Quantcast
2022 أبريل 28 - تم تعديله في [التاريخ]

هكذا أبّنت كلية الآداب فقيدها محمد مفتاح...

لحظات عرفان امتزجت فيها الشهادات بالدموع


العلم الإلكترونية - عبد الناصر الكواي

في بادرةٍ تكرِّس ثقافةَ الاعتراف بالجميل لجيل الرواد، وتكرم روح قامة فكرية أعطت الكثير للجامعة المغربية والبحث والنقد الأدبي في المغرب  والعالم العربي، أبنت كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، يوم الثلاثاء الماضي، الراحل محمد مفتاح، الأكاديمي والناقد والمفكر، في  لحظاتِ عرفانٍ امتزجت فيها الشهاداتُ بالدموع.

الحفل التأبيني الذي نظمته شعبة اللغة العربية وآدابها في الكلية، بشراكة مع اتحاد كتاب المغرب في الذكرى الأربعينية لوفاة مفتاح، عرف مشاركة أسرته الصغيرة وأسرته الكبيرة من زملائه وطلبته وعدد من الباحثين الذين تناوبوا على الكلمة في حق المؤبَّن.

تقديرا لعطائه... دعوات لإحداث كرسي مفتاح للسيميائيات

الجلسة الأولى والتي سيرها الأستاذ أحمد بوحسن، تضمنت عرضَ شريط عن الراحل محمد مفتاح، ثم كلمة عميد الكلية، جمال الدين الهاني، وكلمة رئيس شعبة اللغة العربية، محمد السيدي، وكلمة رئيس اتحاد كتاب المغرب، عبد الرحيم العلام، وكلمة أسرة الفقيد.

واستهلت فعاليات حفل التأبين بعرض شريط حول محطات من حياة الراحل، أنجزه كل من الأستاذين محمد الداهي وفاطمة غنامي، وسلط الضوء على إنتاج محمد مفتاح العلمي الغزير، ومشروعه البحثي المتكامل الذي رامَ خلق إضافة نوعية للنقد والأدب المغربي والعربي.

بعدها انطلقت الجلسة الأولى التي سيرها الأستاذ أحمد بوحسن، والتي تناول فيها الكلمة عميد الكلية، جمال الدين الهاني، معتبرا أن اللقاء يمثل ساعة حزن لأنه يأتي بمناسبة رحيل شخصية متميزة، وساعة طيبة في الآن نفسه، لأنها تجمعنا لتخليد ذكراه الطيبة. وأضاف أن رحيله فجع العالم، مستدركا بأن الموت هو مآل الإنسان، غير أنه أنواع: ما يصيب الإنسان العادي وما يصيب الخالدين، الذين يبقون بيننا بأعمالهم.

كما نوه العميد بفرادة مسار مفتاح، بوصفه سيميائيا استطاع توظيف مجموعة من العلوم، وزاوج بين النظري والتطبيقي، مما جعل أبحاثه مرجعية، مشيرا إلى نجاحه في ذلك بالإجابة عن أسئلة تخص تلقي النص وتأويله وتحقيقه. كما ذكّر بمن تخرجوا على يدي الفقيد من الطلبة والأساتذة المشهود لهم بالكفاءة.

وفي كلمته بالمناسبة، أعرب محمد السيدي، رئيس شعبة اللغة العربية بالكلية، عن كون كلمات التأبين لا توفي مفتاح حقه. وأثنى على عطائه الكبير بعد مسيرة طويلة وسمت حياته العلمية والشخصية بالتميز والتواضع، حيث كان أستاذا هادئا قنوعا ملتزما، أعطى للدراسات العربية الكثير. وختم السيدي كلمته، بأن الراحل محمد مفتاح أدى الأمانة وقام بدوره على أكمل وجه.

بدوره، اعتبر عبد الرحيم العلام، رئيس اتحاد كتاب المغرب، أن استعادة مناقب الفقيد صعبة، لما عرف عنه من حضور إنساني وأكاديمي كبير، طافح بالوفاء والنبل والتواضع. واستحضر ذكرياته مع الراحل لما كان طالبا لديه أواسط الثمانينات، والفائدة التي حصلت له باحتكاكه بكتابه "في سيمياء الشعر القديم".

ودعا العلام إلى مواصلة مشروع مفتاح العلمي، بالاستناد إلى نزعته التجديدية في الجامعة، وتعميق نتائج أبحاثه وتوسيعها. وعلل ذلك بكون الراحل يجسد إحدى علامات العبقرية المغربية، التي تشكل مصدر فخر في بلادنا والعالم العربي.

