
العلم الإلكترونية - هشام الدرايدي
علمت جريدة "العلم" من مصادرها الخاصة أن النسخة الثالثة عشرة من مهرجان العرائش الدولي للثقافة والفنون الشعبية لن ترى النور هذه السنة، في قرار مفاجئ يضع نهاية غير مشرفة لتقليد ثقافي وفني راسخ، دأبت مدينة العرائش على استقباله صيف كل عام منذ سنة 2010، تحت إشراف جمعية عبد الصمد الكنفاوي.
المهرجان، الذي كان ينطلق عادة في 25 يوليوز ويستمر أسبوعا كاملا احتفالا بذكرى عيد العرش المجيد، شكّل عبر سنواته نافذة مفتوحة على تراث العرائش وموروثها الشعبي والثقافي، وجسرا للتبادل الفني الدولي، واستحق إشادة خاصة بعد أن حظي برعاية ملكية سامية سنة 2017، غير أن دورة هذا العام أُلغيت بصمت وبدون توضيحات، وسط خيبة أمل عارمة في أوساط الفنانين والمثقفين والفعاليات المدنية المحلية.
محاولات الجريدة للاتصال برئيس الجمعية ومكتبها الحالي باءت بالفشل، إذ ظلت هواتفهم ترن دون رد، ما زاد من غموض الموقف وفتح المجال أمام تساؤلات مشروعة حول المسؤوليات ومآلات هذا التراث اللامادي الجمعي، الذي كان يفترض أن يصان لا أن يُترك لمصيره المجهول المغلف بالنسيان.
مصادر محلية مطلعة أرجعت سبب الإلغاء إلى فشل المكتب الحالي، الذي تسلم تسيير الجمعية سنة 2023، في إعداد الملفات المطلوبة للحصول على الدعم السنوي الذي يُعد شرطا أساسيا لتنظيم المهرجان، وهو ما وصفته ذات المصادر بالتقصير الفادح، معتبرة أن المكتب الجديد لم يُظهر الكفاءة ولا الرغبة الجادة في مواصلة المسار الذي راكمته الجمعية، خاصة خلال السنوات السبع الأولى التي رسّخت اسم المهرجان كموعد ثقافي سنوي بارز على المستويين الوطني والدولي.
وأضافت المصادر أن النسختين اللتين نظمتا العام قبل الماضي والماضي تحت إشراف المكتب الحالي، اتسمت بالضعف وغياب القيمة المضافة والجودة في البرمجة التي عهدها العرائشيون، ما كشف بداية الانحدار الذي تأكد هذا العام بإلغاء الدورة بشكل نهائي، في مشهد يُشبه "وأد جمعية" شكّلت لعقد ونصف أحد أعمدة العمل الثقافي بالمدينة.
ومن جهة أخرى، توقفت فعاليات الجمعية بشكل شبه تام منذ سنة، ولم تُسجَّل لها أي مبادرات اجتماعية أو ثقافية تُذكر، مما رسخ الانطباع السائد بوجود فراغ تدبيري حاد يهدد مستقبل الجمعية ويفرّغ رصيدها من الزخم والشرعية التي اكتسبتها على مدى 15 سنة من العمل الميداني الجاد.

ويُذكر أن المهرجان كان يحتفي كل سنة بدولة قطر كشريك رسمي، عبر مساهمتها في أنشطة تراثية ورياضية وثقافية، أبرزها سباقات السلوقي، ومنافسات الرماية والنبال، وورشات الرسم لفائدة الأطفال، ومعارض للفنون التشكيلية يشارك فيها فنانون محترفون وهواة من مختلف المدن، تتوج بجوائز مالية محفزة.
وبات غياب نسخة هذه السنة، وما يرافقه من غموض وتراجع في الأداء، يُعد انتكاسة موجعة لذاكرة مدينة كانت تنبض بالحياة الثقافية والفنية في كل صيف رغم بعض منتقديها الذين سيفرحون لهذا الإلغاء، وتحولت اليوم إلى مشهد قاتم سيولد فراغا مقلقا، وهو ما يستوجب، حسب المهتمين، فتح نقاش عمومي صريح حول مسؤوليات الفاعلين المحليين، وأدوار السلطات في حماية ما تبقى من رمق لهذا الموروث الجماعي، قبل أن يتحول إلى مجرد ذكرى من الماضي، ويتكرس شعار الجمعية "كان يا ما كان"....