Quantcast
2022 نونبر 20 - تم تعديله في [التاريخ]

مِنْ وساوِس ديواني الخامس !

افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 17 نونبر 2022


العلم الإلكترونية - محمد بشكار

ماذا لو غيَّر الشِّعْر الحِرْفة وانقلب إلى شَعْر ولوْ في باروكة، أليْس تَرُوج حركته مع رواج الصَّلع الذي يتمدد قاحلا في الرؤوس، ومع أنَّ القَرَع ليس عيباً بل محاكاة لعوامل التَّعْرية التي تُصيب البرية، لا أعْجب إلا من كثرة المُقْبلين هذه الأيّام على  عمليات زرْع الشَّعْر، ولا آسف إلا مِمّن يَمُر بالمُوسى على آخر جذر بقي عالقاً في نفسه من الشِّعر، فلا تَسْألني ما الذي يعْنيه أنْ تُصْدِر ديواناً جديداً، لو كان هذا السُّؤال يخُصُّ ديواني الأول، لَرُبما اعْتَرتْني الحماسة في الجواب واحتاجَ تدفُّق كلماتي من فرْط دهْشةٍ يسْتثيرُها عملٌ تأتيه لأول مرّة، لِضمادٍ طويل يلْئِم النّزيف، ولكن والأمر يعني صدور ديواني الخامس، أسْتطيع القول إنّي تجاوزتُ هذه اللذة التي تزول وتفتُر بتوالي النَّشْر، وأصبح يعْنيني الشِّعر أكثر، هل خرجتُ من الدائرة.. ربما.. وأقصد دائرة آخر ديوان أصدرته عام 2013 ويحمل عنوان "عبثا كم أريد.." (دار توبقال بالدار البيضاء)، هل وأنا أفتح غلافَيْ ديواني الجديد (2022)، وجدتُ بابا آخر مفتوحا على أفق جمالي مُغاير لا يُكرّرُني، ليس ثمة ما يقتُل الشِّعر سِوى احتفاظه بنفْس الملامح في كلِّ الأعمار، أستطيع التأكيد أنّ الشِّعر أو الشاعر وهو يتقدَّمُ في التَّجْربة، لا ينْتابه إلا شعور واحدٌ حين يَصْدُر ديوانٌ جديد، هو التَّخلُّص من محْنة.. أمّا ما يتبقى لا يعْنيه بما أنّه أصبح يعني القارئ
!

كان بودِّي أنْ أسمِّي هذا الديوان "كِتاب الأرق"، ولكنِّي وجدتُ العنوان مُسْتَهلَكاً تحْملُه كتبٌ غرْبية وعربية، ذلك أنّه ثمرة تجربة مَرَضِيّة عصيبة، ألمْ أقُل إن التقدُّم في الشِّعر مِحنةٌ وليس مِنْحة، وما زلتُ حائراً في العنوان حتى اهتديتُ لِمَا يتناغم مع تيمة "الأرق" وأسميتُه "حُلُمٌ أعلى الوسادة" (منشورات بيت الشعر في المغرب/2022)، ففي عام 2015 انْقَصَم ظهري ولم أعُد أستطيع الوقوف أو المشي، وأفْقَدَني حريقُ الألم النوم، أصبحتُ أزاول مهنتي من البيت بالبريد الإلكتروني، ولنْ أُبالغ إذا قلتُ إنَّ تجربة الألم صَقلتْ مع جسدي الكلمة، تماما كما تبْري النار المعادن، لن تُصدِّق أخي محمود  إذا قلتُ إنّ التجربة الحياتية في فرحها أو ترَحِها تُمارس انعكاساتها على النص الشِّعري، سواء مِنْ حيث الشكل أو المضمون، وكما تَخلَّص جسمي في تجربة المرض من كل الزوائد لأصير جِلدا على عظم، ألْقى الشِّعْر أيضا كل الكلمات التي تُثْقل كاهله بالدَّسَم المُعْجمي أو الصَّخَب الملْحمي، أصبحتِ الكتابة الشِّعرية و لوْ في نصٍّ طويل، صِنفاً من القبْض على الصورة ولكن بأسلوب الشَّذْرة الحارقة، ولا غرابة حين تضيق بالشاعر السُّبل أن يلْتمِس العزاء في ما يقُضُّ مضجع الإنسانية، لذلك ستجدُني في هذا الديوان، إمّا عاشقا مُتغزِّلا يَنْبُش عن قلبه المَدْفون في التفاصيل والذكريات، أو مُواسياً للمأساة !     