وفي كلمة أسرة الفقيد، أعربت كريمته فاطمة الزهراء مفتاح، عن امتنانها وشكرها للمتدخلين على كلماتهم في حق والدها المرحوم، وقالت كان الظن أن الرجال أصحاب الهمم لا يرحلون حتى عشنا النبأ، مضيفة رحل مثال الشهامة والطيبة ودماثة الأخلاق، مترفعا عن دنيات الحياة، وختمت بالقول علمك صدقة جارية.

من جانبه، قال الأستاذ سعيد يقطين، لا يمكن أن يعبر الحديث عن الآلام والأحزان التي نحس بها جراء الموت، مضيفا أنه برحيل محمد مفتاح نستشعر آمالا وأحلاما تبخرت، أحلام ظلت تراودنا. وشدد على أن الموت يذكرنا دائما أن كل صراعاتنا وتناقداتنا وحساسياتنا لا قيمة لها.

وأكد يقطين، على أن الراحل مفتاح بدل جهده لخدمة الثقافة واللغة العربيتين، داعيا إلى إعادة طبع أعماله وفتح ورشات للاشتغال على مشروعه. واعتبر أن لمحمد مفتاح مدرسة لم تتوفر لها الشروط، التي توفرت لمدارس أخرى في دول أجنبية. وختم كلمته بالمطالبة بإحداث كرسي محمد مفتاح للسيميائيات.

أما محمد الوهابي، فبعد شكره للمؤسستين المنظمتين للتأبين، فقال إن خلق الدعم والمساندة من شيم الراحل، مستحضرا ملامح من شخصيته العلمية من قبيل ملمح العصامية، في تعلم اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وكدا التحدي بالعمل على تجاوز نفسه عبر التكوين والتكوين المستمر، وتحدي العوائق التي يفرضها المجتمع العلمي المهيمن في الجامعة آنذاك.

كما استحضر المتحدث، وعي مفتاح بالشرط الاجتماعي، حيث لم يكترث لمعاناته مع بعض زملائه "الحضريين"، وانشغل بالبحث عن الخيط الناظم بين الأدب المغربي والعالمي.

وفي شهادته في حق الراحل، قال الناصر البوعزاتي، إن علاقته بالمؤبن دامت أكثر من ثلاثة عقود، وإن ملاحظاته الشخصية حوله تكونت من خلال ندوات وجولات خلاصتها: انفتاح مفتاح على كل التيارات الفكرية، وحرصه على قياس المسافة المعقولة التي يتخذها العقل تجاه هذه التيارات، ما سماه المتحدث بـ"تكافؤ الأدلة".

وتابع المتحدث، أن من ميزات الفقيد، استفادته وإفادته الدائمتين من محاوريه، معتبرا أن الفكر دوامة مسترسلة لا أحد يملك فيها الحقيقة الكاملة والمطلقة. وأكد على أن الراحل كان يحرص على احترام الآراء كلها، وهو أمر صعب في ظل سطوة الأحكام المسبقة. وقال إن من مميزاته كذلك بوصفه أستاذا أنه كان يوصي الطلبة وينبههم لمكامنِ القوة وكذا الضعف، في المقالة من المقالات، وذلك بغية إسهامهم في تقويمها إيمانا منه بالتشييد العلمي المستمر.

وفي خضم الجلسة ذاتها، اختار صلاح بوسريف، الشاعر والصحافي، أن يعنون كلمته بـ"رأيت ما تريده"، موضحا أنه تعمد أن يكلم الفقيد لا أن يتكلم عنه، لأنه لا يريده أن يكون ميتا، معتبرا أن الموت عدم، بينما رحيل مفتاح هو فرصة لإعادة النظر في أعماله وسلوكاته وما اتسم به كناقد عالم وإنسان دمث الخلق. وقال إنه تعلم من الراحل الفكر النقدي المتسائل.

وقدّر بوسريف، أن صداقته بمفتاح كانت خاصة، مضيفا أنه لا يتنكر للرواد في أي من مجالات المعرفة والفكر. وحول تواضع الفقيد، قال بوسريف: "إنه لم يدع أن الشمس تشرق من بين أنامله"، داعيا إلى جمع أعماله وما ترك مما نشر وما لم ينشر بعد. وختم كلمته بالقول: ستبقى حاضرا في غيابك.

بدوره وصف الأستاذ فيصل الشرايبي، المرحوم بالمحمود الفاتح الغازي، الذي حمل على كاهله استمرار تدفق شلالات تروي الأرواح العطشى. واعتبر أن حفل التأبين هذا هو لحظة اعتراف بتضحيات الفقيد، الذي كان حريصا على العلم وقداسته، وخلص إلى أن عباراته لا توفي الراحل حقه.

إجماع على فرادة الرجل...

أما الجلسة الثانية، التي سيرها الأستاذ محمد جودت، فقال في أول كلمة خلالها الأستاذ عبد المجيد النوسي، نستشعر اليوم حجم الفقد، لكن المواساة في كونه ما يزال حاضرا بيننا بعطائه العلمي المتميز في تجديد الدرس الجامعي، وتطوير البحث الأكاديمي. وأضاف أن إرثه وقراءته للمتون أولت أهمية لخصائص الشكل والكتابة، وأنه جمع في تحليله الشعرية العربية والأرسطية والحديثة.

ووصف النوسي، مؤلفات الراحل بالمنفتحة على المدارس والمناهج الحديثة، معتبرا أن عدته المنهجية تميزت بالدينامية، وبمعرفة اللغة الواصفة، مضيفا أن هذه الإبدالات استندت إلى منهجية واضحة، تقوم على تمحيص المفاهيم ومراجعتها في أفق إنتاج الخطاب في إطار رؤية نسقية. وقال إن القصيدة بالنسبة لمفتاح كانت تُقرأ وتسمع وتدرك بصريا، مما أهله إلى إعادة تشييد الظاهرة الشعرية من قاعدة سيميائية. وختم بذكر بعض شيم الراحل وسجاياه وعلى رأسها خلق التواضع وحب الطلبة.

في هذا السياق، سرد أحمد العاقد، لحظات من صداقته "الصادقة" مع الراحل، موضحا أنه كان شخصا لا يفكر في نفسه أبدا، ولكن كامل تفكيره كان في كلية الآداب التي كان يريد منها أن تكون حاضرة ولو في خارج الحدود، كما كان دائم الحضور الإيجابي بين أصدقائه وصديقاته في اتحاد كتاب المغرب.

وقال العاقد، إن تفكير الإنسان وفكره جزء من طبعه، وإن محمد مفتاح كان يهتم بالكليات، لأنه اهتم بالشعر حيث يكمن كل شيء، كما أنه لم يكن يهتم بالتفاصيل والدسائس والحساد، ليس ضعفا منه ولكن ترفعا. وختم بأن مفتاح غادر منطقة الظل وذهب إلى منطقة الأبد، لذلك "لا أتحدث عن الموت وإنما عن الفراق".

وفي كلمتها، أثنت الأستاذة نعيمة منّي، على منظمي هذه البادرة، التي اعتبرتها واجبة في حق أحد أساطين الفكر العربي. وطفقت تسرد محطات من مسيرتها كطالبة ثم كزميلة للأستاذ الراحل، مبينة كيف اتسم درسه بالصرامة والدينامية مما جعل الطلبة يقبلون عليه بكثرة وكانت واحدة منهم. كما أشارت إلى مجموعة من التكليفات التي كان يسندها لها الراحل خلال إشرافه على أطروحتها من قبيل تكليفها بالاطلاع على نص المقابسات، أو باب الإعلال والإبدال، أو محنة أحمد بن حنبل...

وأكدت المتحدثة، أن الراحل عقد صلحا بين نصوص القدامى ومستجدات المناهج الحديثة، وقالت إن شهادتها صادقة في حق رجل يجب أن نتعلم منه، رجل كان مثالا حيا للمجتهد الذي يشتغل على جميع معارف اللغة العربية.

وكانت آخر مداخلة للأستاذ محمد أديوان، الذي قال إن ورقة من أوراق الحياة سقطت وذرتها الرياح بموت محمد مفتاح، غير أن سجاياه ولطف خصاله ستبقى خالدة. واعتبر أن عمله الأول كان نابعا من تعلقه بالحب النبوي الشريف، وأن عطاءه كان طرا، وكان مفتاحا للعلوم، بالثقة في النفس، والصرامة في المواجهة، والعمل الدؤوب.

وأضاف أن عمل الراحل كان متطورا لبناء ثقافة مغربية بوجه جديد. وأنه يدخل من مداخل متعددة لتغيير الموقف من المكتوب في انفتاح على النقد العربي لتغيير النظرة المجافية للصواب، وأنه كان يؤمن بشمولية التكوين وتكامله، كما أنه استطاع بناء أفق جديد للغة العربية، حيث كان مجددا في المدرسة العربية المغربية في النقدين القديم والحديث، غير أنه لم يكن يتبجح بما وصل إليه. وختم بأن الراحل كان عالما مشاركا ومجددا، وكان تنظيره مشفوعا بالتطبيق، ليوازي بين القيمتين النظرية والتطبيقية.




              
















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار