
بقلم: عبد العزيز حيون
اتفاقية الصيد البحري المبرمة بين المغرب وروسيا ليست مجرد تعاقد اقتصادي يربط بين بلدين صديقين تجمعهما الكثير من الروابط والوشائج والصلات الوثيقة في شتى المجالات ،وإنما هي تعاقد سياسي واستراتيجي يعكس بالواضح اقتناع البلدين التام بمبدأ احترام الوحدة الترابية ،التي تعد من المرتكزات الأساسية للنظام الدولي.
وعلى خلاف ما يظن البعض ،فإن اتفاقية الصيد البحري لا تنحصر بتاتا في البعد الاقتصادي ولا تختزل في رغبة روسيا في تعزيز حضورها في غرب أفريقيا ،فهو تحليل سطحي و مبسط لا ينفذ الى عمق مضمون الاتفاقية التي تلخص طبيعة العلاقة الوطيدة التي تجمع البلدين منذ عقود طويلة من الزمن وتبرهن على صلابة جذور الأواصر التي تربط الدولتين الصديقتين منذ زمن بعيد رغم بعد المطبات المرحلية Speed Humps التي توارثتها روسيا عن الاتحاد السوفياتي والتي سرعان ما تبددت .
وتوقيع روسيا للاتفاقية يتجاوز الفهم البسيط لمضمون الاتفاقية ،لأن هذا البلد العضو في مجلس الأمن الدولي وأحد الفاعلين الكبار و الرئيسيين في الساحة الدولية ، يعرف جيدا جغرافية المغرب من أين تبدأ وأين تنتهي ،ويدعم ،بشكل قانوني ، الوحدة الترابية للمملكة دون لف ولا دوران ،و بدون تورية أو تلاعب بالكلام أو محاولة إخفاء للحقائق .
وحين توقع روسيا الاتفاقية مع المملكة المغربية تستحضر الجانب الاقتصادي والتعاون في مجال البحث العلمي والتكوين البحري والبيئي وهذا أمر عادي بين الدول ،لكنها على وعي بأن حضورها البحري في جنوب المملكة يعني أن المسألة تجري في المناطق الاقتصادية الخالصة للمملكة على طول الشريط الساحلي للمملكة ،الذي يمتد من طنجة الى الكويرة ،أي كامل السواحل الأطلسية للمملكة لمن يحتاج للفهم أكثر .
في رأيي يجب أن لا نركز على قيمة الاتفاقية في جانبها المالي والاقتصادي الصرف بل يجب أن ننظر إليها كانتصار جديد للدبلوماسية المغربية ، التي يقودها بحكمة الملك محمد السادس ، كما يجب أن ينظر إليها كفصل جديد من فصول التفوق الدبلوماسي المغربي أمام خصم يختبئ وراء الجزئيات ويحاول معاكسة المغرب باختلاق الأوهام وإنكار الحقائق ومحاولة حجبها بوسائل صبيانية ،والتشويش على المغرب في مسيرته التنموية التي يعترف الآن العالم المتقدم بنجاعتها وتميزها .
اتفاقية المغرب وروسيا تضع أيضا لبنة أخرى من لبنات العلاقات المتينة التي تجمع بين المغرب وروسيا ،والتي تمتد تاريخيا الى عهدي الملك محمد بن عبد الله والإمبراطورة إيكاتيرينا الثانية أي منذ أواخر القرن ال18 ،والتي تسير بخطى ثابتة نحو الأمام وبتأني العقلاء وبعد نظر الحكماء ،بعيدا عن اللخبطة التي يعيشها أعداء الوحدة الترابية وتطاولهم على السيادة الوطنية ومؤامراتهم الفاشلة ،والتي لا تزيد المغاربة إلا إيمانا وإصرارا على مواصلة الدفاع عن حقوق المملكة المشروعة والاستمرار في مساره التنموي الناجح بكل المقاييس عبر خطط فاعلة ،عكس ما عليه حال أعداء الوحدة الترابية الذين تضيق دائرة عزلتهم من يوم لآخر .
والدليل على غضب أعداء الوحدة الترابية للمملكة من مضمون الاتفاقية المتجددة بين المغرب وروسيا هو أنهم لم يعقبوا رسميا ولو بكلمة واحدة ،ما يعني أن الجزائر تخشى إثارة غضب الروس ،والجميع يعرف أن العلاقات بين البلدين تعتريها في السنوات الأخيرة الشوائب والتضارب في عدد من الملفات الاستراتيجية ،ما يمنح للعلاقات بين روسيا والمملكة فضاء أوسع لتعزيز التفاهم في قضايا راهنة حساسة لا دور للجزائر فيها ،لا من قريب ولا من بعيد .
والاتفاقية التي أعلن عنها المغرب وروسيا مؤخرا وتمتد الى غاية سنة 2028 ،تُعد التمديد العاشر للاتفاقية الأصلية الموقعة سنة 1992، و التي تسمح للأسطول الروسي من الصيد في كافة السواحل المغربية.