
الرباط: أنس الشعرة
سجلت مؤسسة وسيط المملكة ارتفاعًا لافتًا في عدد الملفات التي توصلت بها، حيث بلغ مجموعها ما يقارب 8 آلاف ملف، تصدرت التظلمات بينها بنسبة تفوق 72 في المائة، متبوعة بملفات التوجيه وطلبات التسوية. هذا المنحى التصاعدي يعكس، حسب المؤسسة، ترسخ دورها كمخاطب موثوق في قضايا الإنصاف الإداري.
التقرير السنوي للمؤسسة أظهر أن عدد التظلمات بلغ 5755 ملفًا، بينما سجلت ملفات التوجيه 2182 ملفًا، فيما اقتصرت طلبات التسوية الودية على 11 ملفًا فقط. هذا التوزيع يكرس هيمنة التظلمات على طبيعة الطلبات الواردة، ويبرز في الوقت نفسه الحاجة إلى تثمين آليات التسوية البديلة.
وأشار التقرير إلى أن المعالجة الكاملة لملفات التوجيه بلغت نسبة 100 في المائة، مقابل نسبة معالجة بلغت 76.43 في المائة للتظلمات، تكشف عن استمرار الضغط على المؤسسة، وتؤكد ضرورة تعزيز بنياتها التنظيمية وآليات التنسيق مع الإدارات العمومية.
وفي ما يخص التصنيف القطاعي للملفات، تصدر قطاع الداخلية قائمة القطاعات المعنية بنسبة 26.10 في المائة، متبوعًا بقطاع العدل، ثم الاقتصاد والمالية بنسبة 15.73%، فالسياحة والاقتصاد والتضامن بنسبة 11.33 في المائة، كما حلت الجماعات الترابية وقطاع التعليم والصحة ضمن القطاعات المعنية.
وترى المؤسسة أن حضور هذه القطاعات يعكس طبيعة عملها المباشر مع المواطنين، في حين يُعزى بروز قطاع السياحة إلى ظروف استثنائية كبرامج الدعم والمبادرات التنموية.
كما رصدت مؤسسة الوسيط عدداً من الاختلالات التي تعيق فعالية ورش الحماية الاجتماعية، خصوصًا على مستوى التغطية الصحية والتأمين الإجباري عن المرض. أبرز هذه المعيقات تتجلى في تأخر معالجة ملفات استرجاع المصاريف، ورفض تعويض أدوية مزمنة باهظة الثمن رغم توفرها في السوق.
وسجلت المؤسسة تدخل بعض صناديق الاحتياط الاجتماعي في القرارات الطبية، مما يمس بحرية الممارسة الطبية ويضعف العلاقة بين المريض والطبيب. وتحدث التقرير عن ضعف الوضوح في الخدمات المشمولة بالتغطية، وعدم تطابق نسب الاسترجاع مع التكاليف الحقيقية للعلاج، داعيًا إلى مراجعة التعريفة المرجعية الوطنية.
وسجل التقرير عدة اختلالات تعرقل التفعيل السليم لنظام التأمين الصحي الإجباري، منها ضعف الكفايات الرقمية للفئات المستهدفة كالعمال المستقلين والحرفيين، مما يدفعهم للاستعانة بوسطاء غير مؤهلين، يؤدي أحيانًا إلى أخطاء في التسجيل وحرمان من الاستفادة.
وانتقدت المؤسسة عدم ملاءمة قيمة الاشتراكات مع القدرة الاقتصادية للفئات المعنية، واعتماد مؤشرات تصنيف غير عادلة في تحديد الأحقية، مثل نوعية التجهيزات المنزلية أو الملكيات البسيطة، مما أدى إلى إقصاء فئات هشة فعليًا.
ونبهت المؤسسة إلى غياب آليات فعالة للتحقق من مزاولة النشاط المهني، خصوصًا في القطاع الفلاحي، وهو ما يؤشر على اختلال في التصنيف والاستهداف.
ورصدت مؤسسة الوسيط انتهاكات متكررة للحق في الولوج إلى المعلومة والحصول على الوثائق الإدارية، حيث سجلت شكايات تتعلق بعدم الرد من طرف الإدارات، أو الرد السلبي الضمني دون تعليل قانوني، مما يعمق الإحساس بالحيف ويهز الثقة بالمرفق العمومي.
وأشارت المؤسسة إلى تأخر أو امتناع الإدارات عن تسليم الوثائق المطلوبة، وضعف النشر الاستباقي لها في المنصات الرسمية، بالإضافة إلى خرق مبدأ «مرة واحدة» المنصوص عليه في القانون، حيث يُطلب من المرتفق نفس الوثائق أكثر من مرة، دون مبرر إداري.
ويعد هذا الحق، وفق التقرير، من الدعائم الدستورية لترسيخ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، ويستند إلى ترسانة قانونية غنية تشمل دستور المملكة، وقانون تبسيط المساطر، وميثاق المرافق العمومية، وغيرها من النصوص ذات الصلة.
وخلص تقرير مؤسسة الوسيط إلى أن استمرار هذه الاختلالات، خصوصًا في ملفات التغطية الصحية والإدارة العمومية، يفرض مراجعة شاملة لهندسة الاستهداف ونظم التصنيف المهني، إضافة إلى تبسيط مساطر الانخراط وضمان مواكبة رقمية فعالة للفئات الهشة.
وشدد التقرير على أن الحق في الصحة والولوج إلى المعلومات الإدارية ركيزتان أساسيتان للإنصاف الاجتماعي، داعيًا إلى ضمان تمتع جميع المواطنين بهما في إطار منظومة صحية وإدارية عادلة، شاملة وفعالة.