
العلم الإلكترونية - أنس الشعرة
بعد نصف قرن من التعتيم، فتحت إسبانيا أبواب أرشيفها حول انسحابها من الصحراء المغربية، خطوة تحمل دلالات تاريخية ودبلوماسية هائلة. مشروع القانون الجديد حول المعلومات المصنفة سمح لكشف ملفات كانت تعتبر «بالغة السرية»، مؤكدة أن انسحاب مدريد سنة 1975 لم يكن ارتجاليًا، بل كان تسوية سياسية دقيقة، اعترفت من خلالها، ولو ضمنيًا، بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
الوثائق المنتظرة ستوضح التفاصيل الدقيقة: اتفاق مدريد الثلاثي، والدور الدبلوماسي للولايات المتحدة، والمواقف الرسمية للملك خوان كارلوس، والتحركات المدروسة للجيش الإسباني. كل هذه العناصر تشكل لوحة واحدة تؤكد نهاية الحقبة الاستعمارية وبداية سيادة مغربية متكاملة.
هذه الخطوة تمنح المغرب ما عجز خصومه عن نفيه لعقود: دليل تاريخي موثق يعزز موقفه دوليًا، ويضع الجزائر وجبهة البوليساريو في مواجهة الحقيقة. الدبلوماسية الحديثة تعترف بقوة التاريخ، ووثيقة واحدة قد تكون أبلغ من عشرات البيانات الرسمية.
كما أن الظرف الدولي الحالي يصب في صالح المغرب. قوى كبرى، بينها الولايات المتحدة وإسبانيا نفسها، اعترفت بخطة الحكم الذاتي كحل واقعي. أي وثيقة تؤكد تعامل مدريد منذ 1975 مع المغرب كطرف شرعي ستعزز هذا الاعتراف وتمنحه ثقلًا أكبر على المستوى الدبلوماسي.
لا تمثل هذه الوثائق الماضي فقط، بل تعيد كتابة الحاضر، والمغرب لم ينتظر اعترافًا خارجيًا، بل فرض سيادته عبر العمل والتنمية والدفاع عن وحدته الترابية. رفع السرية اليوم يحول التاريخ إلى أداة سياسية ودبلوماسية مباشرة.
كما أن الأرشيف الإسباني سيكشف، على الأرجح، عن جوانب غير معروفة من التخطيط الدولي لانسحاب إسبانيا، بما في ذلك الضغوط والمناورات التي واجهتها مدريد، وكيف أن المغرب كان الطرف الوحيد القادر على فرض تسوية عادلة. هذه التفاصيل ستقوّي الرواية المغربية، وتضع أي محاولة لإعادة كتابة التاريخ أمام اختبار حقيقي للمصداقية.
الوثائق المنتظرة تحمل أيضًا رسالة واضحة للمنطقة بأسرها: أن القوة التاريخية والسياسية للمغرب مبنية على وقائع لا يمكن طمسها، وأن أي طرف يحاول المساس بوحدة التراب المغربي سيجد نفسه بلا سند تاريخي أو دبلوماسي. وهذا يعكس مكانة المغرب الراسخة كفاعل رئيسي في شمال إفريقيا، قادر على حماية مصالحه وفرض واقع سيادته.
في الجانب الإعلامي، من المتوقع أن تؤثر هذه الخطوة على الخطاب الرسمي والجماهيري لكل من الجزائر وجبهة البوليساريو. فبعد عقود من الحملات الدعائية، ستثبت الوثائق مرة أخرى أن الرواية المغربية ليست مجرد ادعاء، بل حقيقة مدعومة بالأرشيفات، ما يضع الخصوم أمام حقيقة تاريخية لا يمكن تجاهلها.
تؤكد هذه المستجدات أن التاريخ لا يُنسى، وأن المغرب، بثباته واستراتيجيته الحكيمة، يعرف كيف يحوّل حتى أسرار خصومه إلى ورقة قوة. رفع السرية عن أرشيف الصحراء ليس مجرد كشف للحقائق الماضية، بل تعزيز للرواية المغربية وترسيخ لسيادتها أمام العالم، ما يجعل هذه الخطوة محطة مفصلية في تاريخ المنطقة والسياسة الدولية.