العلم الإلكترونية - بقلم هشام الدرايدي
بعد إعلان وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عن عدم ثبوت رؤية هلال ذي الحجة وإتمام شهر ذي القعدة، أصبح من الرسمي أن عيد الأضحى المبارك، الذي يصادف العاشر من شهر ذي الحجة الهجري من كل سنة، سيكون يوم السبت 7 يونيو القادم. هذا الإعلان حرّك "أصحاب السبت" الذين بدأوا في التحايل على ما أهاب به أمير المؤمنين، بعدم القيام بالذبح في هذا العيد، والاكتفاء بذبيحة واحدة يقوم بها سبط النبي نيابة عن الأمة، اقتداء بالسنة النبوية الشريفة، وذلك حفاظا على القطيع الذي أضرّت به عوامل كثيرة، من بينها الجفاف وغلاء الأعلاف، ما جعل أسعار رؤوس الأضاحي تبلغ أثمانا خيالية خلال الموسم الماضي، وأكّد المخاوف من أن تكون الأوضاع كارثية هذا العام، سواء على المستوى الاقتصادي للفرد، أو على مستوى الثروة الحيوانية التي باتت مهددة بالزوال.
فبعد الرسالة الملكية لأمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، الموجهة إلى شعبه بإلغاء شعيرة الذبح هذا العام، تحركت "العقول السوداء" لتفتي في هذه الإهابة، وتُفصّل فيها بمغالطات لا تمت لا للشريعة الإسلامية ولا للقوانين الوضعية بأي صلة، مدعية أن الذبيحة ممنوعة فقط يوم السبت (يوم العيد)، ومن أراد أن يذبح قبله أو بعده فلا حرج عليه، في مشهد يكرر قصة "أصحاب السبت" التي ذكرها الله في كتابه الكريم.
وقبل أن أضع بعض النقاط على حروف ما جاء في الإهابة الملكية الموجهة للشعب المغربي، وما يتداوله المغاربة في أوساطهم، سأحاول التذكير - باقتضاب - بقصة "أصحاب السبت"، الذين خالفوا شرع الله ومكروا بأوامره، فجعلهم قردةً خاسئين.
قصة "أصحاب السبت":
هم قوم من بني إسرائيل كانوا يسكنون على شاطئ البحر، وكان الله قد ابتلاهم بتحريم الصيد يوم السبت، فاحتالوا على أمر الله بنصب الشباك يوم الجمعة وجمعها يوم الأحد، ليظهروا أنهم ملتزمون بالنهي الإلهي، بينما قلوبهم مملوءة بمكر وتجاوز. فما كان من الله إلا أن عاقبهم على عصيانهم ومسخهم قردة، عبرةً لمن بعدهم.
واليوم، نعيش القصة ذاتها بشكل جديد، فـ"أصحاب سبتنا القادم" بدأوا في تسويق حلول متحايلة من أجل الوصول إلى شواء "بولفاف" وإعداد "الكرداس" وغيرها من المأكولات التي تشتهر بها أيام عيد الأضحى، والتي لا علاقة لها لا بالشعيرة الدينية، ولا بمناسك هذا الشهر الفضيل، ولا هي قربى يتقرب بها المرء إلى ربه، بل هي عادات وأعراف التصقت بالعيد الفضيل لإشباع البطون، مع أن هذه العادة يمكن ممارستها في أيّام أُخر.
وهنا بدأت عمليات "حياكة التحايل" على ما تفضل به أمير المؤمنين في رسالته المولوية الشريفة، بدعوة واضحة إلى عدم القيام بشعيرة الذبح هذا العام، والاكتفاء بالاحتفال الرمزي حمايةً للثروة الحيوانية وحقنا لنزيف جيب المواطن، إلا أن "أصحاب السبت" ابتدعوا خططا للقيام بالذبح، متعللين باحتفالات وهمية ابتدعوها قبيل العيد بأسبوع، كالعقيقة، والختان، والخطوبة، والقدوم من العمرة، والتوجه إلى الديار المقدسة، والنجاح، وغيرها من المناسبات، أغلبها مبتَدعة، لكي تُجهز الذبيحة ليوم السبت الذي مُنع فيه الذبح، وهذا ما أضر من جديد بالقطيع، ورفع الأسعار، وبات المخطط الملكي الرامي إلى حماية وتأمين القطيع مهددًا. فما هي إذن العقوبات التي تنتظر هؤلاء المخالفين من "أصحاب السبت"؟
في الشريعة الإسلامية، يُعدّ الخروج عن أمر وليّ الأمر، ومخالفة توجيهاته فيما فيه مصلحة عامة للأمة، أمرًا محظورًا شرعًا، خاصة إذا تعلّق الأمر بحفظ الضرورات الخمس، ومن ضمنها حفظ المال، والنفس، والمجتمع. وإذا كان وليّ الأمر قد رأى أن تعليق النحر لهذا العام ضرورة لحماية القطيع ومصالح الناس، فإن التمرد على هذا التوجيه يُعدّ خروجًا عن الجماعة، وسلوكًا يُوجب النكير، وربما التأديب، وفق ما يراه الإمام أو من ينوب عنه من السلطات الشرعية.
أما في القانون المغربي، فإن من قام بـ"الذبيحة السرية" خارج المسالخ المُرخّصة، أو في وقت يُمنع فيه الذبح بقرار رسمي، يكون معرضًا لعقوبات، وفق ما ينص عليه القانون رقم 28.07 المتعلق بالسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، والقانون رقم 13.83 المتعلق بزجر الغش. وقد تصل العقوبات إلى غرامات ثقيلة، وحجز الذبيحة، والمتابعة القضائية.
ومن هنا نستخلص أن احترام التوجيه الملكي ليس فقط التزاما دينيا وسياسيا، بل هو مساهمة في الحفاظ على ما تبقى من مقومات الأمن الغذائي الوطني، وتحقيق للتضامن الجماعي في وقت الأزمة، ومن قام بالذبح قبل العيد وتجهيز الذبيحة للعيد فقد خالف الشرع والقانون وكان من أصحاب السبت.