الشِّعْر بالنسبة لي طوق نجاة يعيدني مع كل قصيدة أكتبها أو تكتبني إلى الحياة، ومَنْ يرطن بأزمة الشِّعر في كل مناسبة مواتية لشحذ اللسان، إمّا أنه لا يعرف القيمة الجمالية لهذا الدواء المُقطَّر كالترياق، أو فيه يكمن الداء ويُعبِّر عن الإخفاق، أرى أنّه من الخطإ أن ننْساق مُتدفِّقين على ذقوننا مع الأحكام الجاهزة التي تسْتأسِد بالرأي الشِّعْري العام السائد، هل يجوز حقاً أن نقول (الرأي الشعري العام)، نكاد نعْتمد هذه العبارة بعد أنْ أصبح عددُ منْ يكتُب الشِّعر يومياً في فيسبوك يُقَدَّر بـ 30 مليون نسمة، أمّا من وجْهة تقوْقُعي محدود الإنتشار فأُومِن أنّ الشِّعْر حالةٌ خاصة وليس غفيراً أو جماهيرياً، لحْظةٌ جمالية لا تتكرّر والإمعان في تمْطيطها مُجرَّد اجْترارٍ لِما لن يُفيد أحدا، أنا لا أسْخر ولكن الأكيد أنّ ثمة الرديء والجيِّد في كل الأشكال الأدبية، في الشِّعر والرواية والقصة والمسرح، ثمة من يعتبر الكتابة مسؤولية أدبية غير مأمونة العواقب، وثمة من يكتب كيف ما اتَّفق ويدعُها تَسْرَح.. تجده يُصْدِر بَدَل الديوان عشرة في ظرف أشهر معدودة اللهم لا حسد، ألا يُدرك أنّه ليس ثمة أفظع من السُّقوط من عين القارئ، لا أعرف لِمَ يهرب منّي سؤال أزمة الشِّعْر حين أطارده بالجواب، ربَّما لأنِّي مفعمٌ بالأمل ولا أريد أن أسُدَّ الباب، أو ربما لأني واحدٌ مِن الشِّعر المغربي وأرفض بإصدار أحكام جاهزة أنْ ألغي نفسي !              

الأفضل التحدُّث عن أزمة الشَّاعر عوض أن نُلقي باللائمة على الشِّعر، فالكلمة التي تجْري بأسطرها في الرواية أو أي جنس أدبي آخر، هي نفسُها التي تملأ وبجرعة من مستوى الأوفْر دوز فصول الرواية، يجْدُر أن نسأل لِمَ أصبحت دور النشر ترفض طبْع الشِّعر، ولماذا تُغلِّبُ منْطق السوق التجاري وتغيِّب المسؤولية الثقافية، أليس المفروض في دُور النشر خصوصاً ذات التاريخ العريق،  أنْ تُقدِّر كل الأجناس الأدبية وتحترم الأسماء، عجبي كيف ترفض دار نشر يدَّعي مالكُها أنَّه مثقفٌ طَبْعَ ديوان شاعر معروف في العالم، هنا تكْمُن أزمة الشِّعر أيْ في القرارات النَّفْعية التي تحدُّ من تداولية عمل الشاعر، ولكن يبدو أنَّ كل محاولات التَّحكُّم في عوامل الطَّقْس قد باءت بالفشل، ولا أحد تمكَّن من حجْب الشَّمس

ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 17 نونبر 2022


              
















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار