العلم الإلكترونية - هشام الدرايدي
شهدت العاصمة الرباط أمس الجمعة 29 نونبر 2024، ندوة فكرية رفيعة المستوى، جمعت نخبة من المؤرخين والأكاديميين وضيوف ومهتمين مغاربة وفرنسيين لمناقشة موضوع العلاقات التاريخية بين المغرب وفرنسا والنبش في ذاكرة الجنود المغاربة الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الذود عن استقلال فرنسا، وحملت الندوة، التي نظمت تحت إشراف مختصين في التاريخ المعاصر، طابعا أكاديميا متعمقا، حيث تناول المشاركون قضايا حساسة مثل الأرشيف التاريخي الفرنسي ودوره في تعزيز الوحدة الترابية للمغرب، فضلا عن مساهمة الجنود المغاربة في الحروب العالمية الأولى والثانية إلى جانب ااحلفاء، وجوانب أخرى مختلفة من الروابط الثقافية والاجتماعية التي تربط بين البلدين، أثراها النقاش داخل القاعة.
شهدت العاصمة الرباط أمس الجمعة 29 نونبر 2024، ندوة فكرية رفيعة المستوى، جمعت نخبة من المؤرخين والأكاديميين وضيوف ومهتمين مغاربة وفرنسيين لمناقشة موضوع العلاقات التاريخية بين المغرب وفرنسا والنبش في ذاكرة الجنود المغاربة الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الذود عن استقلال فرنسا، وحملت الندوة، التي نظمت تحت إشراف مختصين في التاريخ المعاصر، طابعا أكاديميا متعمقا، حيث تناول المشاركون قضايا حساسة مثل الأرشيف التاريخي الفرنسي ودوره في تعزيز الوحدة الترابية للمغرب، فضلا عن مساهمة الجنود المغاربة في الحروب العالمية الأولى والثانية إلى جانب ااحلفاء، وجوانب أخرى مختلفة من الروابط الثقافية والاجتماعية التي تربط بين البلدين، أثراها النقاش داخل القاعة.
الدكتور الجيلالي العدناني: الأرشيفات الفرنسية كأداة لفهم الوحدة الترابية للمملكة عبر التاريخ
تميزت مداخلة الدكتور الجيلالي العدناني، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة محمد الخامس، بتناولها الأرشيفات الفرنسية ومدى ارتباطها بالوحدة الترابية المغربية، حيث استهل المؤرخ والأكاديمي باعتباره أحد أبرز المراجع المغربية في هذا التخصص والذي حلل العديد من الوثائق الأرشيفية السرية التي تمكن منها في ثمانينات القرن الماضي عبر عدد من الدراسات التي أنجزها، آخرها "الصحراء المغربية على محك الاستعمار : دراسة من خلال الأرشيفات الفرنسية السرية"، (استهل) حديثه بالإشارة إلى أهمية تصنيف وفهرسة الأرشيفات التي توصل بها المغرب مؤخرا أو التي سيتوصل بها لاحقا قبل البدء في استقدامها ودراستها، مشددا على ضرورة تحديد المراكز الرئيسية للأرشيفات التي يمكن أن تحمل وثائق ذات صلة، مثل مركز الأرشيف الاجتماعي في مدينة "إيكس-أون-بروفانس"، وأرشيف وزارة الخارجية الفرنسية، فضلا عن المراكز الأرشيفية الإفريقية في داكار وباماكو ونواكشوط.
وأوضح العدناني أن عملية تحرير هذه الوثائق شهدت تسارعا ملحوظا منذ العقد الأخير، حيث أصبحت متاحة بشكل أكبر أمام الباحثين المغاربة، مؤكدا أنها تكشف عن ثلاث مراحل رئيسية تتعلق بالصحراء المغربية: مرحلة ما قبل الاحتلال، ومرحلة الاحتلال، ومرحلة ما بعد الاستقلال. وأضاف أن هذه الوثائق تسلط الضوء على تطور الخطابات الفرنسية حول الصحراء، بدءا من مواقف الجنرال ليوطي والحاكم أندري بونامي، وصولا إلى رؤى قادة فرنسا الحديثين مثل جاك شيراك انتهاء بإيمانويل ماكرون.
