تعقد غرفة الجنايات الابتدائية المختصة في جرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بمراكش، اليوم الجمعة 20 يونيو الجاري، ثاني جلسات المحاكمة في واحدة من أكثر القضايا حساسية وتعقيدًا، والمعروفة إعلاميًا بملف "تفويت أراضي أملاك الدولة"، والتي يُتابع فيها عدد من كبار المنتخبين والموظفين السامين، بتهم جسيمة تتعلق بالفساد المالي وتبديد المال العام والتزوير واستغلال النفوذ.
وأفادت مصادر موثوقة لجريدة «العلم» أن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش راسل وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية، ملتمسًا اتخاذ إجراءات عقل الممتلكات الخاصة بالمشتبه فيهم، إلى حين الحسم في الشق المتعلق بتبييض الأموال، وهو ما من شأنه أن يفتح جبهة قانونية جديدة ضد المتهمين، تضاف إلى قائمة التهم الثقيلة التي تلاحقهم.
وكان قاضي التحقيق، الأستاذ عبد الرحيم بلكحل، المكلف بجرائم الأموال، قد أنهى جلسات التحقيق التفصيلي، وأحال الملف على النيابة العامة للإدلاء برأيها، قبل أن تتم إحالته على غرفة الجنايات الابتدائية المختصة لبدء مرحلة المحاكمة.
ووفق المعلومات ذاتها، فإن قاضي التحقيق وجّه ملتمسًا بالحجز التحفظي على ممتلكات المتهمين، كما أصدر مذكرة بحث وطنية في حق المدير الجهوي السابق لأملاك الدولة بجهة مراكش آسفي، عقب اختفائه عن الأنظار وتعذر التوصل إلى عنوانه بعد إحالته على التقاعد.
وتعود خيوط هذا الملف إلى سنة 2018، عندما تقدّم الفاعل الحقوقي عبد الإله طاطوش بشكاية إلى الوكيل العام للملك، طالب فيها بفتح تحقيق بشأن تفويتات مشبوهة لعقارات الدولة بأثمنة زهيدة، تم تمريرها عبر لجنة الاستثناءات التي كان يترأسها الوالي السابق عبد الفتاح لبجيوي، تحت ذريعة تشجيع الاستثمار، قبل أن يتبين أن الأمر يتعلق بعمليات مضارباتية ضخمة استفاد منها عدد من المنتخبين والنافذين، على حساب مشاريع تنموية مبرمجة، من ضمنها أراضٍ كانت مخصصة لمبادرات ملكية ضمن مشروع “مراكش.. الحاضرة المتجددة”.
وتشير محاضر التحقيق إلى أن القاضي يوسف الزيتوني، الذي أحيل على التقاعد، باشر أولى جلسات الاستنطاق التفصيلي يوم 6 ماي 2024، واستمع خلالها إلى أربعة منتخبين بارزين، من بينهم محمد العربي بلقايد، العمدة السابق لمراكش، ويونس بنسليمان، البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار ونائب رئيس الجهة، إضافة إلى عبد العزيز البنين ومولاي إسماعيل المغاري، النائب الحالي للعمدة.
وتشير محاضر التحقيق إلى أن القاضي يوسف الزيتوني، الذي أحيل على التقاعد، باشر أولى جلسات الاستنطاق التفصيلي يوم 6 ماي 2024، واستمع خلالها إلى أربعة منتخبين بارزين، من بينهم محمد العربي بلقايد، العمدة السابق لمراكش، ويونس بنسليمان، البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار ونائب رئيس الجهة، إضافة إلى عبد العزيز البنين ومولاي إسماعيل المغاري، النائب الحالي للعمدة.
وكانت النيابة العامة قد قررت بتاريخ 5 أبريل الماضي، إحالة عشرة متهمين على قاضي التحقيق، مع ملتمس بفتح تحقيق تفصيلي ضدهم، شمل منعهم من مغادرة التراب الوطني وسحب جوازات سفرهم.
مسؤولون وموظفون سامون أمام القضاء بتهم ثقيلة
تكشف لائحة المتابعين في هذا الملف عن حضور لافت لأسماء بارزة في المشهد الإداري والسياسي بجهة مراكش آسفي، من مسؤولين ترابيين ومنتخبين وموظفين كبار، يواجهون تهمًا تتعلق بسوء تدبير أملاك الدولة وتبديد المال العام.
ويتصدر اللائحة عبد الفتاح لبجيوي، الوالي السابق على الجهة، والذي تمت إحالته على المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالنظر إلى صفته الاعتبارية. كما تضم اللائحة محمد العربي بلقايد، الرئيس السابق للمجلس الجماعي لمراكش، ومولاي إسماعيل المغاري، النائب الحالي للعمدة والرئيس الأسبق لمقاطعة سيدي يوسف بن علي، إلى جانب يونس بنسليمان، نائب رئيس الجهة وعضو مجلس النواب عن حزب التجمع الوطني للأحرار.
ويتابع في الملف أيضًا عبد العزيز البنين، البرلماني السابق وعضو مجلس الجهة والمجلس الجماعي، ومولاي أرديس العمري العلوي، المدير الإقليمي السابق للأملاك المخزنية، وعبد الرحيم بوعلالة، المدير الجهوي الحالي للأملاك المخزنية، إضافة إلى إبراهيم خير الدين، المدير الجهوي السابق للمركز الجهوي للاستثمار، وخالد وية، المدير السابق للوكالة الحضرية، ورشيد لهنا، الذي شغل سابقًا منصب رئيس قسم التعمير بولاية الجهة، فضلًا عن عبد الحميد المتعلق بالله، مسير شركات مرتبطة بالبرلماني يونس بنسليمان.
وتتوزع التهم الموجهة إلى المتابعين بين:
- تبديد أموال عامة موضوعة تحت يد موظف عمومي بمقتضى وظيفته،
- المساهمة في تزوير محررات رسمية واستعمالها،
- تلقي فائدة في عقد بطرق غير مشروعة،
- المشاركة في عمليات تبييض الأموال.
قضية مفصلية تعيد أسئلة الشفافية والمساءلة إلى الواجهة
يحظى هذا الملف باهتمام بالغ من الرأي العام، نظراً لطبيعة الشخصيات المتورطة، ولارتباط القضية بتدبير العقار العمومي والاختلالات التي طالت مشاريع كبرى ذات طابع اجتماعي وتنموي. وبينما كانت بعض العقارات موجهة لبرامج استراتيجية، تحولت إلى صفقات مشبوهة تدر الملايين على عدد من الفاعلين، في تغييب تام لمبدأ تكافؤ الفرص والمصلحة العامة.
وتُرتقب أن تشكل جلسة اليوم محطة حاسمة في مسار هذه المحاكمة، وسط مطالب حقوقية واسعة بإعادة الاعتبار للمال العام وترسيخ مبادئ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب. كما تترقب الأوساط القانونية والحقوقية ما إذا كانت العدالة ستنجح في إعادة ثقة المواطنين في المؤسسات، في ظل ما تكشفه هذه القضية من حجم الخروقات التي طالت أملاك الدولة.