
العلم الإلكترونية - ليلى فاكر
دخل قانون العقوبات البديلة رقم 43.22 حيز التنفيذ، في إطار تفعيل الإصلاحات العميقة التي يشهدها النظام القضائي المغربي، والتي تروم إرساء عدالة جنائية أكثر إنصافاً وإنسانية.
ويأتي هذا القانون ليمنح للقضاء آليات جديدة تحد من اللجوء المفرط إلى العقوبات السالبة للحرية، عبر اعتماد بدائل إصلاحية كالغرامة اليومية، والعمل لفائدة المنفعة العامة، والمراقبة الإلكترونية.
وفي هذا السياق، أكدت رئاسة النيابة العامة في بلاغ لها أن اعتماد هذه العقوبات يعكس التوجه نحو سياسة جنائية حديثة تستجيب لمتطلبات حماية الحقوق والحريات، وفي الوقت ذاته تراعي المصلحة العامة، مبرزة أن الهدف الأساسي هو الحد من الاكتظاظ داخل السجون، وتعزيز فرص إعادة الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم.
كما شددت النيابة العامة على أنها أصدرت دورية موجهة إلى المسؤولين القضائيين تحثهم على التفعيل السليم لمقتضيات هذا القانون، وضمان التطبيق الموحد لأحكامه، بما يحقق الغاية الإصلاحية التي توخاها المشرع.
وفي هذا السياق أكد الأستاذ محمد الإدريسي الحوتي، محامي بهيئة الرباط، أن دخول قانون العقوبات البديلة رقم 43.22 حيز التنفيذ، بعد حوالي سنة على نشره في الجريدة الرسمية، يمثل منعطفا جديدا في مسار إصلاح السياسة الجنائية بالمغرب.
وأوضح الحوتي أن هذا القانون جاء نتيجة التوجيهات الملكية السامية، خصوصا خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 2009، حيث دعا إلى اعتماد سياسة جنائية حديثة تقوم على مراجعة القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، ومواكبة التطورات عبر إحداث مرصد وطني للإجرام، وتأهيل المؤسسات السجنية، إلى جانب تطوير الطرق القضائية البديلة كالوساطة والتحكيم والصلح والعقوبات البديلة.
وأضاف أن تنزيل هذا القانون جاء كذلك انسجاما مع ميثاق إصلاح منظومة العدالة، وتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمناظرات الوطنية حول بدائل الاعتقال الاحتياطي ، وهو رقم يثير قلقا متزايدا لدى إدارة السجون.
وأشار إلى أن الهدف من القانون 43.22 هو التخفيف من العقوبات السالبة للحرية، وتكريس العدالة الجنائية في بعدها الإصلاحي والإنساني، إلى جانب مواجهة ظاهرة الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية، في ظل الأعداد الكبيرة للنزلاء التي تجاوزت اليوم 110 آلاف سجين. كما أنه يفتح المجال أمام قضاة الحكم لاستبدال العقوبات الحبسية في قضايا الجنح، سواء التأديبية أو الضبطية، التي لا تتجاوز خمس سنوات حبسا نافذا، بعقوبات بديلة.
وبخصوص أهم البدائل، أوضح أن المشرع نص على الغرامة اليومية التي تتراوح قيمتها بين 100 و2000 درهم عن كل يوم، مع مراعاة القدرة المادية للمتهم وخطورة الجريمة وطبيعة الضرر. كما نص على عقوبة العمل لفائدة المنفعة العامة، وهي خدمة إلزامية لفائدة الدولة أو الجماعات الترابية أو جمعيات خيرية، مثل تنظيف الشوارع أو خدمة الحدائق العمومية أو المساهمة في أنشطة اجتماعية، وتتراوح مدتها بين 40 ساعة و3600 ساعة، بمعدل 3 ساعات عمل عن كل يوم سجن.
وأشار إلى أن من بين البدائل أيضا المراقبة الإلكترونية عبر وضع سوار إلكتروني لتحديد تحركات المحكوم عليه، إضافة إلى تدابير أخرى مثل نزع بعض الحقوق، أو الخضوع لعلاج طبي، أو منع متابعة الدراسة، أو الحضور الدوري أمام السلطات الأمنية والقضائية.
وفي المقابل، شدد على أن القانون استثنى عددا من الجرائم الخطيرة من الاستفادة من هذه البدائل، مثل قضايا الإرهاب وأمن الدولة، والاختلاس وتبديد المال العام، والرشوة، وغسل الأموال، والاغتصاب، والاتجار الدولي في المخدرات، والجرائم المتعلقة بالقاصرين، والاتجار بالبشر، والجرائم العسكرية.
وختم الأستاذ محمد الإدريسي الحوتي تصريحه بالتأكيد على أن تنزيل القانون قد يطرح بعض الإشكالات العملية، لاسيما التمييز المحتمل بين المتهمين، إضافة إلى التخوف من هيمنة عقوبة الغرامة اليومية على باقي البدائل، مما قد يحولها إلى مجرد آلية مالية لتعزيز ميزانية المحاكم والخزينة العامة، بدل أن تحقق الغاية الإصلاحية والإنسانية التي جاء بها المشرع.