Quantcast
2024 يناير 2 - تم تعديله في [التاريخ]

مراجعة اختلالات المدونة بينَ النصوص القطعية والضرورة اليومية


مراجعة اختلالات المدونة بينَ النصوص القطعية والضرورة اليومية
 

*العلم الإلكترونية: أنس الشعرة*

تقديم: تعرض في هذه المقالة، نقاشا هادئا لمسألتين استحوذا على النقاش في ظل تعديل اختلالات المدونة، وهما؛ زواج القاصرات، والتعصيب، حيث يطرحان إلى جانب الاختلالات الأخرى في المدونة، مشاكل عميقة ذات جذور في البناء النفسي- الاجتماعي، في مجتمعنا، لذا كانَ منَ الضروري مناقشة هاتين المسألتين، في إطار بعيد عن التعصب، ودون "جحود أو جمود".

ينبغي مراجعة  اختلالات في سياق رؤية شاملة ومركبة تقدم المصلحة الفضلى للمجتمع

 مراجعة مدونة الأسرة، فرصة كبيرة لتطوير هذا النص التشريعي، فمسالكه تصب مباشرة في الوعاء الاجتماعي، ويترتب عن ذلك، تطوير بنيات الأسرة والمجتمع معًا. عبر الحفاظ على الأسرة كركيزة ثابتة في بناء إنسان سوي، يتمتع بصحة عقلية وجسدية متوازنة، يقوم بأدواره الاجتماعية بحس مشترك جمعي، وبمواطنة متكاملة.

إن تجويد النص القانوني، المرتبط بمدونة الأسرة، يأتي استجابة لتحولات المجتمع، ولكن أيضا انسجاما مع ما جاء به دستور المملكة لسنة 2011، في إطار استحضار الممارسات التشريعية والقضائية المقارنة، مع الملائمة الضرورية وفق المبادئ الأساسية للاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان. خاصة وأن الدستور يؤكد في تصديره على التشبث بمنظومة حقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا، وحمايتها ومراعاة طابعها الكوني.

وفي هذا الصدد، فإن خطاب العرش في 30 يوليوز 2022، أكد على أن إصلاح مدونة الأسرة، "يجب أن يقتصر على إصلاح الاختلالات التي أظهرها تطبيقها القضائي على مدى حوالي عشرين سنة، وعلى تعديل المقتضيات التي أصبحت متجاوزة بفعل تطور المجتمع المغربي والقوانين الوطنية". وبناء على ذلك، فإن تعديل أو إصلاح المدونة، ينبغي أن يتأطرَ وفقَ هذا الرصد، الذّي ركز على الاختلالات التطبيقية للقضاء، وعلى التحول البنيوي الذي يشهده المجتمع المغربي؛ فإن المجال الذي ينحسر فيهِ النقاش، يحضر فيما هو اجتماعي وقانوني تشريعي. 

وبما أن هذا التأطير يشملُ فهم ديناميات التشريع وحياته بالمغرب، قياسًا إلى الأوضاع الاجتماعية، وما تفرزهُ المستجدات والنوازل، في قضايا تتعلق بالأسرة أي بالرجل والمرأة والطفل، فإن استحضار الضرورات اليومية في بناء النص القانوني هو ملح في استتباب أمر التشريع، وضمان نجاعته.


عمق الأزمة

ولن نذهبَ بعيدًا، في رصدِ الاختلالات التي تعرفها المدونة، لكن سنقتصر على مسألتين وهما محل خلاف الفرقاء من المؤيدين أو المعارضين، وهما: 

  • الإرث (التعصيب)؛ 

  • زواج القاصرات.

هاتين المسألتين، تستحوذان على النقاش الدائر حول تعديل الاختلالات التي أصابت المدونة، حيث أن هناك شبه إجماع على ضرورة تعديل المادة 20 من المدونة، التي تمكن القاضي من إعطاء الإذن بالزواج دون سن الأهلية، شريطة تعليل المصلحة من القرار والأسباب المبررة له بعد الاستماع إلى القاصر والأبوين، ومع الاستعانة بخبرة طبية أو بحث اجتماعي، لكن الوقائع أثبتت أن القاضي يسمح لزواج ما دونَ 18 سنة، إمّا تحتَ ضغط الأسر، أو دون الرجوع إلى الوسائل التي وضعها المشرع، حيث إن القاضي يكتفي بشهادة طبية يدلي بها الطرفان.

