجواء، بالإيقاع، بالصمت. أنتظر الحظة التي يتجلى فيها شيء ما نظرة، وضعية، ضوء يكلمني ويهمس لي. ثم ألتقط الصورة بنية واضحة: الحفاظ على أصالة اللحظة دون تجميدها بشكل مصطنع. يجب أن أكون منصتا، سريعا، وفي الوقت ذاته محترِما. إنها أشبه بالإنصات البصري.
لماذا تهتم بتصوير الأشخاص في وضعيات هشة أو ظروف صعبة؟
مصطفى البصري: الأشخاص في أوضاع هشة غالبا ما يكونون غير مرئيين في أعين المجتمع، يختزلون في ظروفهم وليس في إنسانيتهم. عملي يسعى إلى إعطائهم وجها، وصوتا، وكرامة. إنهم أناس مليئون بالقصص، بالجراح، بالأحلام، ويستحقون نظرة مختلفة. من خلال تصويرهم، أريد خلق مساحة للقاء والاعتراف. إنه أيضا شكل من أشكال مقاومة اللامبالاة، وتساؤل عن علاقتنا بالآخر.
ما هي تقنياتك الفنية التي تبرز رؤيتك؟
مصطفى البصري: لإبراز رؤيتي، أستخدم تقنيات بصرية تعبر عن طبقات الهوية والإدراك. تقنية التعريض المزدوج تتيح لي مزج القصص، وربط المرئي باللامرئي. الانعكاسات أو التصوير عبر الزجاج تخلق مسافة وغموضا بين الموضوع والعالم. أستخدم أحيانا تقنية “سحب الغالق مع الفلاش في الستار الثاني” لتجميد التعبير مع ترك أثر للحركة، كصدى للحياة. هذه التقنيات ليست عبثية، بل تهدف إلى إيصال ما لا يقال، وكشف عمق اللحظة أو الشخص.
تتأرجح في التصوير بين الأبيض والأسود وألوان أخرى، لماذا؟
مصطفى البصري: أختار الأبيض والأسود أو الألوان حسب ما أود نقله. الأبيض والأسود يبرز الجوهر، العاطفة الصافية، دون تشتيت وتشويش ويبرز التباين، النظرات، الصمت. أما الألوان تحمل ذاكرة المكان، وحرارة، وواقعية ضرورية أحيانا لنقل سياق أو أجواء معينة. كل اختيار مدروس حسب القصة التي أريد أن أحكيها. الأمر يتعلق بالدقة في التعبير، وليس بالأسلوب.
هل هناك فرق بين التصوير في الشارع بالمغرب والولايات المتحدة؟
مصطفى البصري: نعم، هناك فرق واضح بين التصوير في الشارع بالمغرب وفي الولايات المتحدة، سواء في الأجواء، أو ردود فعل الناس، أو إيقاع المدن. في المغرب، الشارع أكثر كثافة وحيوية وحياة، لكنه أيضا أكثر حميمية: نظرة الآخر محملة بالريبة أو الفضول. ويجب أن أكون حذرا، وأؤسس لنوع من الاحترام الصامت. في الولايات المتحدة، التنوع الإنساني أكثر وضوحا، والناس غالبا أكثر انفتاحا على الكاميرا، لكن يسود نوع من الغموض والانعزال. كل بلد يفرض عليا أن أتكيف، أن أنصت بشكل مختلف.
كيف أثرت إقامتك في الولايات المتحدة على مسارك الفني؟
مصطفى البصري: إقامتي في الولايات المتحدة وسعت رؤيتي بشكل عميق. واجهت تنوعا إنسانيا واجتماعيا هائلا، وقصص ما كنت لأصادفها في مكان آخر. تعلمت هناك طريقة أخرى للمشي في المدينة، لمراقبة العزلات، التناقضات، والنضالات غير المرئية. هذه التجربة عززت رغبتي في توثيق الهامش، في بناء جسور بين الثقافات. كما منحتني مسافة مع جذوري، جعلتني أعيد النظر فيها بوضوح وحنان أكبر.
ماذا يمثل لك العرض في رواق ضفاف؟
مصطفى البصري: العرض في رواق ضفاف يمثل محطة أساسية في مساري الفني. إنه مكان لقاء بين قصصي الشخصية وقصص الآخرين، فضاء تتقاطع فيه الذاكرة والحضور. عرض أعمالي هنا هو بمثابة إعطاء صوت لمن لا صوت لهم، وخلق حوار مع الجمهور في إطار إنساني ومرهف. إنها أيضا فرصة لمشاركة تجربة إنسانية وجمالية، حيث تتحول كل صورة إلى جسر بين العوالم.