
الرباط: أنس الشعرة
في قلب حوض المتوسط، يواصل المغرب ترسيخ حضوره كقوة إقليمية صاعدة قادرة على صياغة موازين جديدة في الأمن الإقليمي والاقتصاد البحري، مستندًا إلى موقع استراتيجي يربط إفريقيا بأوروبا، وإلى شبكة علاقات متنامية مع إسبانيا، خصوصًا في ملفات الأمن الحدودي والتنسيق البحري. غير أن هذا التطور الإيجابي يتزامن مع مؤشرات صعود الخطاب اليميني في الداخل الإسباني، وهو ما يطرح تساؤلات حول استدامة الشراكة القائمة بين الرباط ومدريد إذا ما تحولت مخرجات الانتخابات المقبلة لصالح التيارات المناهضة للتقارب الثنائي.
وبحسب صحيفة «إل فارو دي مليلية» الإسبانية، أعلنت مدينة مليلية المحتلة، عن خطة شاملة لإعادة هيكلة إدارتها وأمنها، شملت زيادة عدد دوائر السيطرة الإدارية إلى ثمانية، واعتماد لوائح بحرية مُشددة تنظم التحركات في المياه الحدودية مع المغرب، في خطوة وصفتها السلطات المحلية بأنها «هندسة قانونية متكاملة» تواكب التحولات الجيوسياسية في المنطقة.
القرار البحري الجديد، الصادر في يوليوز الماضي، يرسم نطاق الاختصاصات في المثلث المائي المقابل للسواحل المغربية، ويضع قيودًا على التدخل الإسباني في عمليات الإنقاذ أو الضبط حتى وصول الأهداف إلى المياه الإقليمية، ما يعكس إدراكًا متزايدًا لتعقيدات الجوار البحري مع المغرب.
وأكدت الصحيفة أن الخطة لا تنفصل عن واقع الضغط الديموغرافي في المدينة، حيث وصلت الكثافة السكانية إلى 87 ألف نسمة ضمن مساحة لا تتجاوز 12,3 كيلومتر مربع، وهو ما دفع إلى إعادة توزيع إداري يراعي أيضًا الجوانب الدفاعية.
وبالتوازي، عززت القوات المسلحة الإسبانية وجودها في مليلية وسبتة والجزر والصخور المحتلة، القريبة من السواحل المغربية، ضمن عملية «وجود معزز»، شملت وحدات من «الليجون والريغولاريس»، والمدفعية والمدرعات، إلى جانب تحسين الاتصالات عبر الأقمار الصناعية في مواقع السيادة الإسبانية، بتمويل جزئي من الاتحاد الأوروبي.
وأشارت الصحيفة ذاتها، إلى أن هذه الإجراءات، تحمل أبعادًا إقليمية مباشرة، إذ إن أي تغيير في قواعد إدارة مليلية أو سبتة المحتلتين، ينعكس على معادلات التنسيق الحدودي مع المغرب، سواء في مكافحة الهجرة غير النظامية أو في إدارة الفضاء البحري المشترك.
وأوضحت أن هذا التحديث الدفاعي الإسباني يتقاطع مع سياسة المغرب الهادفة إلى تعزيز شراكاته الأمنية في المتوسط، حيث باتت الرباط طرفًا لا غنى عنه في حماية الضفتين من التهديدات العابرة للحدود.
وبحسب المصدر ذاته، فإن تصاعد نبرة التيارات اليمينية داخل إسبانيا قد يشكل اختبارًا لهذا التوازن، خاصة مع مواقفها التاريخية المتشددة تجاه قضايا الحدود والمياه الإقليمية، فالمغرب الذي استطاع في السنوات الأخيرة بناء أرضية مشتركة مع مدريد قائمة على الشراكة الاستراتيجية، والمصالح المتبادلة، قد يجد نفسه أمام واقع سياسي جديد إذا ما جاءت الانتخابات المقبلة بتركيبة برلمانية تميل إلى التشدد وإعادة صياغة أولويات السياسة الخارجية الإسبانية.
ولفتت «إل فارو دي مليلية» إلى أن مليلية المحتلة تواصل إعادة ترتيب بيتها الداخلي على المستويات الإدارية والعسكرية والبحرية، فيما يظل المغرب في موقع اللاعب المحوري القادر على التأثير في مسار التوازنات الإقليمية في المتوسط، مستندًا إلى مزيج من القوة الجيوسياسية والحيوية الاقتصادية والقدرة على إدارة شراكات معقدة مع الجارة الشمالية، مهما تبدلت حسابات الداخل الإسباني.