إن جائحة كورونا أنتجت عالما جديدا ومفاهيم متغيرة اقتصاديا وسط التحول الرقمي لكل جوانب الحياة، لدرجة أن العملة الرقمية ستصبح أداة مستخدمة على نطاق واسع للدفع في المستقبل وسيبقى للناس والشركات سوى مدى استعدادهم للثقة بهذه العملة التي تم استخدامها لحد الآن كأداة استثمار.
وفي إطار سرعة انتشار فيروس كورونا، اقترح البعض استعمال المحفظة الرقمية، على اعتبار أن الجائحة ستعجل بالفرج للعملات الرقمية، ويبدو أن مسيرة التحول الرقمي للنظام المالي يسير بخطوات متسارعة، لقد أعلنت الصين عن انطلاق عملتها الرقمية وتم تجريبها في بعض المدن الصينية، ثم إعلان الفيسبوك عن عزمه إطلاق عملته الرقمية "ليبرا"، وكذلك دول أخرى.
الكل يحلم بالتحكم بالاقتصاد الرقمي العالمي، ماذا عن "البتكوين"، لماذا لم نصنع عملة تشبهها وما سر قوة هذه العملة؟ إنها الخصوصية وقلة التكلفة، أي خفض التكاليف المرتبطة بإدارة النقد الورقي، وهي عبارة عن أصل مصمم ومسجل رقميا أي مشفر يصعب تزويره، وكونها مبنية بتقنية "بلوك تشين" (عبارة عن مجموعة من الحواسب المترابطة مع بعضها) لديها مركز وهو نظام اقتصادي واحد حول العالم، ولكنها لا تخضع لمراقبة من طرف أية دولة أو سلطة رقابية أو بنك مركزي، ولا يتحكم فيها شخص واحد ولا تتجمع في مكان واحد، وهذا يعد عكس مفهوم اللامركزية.
فبالرغم من حداثتها فإنها توصف بأنها الأسرع في المعاملات المحلية والدولية، كما أنه ليس لها وجود مادي "أوراق نقدية أو معدنية"، لكن لها خصائص مماثلة للعملات المادية تسمح بالمعاملات الفورية ونقل الملكية بسرعة، نظرا لمبدأ الثقة الكبيرة في "بلوك تشين" إذ لا يتعين عليك المرور عبر طرف ثالث مثل مؤسسة مالية أو بنك أنت فقط تعطيه مباشرة له ويتم تسجيل المعاملة على "بلوك تشين".
ورغم التحذيرات الرسمية من الاستثمار في تلك العملات غير الخاضعة لرقابة الدول، فإن ظهور الأبناك الجديدة أو ما يطلق عليها ب Neobanque مثال revolut وN26 و… Nickel وغيرها من التطبيقات تقدم التداول على هذه العملات.
العملة الرقمية يراها كثيرون عبارة عن صندوق أسود لا يفهم أحد ما بداخله، ولا يفهم الإقبال على العملات الجديدة، كما أن انفتاح شهية البعض على تلك الأرباح الخيالية يضغط على الحكومات لشرعنة تداولها، وبالتالي فتعاملات البشر وتداولهم للعملات المشفرة هي التي تفرض على العالم إقرار التعاملات والعمل على تقنينها فيما بينهم.
هاته الحقبة التي نعيشها مع العملة الرقمية الآن، تشبه حقبة انطلاق الشبكة العنكبوتية سنة 1985، إذ لا أحد كان يتخيل التطور الذي عرفته الآن، وكذا تأثيرها الكبير على سلوكيات ومعاملات البشرية جمعاء، وعلى الاقتصاد العالمي، حيث بدأ ظهور شركات عملاقة مثل "أمازون، غوغل، ميكروسفت...." والتي عرفت بعد مرور أكثر من ثلاثين سنة، نجاحا كبيرا على عدة مستويات، وهذا ما يمكن التنبؤ به بالنسبة للعملة الرقمية في أفق سنة 2050.
* عبد المجيد الدخايلي باحث في التسيير الإداري والمالي - جامعة محمد الخامس بالرباط