Quantcast
2025 ماي 30 - تم تعديله في [التاريخ]

المرض النفسي كأداة لنزع الشرعية في الخطاب السياسي: قراءة في ضوء علم النفس الاجتماعي في السياق المغربي


المرض النفسي كأداة لنزع الشرعية في الخطاب السياسي: قراءة في ضوء علم النفس الاجتماعي في السياق المغربي
العلم الإلكترونية - بقلم فؤاد اليعقوبي – باحث في علم النفس الاجتماعي في السياق المغربي
 
أثارت تصريحات إحدى النائبات البرلمانيات عن حزب الاتحاد الاشتراكي، التي وصفت بعض الزعماء السياسيين بـ"المرضى النفسيين"، مرفقة بابتسامات استهزاء من بعض أعضاء الفريق الاشتراكي، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية. هذا النوع من الخطاب، الذي يبدو هجوميًا ومباشرًا، يخفي في طياته ديناميات نفسية واجتماعية معقدة، تستحق التحليل من منظور علم النفس الاجتماعي، خصوصًا في السياق السياسي المغربي المعاصر.
 
إن استخدام مفاهيم الصحة النفسية كوسيلة للتقليل من شأن الخصم السياسي لا يمثل مجرد انزلاق لغوي، بل يُعد شكلًا من أشكال الوصم الجماعي. فالنعوت المرضية تحمل دلالات سلبية راسخة في التمثلات الاجتماعية، حيث يُربط المرض النفسي غالبًا بعدم الاستقرار، والضعف، والخروج عن المألوف. وعندما يُستعمل هذا النوع من الأوصاف في المجال السياسي، فإنه لا يستهدف فقط الأشخاص المعنيين، بل يعيد إنتاج نظرة نمطية تجاه كل من يعاني من اضطرابات نفسية، ويُرجعنا إلى مرحلة كان يُنظر فيها إلى الاضطراب النفسي باعتباره وصمة تُخفى ولا تُفهم.
 
يعزز هذا الخطاب ما يسميه علم النفس الاجتماعي بمنطق التمييز بين الجماعات، حيث يُرسَّخ الفصل بين "نحن العقلانيون" و"هم المختلون"، في نوع من الاستقطاب الرمزي الذي يضعف جودة النقاش العمومي. وبدلًا من الانخراط في حوار عقلاني قائم على الحجة والبرهان، يُختزل الخلاف في سمة مرضية تُستخدم كسلاح رمزي لنزع الشرعية.
 
من جهة أخرى، تؤدي مثل هذه التصريحات إلى تشويش الصورة العامة للممارسة السياسية، وتُقوض ثقة المواطنين في المؤسسات والخطابات الرسمية. كما تُحدث أثرًا سلبيًا على فئة واسعة من الأشخاص الذين يعانون فعلًا من اضطرابات نفسية، وقد يشعرون بإقصاء مضاعف نتيجة توظيف معاناتهم في الصراعات السياسية.
 
ويُبرز هذا الحادث الحاجة الملحة إلى الارتقاء بجودة الخطاب السياسي، سواء من حيث اللغة أو من حيث احترام القيم الإنسانية في النقاش العمومي. فاستعمال مفاهيم تنتمي إلى الحقل النفسي دون إدراك لسياقاتها أو لحمولتها الأخلاقية لا يؤدي فقط إلى تدني مستوى الخطاب، بل يساهم أيضًا في شرعنة ثقافة التحقير بدلًا من ترسيخ ثقافة الاختلاف.
 
إن السياسة، في أنقاها، ينبغي أن تكون ساحة لعرض المشاريع، وتداول الأفكار، واحترام الكرامة الإنسانية. أما الانزلاق إلى خطابات الوصم والتهجم، فهو ليس فقط مؤشرًا على تدهور نوعي في النقاش السياسي، بل يمثل أيضًا خطرًا حقيقيًا على النسيج الاجتماعي، وعلى تمثلات الأفراد حول الصحة النفسية والديمقراطية.

              



في نفس الركن
< >

الاحد 1 يونيو 2025 - 22:13 عيد الأضحى و"أصحاب السبت"
















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار