
العلم:أنس الشعرة
كشف التقرير السنوي لمؤسسة الوسيط برسم سنة 2024 عن اختلالات بنيوية تُعيق نجاعة السياسة العمومية الخاصة بإعادة إدماج السجناء في المغرب، رغم وضوح التوجهات الرسمية والتزامات المملكة الدستورية والدولية في هذا المجال. التقرير، الذي جرى تقديم مضامينه مؤخراً، سلّط الضوء على استمرار وجود صعوبات وإشكاليات مرتبطة بالحقوق المرفقية للأشخاص السجناء، وعلى ضعف التفاعل الإداري مع هذه الفئة، ما يُؤثر سلباً على فرص إدماجهم الفعلي في النسيج الاجتماعي والاقتصادي بعد الإفراج.
وأفاد التقرير بأن عدداً من العقوبات غير الرسمية تستمر في ملاحقة السجناء المفرج عنهم، لاسيما في ما يتعلق بالتجريد من الحقوق الوطنية، والإقصاء من الوظائف والخدمات العمومية، وهو ما وصفته المؤسسة بأنه يتنافى مع فلسفة الإصلاح ويشكل مساساً بكرامة الإنسان. ومن بين أبرز العوائق التي رصدتها المؤسسة، التحول العملي لبطائق السجل العدلي إلى حواجز تحول دون ولوج السجناء السابقين إلى سوق الشغل، حتى في الحالات التي خضع فيها المعنيون لبرامج التأهيل داخل المؤسسات السجنية.
ودعا التقرير إلى مراجعة الإطار القانوني المنظم للسجل العدلي، وتبسيط مساطر رد الاعتبار أو الإعفاء منها، لفائدة السجناء المستفيدين من برامج الإصلاح، وذلك من أجل ضمان تكافؤ الفرص وتعزيز العدالة الاجتماعية. كما أوصى باعتماد ما سمّاه «الإدماج المرفقي التصالحي» كمقاربة جديدة تقوم على إزالة الحواجز المرتبطة بالخصومة وتيسير المصالحة بين الفرد والإدارة، في أفق تحقيق إدماج حقيقي ومنصف.
وفي هذا السياق، شددت مؤسسة الوسيط على ضرورة إعمال مبدإ الإنصاف في تلبية حاجيات السجناء، وإنهاء جميع أشكال الإقصاء من الخدمات العمومية، مع التأكيد على ضرورة توسيع دائرة الحكامة، وتفعيل آليات الحوار بين مختلف الفاعلين المتدخلين في تنفيذ برامج الإدماج.
كما أوصى التقرير بإقرار آلية للاستفادة المجانية من خدمات الاستشارة القانونية والإدارية داخل المؤسسات السجنية، وذلك لفائدة النزلاء والمفرج عنهم، من خلال مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، باعتبارها أداة مركزية لمواكبة المرحلة الانتقالية نحو الاندماج الكامل في المجتمع.
ودعا التقرير إلى بلورة تصور متكامل لسياسة الإدماج، يتجاوز التركيز الضيق على المقاربة الاجتماعية ليشمل الأبعاد الأمنية، النفسية، السلوكية، الإدارية والاقتصادية، وذلك من أجل إحداث تحول فعلي ومستدام في حياة السجناء بعد الإفراج، بما يضمن تفعيل المبادئ الدستورية وتعزيز الاستقرار المجتمعي.