دون أن ننسى أن تزويج القاصرات، يتعارض مع جاءت به المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 التي صادق عليها المغرب، حيث تعتبر أن الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة. وقد أشارت دراسة تشخيصية لرئاسة النيابة العامة واليونيسيف حول زواج القاصرات، صدرت في سنة 2021، إلى أنه خلال الفترة ما بين 2015 و2019، سجل حوالي 14 ألف حكما بثبوت الزوجية يتعلق بالقاصر. وهذا على مستوى الأرقام الرسمية التي تؤكد جسامة المشكل، وعمق القضايا التي يجب أن تناقشَ بعيدًا عن التمسك بالموقف الإيديولوجي، كل هذا يطرح إشكاليات حقيقية على مستوى التشريع أو الممارسة.


التعصيب والتحولات الاجتماعية

المسألة الثانية؛ وهي مرتبطة بالإرث وهي شبه محسومة لأنها مؤطرة بالشريعة، ودونَ الدخول في تفاصيل هذا الموضوع من حيث طبيعة نظام الإرث في الإسلام، وما أحدثته الضرورات الاجتماعية من تحول. ينبغي التعاطي معَ هذا الموضوع في حِل عن المواقف والمواقع السياسية، لأن الموضوع مرتبط بوقائع وبنص قطعي، ينبغي التعامل معه بيقظة وحذر شديدين، يراعي أسبقية النصوص القطعية، ويوائم التحولات المجتمعية.

وبالتالي؛ ينبغي مناقشة هذه المسألة في إطارها الكلي، لا في شقها الجزئي، أي النظر في منظومة الإرث في الإسلام في إطار كلي، بحيث لا يجب ربطها بمسألة وقوع الحيف على المرأة، فما يرتبط بذلك هو وقوع الظلم الذي يحيق بها، وعدم تحقيق مقتضيات المدونة كما ينبغي، ومن جهة أخرى الاقتصار على التطبيق الشرعي للإسلام فيما يخص حق الرجل، دونًا عن حقوق المرأة. 

إن مواكبة الدينامية المجتمعية أمر ضروري، فالوقائع هي التي تولد أزمات عدة، وليست النصوص الشرعية أو التشريعية التي تفعل ذلك، لذلك فإن التعديلات ينبغي أن تؤطر هذه الوقائع لأنها منفلتة على الدوام. وتقف مسألة التعصيب عندَ هذه النقطة، إذ أنها منفلتة بفعل تعدد الوقائع، لا في وحدة النصوص الشرعية والتشريعية، وإذا كانَ منَ الضروري المس بهذه المسألة في التعديلات المقبلة، فينبغي تعديلها وفقَ ثوابت معينة، لكي لا تؤدي إلى مزيد من الاختلالات قد تتجاوز مسألة الإرث كاملة.


خلاصة النقاش

إن حماية المصلحة الفضلى للقاصر، المراد الإذن له بالزواج تقتضي ألا يؤذن بالزواج إلا للطفل الذي بلغ على الأقل سن السادسة عشرة سنة شمسية، وأن يكون الطرف المراد الزواج به بالغا سن الرشد، بالإضافة إلى ضرورة ألا تتجاوز المدة العمرية الفاصلة بين المقبلين على الزواج واللذين يكون أحذهما قاصرة مدة عشر سنوات كحد أقصى مراعاة لتحقيق الانسجام بينهما.

ومن جهة أخرى ينبغي للتعصيب أن يكون في مصلحة المرأة والرجل، على حد سواء، لأن نظام الإرث في الإسلام ينبني على هاته الفلسفة التي تعطي للرجل والمرأة الحق في الإرث بالتعصيب، رغمَ أن بعض الأطراف تحاول التأكيد على أن الرجل يتجاوز نصيب المرأة أو يظلمها، وهذا كما قلنا سالفا، يعود إلى سوء فهم النصوص، أو تغليب الأيديولوجيا دونَ المصلحة الفضلى للمجتمع، وبالتالي؛ خلاصة لمَ سبق ينبغي للمسائل التي تتداخل فيها نصوص قطعية معَ التشريعات الدولية في حقوق الإنسان، بيان ما إذا كانت هذهِ النصوص في سياق رؤية كاملة ومركبة للمجتمع في إطار دينامياته.


              
















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار