
*بقلم // ذ. محمد بوفتاس*
في زمن يغرق في التكرار والسطحية، جاء عرض نوستالجيا 2025 كصفعة فنية توقظ الذاكرة، وتستفز العقل، وتمنح الجمهور لحظة نادرة من الدهشة والانبهار. لم يكن الأمر مجرد عرض مسرحي، بل كان تجربة إنسانية كاملة، تلامس الروح، وتطرح الأسئلة العميقة بلغة فنية ساحرة ومدروسة.

بقيادة المخرج المبدع أمين ناسور، وهو أحد أبرز الأسماء في المسرح المغربي المعاصر، تحوّلت الخشبة إلى آلة زمنية تنقلنا بين أطلال الماضي وأشباح المستقبل. ناسور لم يكتف بالإخراج، بل وقع على رؤية شاملة نسجت كل التفاصيل، من حركة الجسد إلى عمق الضوء، ومن صمت الشخصيات إلى انفجار الموسيقى.

السينوغرافيا كانت ناطقة، الإضاءة حادّة كحدّ السكاكين، والمؤثرات الصوتية تُشبه تنبؤًا قادمًا من عالم موازٍ. كل عنصر في العرض كان في مكانه، كما لو أنّ كل حركة، كل ظل، كل نغمة، قد تمّ التفكير فيها بدقة الجراح.

ولعلّ أكثر ما يُحسب لهذا العمل هو الانسجام الرائع بين طاقم التمثيل، الذين أدّوا أدوارهم بصدق كبير، دون تصنّع أو مبالغة. أجسادهم كانت تروي الحكاية، ووجوههم تنقل أحاسيس النص إلى قلب الجمهور مباشرة. كل ذلك بدعم تقني احترافي يُحسب للفريق الذي عمل خلف الكواليس بصمت وفعالية.

نوستالجيا 2025 ليست فقط عرضًا ناجحًا، بل لحظة نادرة في المسرح المغربي، تؤكد أن المسرح ما زال قادرًا على الإدهاش، وعلى إعادة ربط الإنسان بذاته، بذاكرته، وبحلمه المعلّق في الأفق.
عملٌ كبير، وُلد من شغف، ونضج، وجرأة… ويستحق أن يُدوَّن في ذاكرة المسرح المغربي المعاصر، كإحدى اللحظات التي التقت فيها الحِرَفية بالإبداع.