وأشار العدناني إلى أن تحليل هذه الخطابات يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الجهة التي صدرت عنها، سواء كانت وزارة الخارجية، أو وزارة الدفاع، أو شخصيات عسكرية، معتبرا أن فهم السياقات والأنساق المختلفة لهذه الخطابات يساهم في تعزيز الموقف المغربي أمام المجتمع الدولي.
الدكتور محمد كنبيب: مساهمة المغاربة في الحروب العالمية
من جانبه، ركز الدكتور محمد كنبيب، المؤرخ المتخصص في التاريخ المعاصر، على الأدوار البطولية التي لعبها الجنود المغاربة في الحربين العالميتين الأولى والثانية. وأكد أن هذه المشاركة لا تُبرز فقط العلاقات العسكرية بين البلدين، بل تعكس أيضا عمق الروابط التاريخية التي تمتد لقرون منذ عهد الملك الفرنسي لوي الرابع عشر.
وأشار كنبيب إلى أن الجنود المغاربة كانوا جزءا من القوات التي ساهمت في تحرير فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، حيث كانت أولى القوات التي دخلت مدينة مارسيليا تتألف من أغلبهم وكانوا في الطلائع الأولى لتلك القوات المحررة للمدينة.
وأوضح الأكاديمي، أن هذا الدور التاريخي يستحق أن يبرز بشكل أكبر، ليس فقط في المناهج الدراسية والأكاديمية المغربية، بل أيضا في السياق الفرنسي، لتذكير الأجيال الفرنسية بالتضحيات التي قدمها المغرب في سبيل استقلال فرنسا.
وفي معرض حديثه عن التاريخ الطويل للعلاقات بين البلدين، ذكر كنبيب العلاقات الدبلوماسية التي جمعت المولى إسماعيل بلوي الرابع عشر، مؤكدا أن هذه العلاقات شهدت تطورا تدريجيا عبر العصور، رغم التحديات السياسية والاقتصادية التي تخللتها.
نوريا زندافو: توثيق الذاكرة المشتركة
بدورها، قدمت نوريا زندافو، رئيسة جمعية "ذاكرة المغرب وفرنسا"، مداخلة حول أهمية توثيق العلاقات التاريخية بين البلدين من خلال المبادرات الثقافية والتعليمية، مشيرة إلى أن الجمعية تعمل على إبراز مساهمة المغاربة في الحروب العالمية كجزء من الإرث المشترك الذي يعزز الروابط بين الشعبين.
وأوضحت زندافو أن الجمعية تسعى إلى تنظيم معارض وندوات لتعريف الجيل الجديد من الجالية المغربية المقيمة في فرنسا وباقي المواطنين الفرنسيين من الجيل ذاته، بأهمية هذه الروابط، ودعت إلى تعزيز التعاون بين المؤسسات المغربية والفرنسية لإبراز هذا الجانب التاريخي، كما أكدت على ضرورة الاحتفاء بالمناسبات المشتركة التي توحد البلدين، مثل الاحتفال بتضحيات الجنود المغاربة في تحرير فرنسا.
أبعاد متعددة للعلاقات المغربية الفرنسية
إلى جانب المداخلات، أثارت النقاشات العامة العديد من القضايا المتعلقة بتاريخ العلاقات المغربية الفرنسية، حيث تم التطرق إلى دور الأرشيف في كشف حقائق تاريخية ظلت مغيبة لعقود، إضافة إلى أهمية إعادة قراءة تاريخ الحماية الفرنسية على المغرب من منظور نقدي يراعي مصالح البلدين.
وأجمع المشاركون على أن العلاقات بين المغرب وفرنسا ليست مجرد علاقات سياسية أو اقتصادية، بل هي علاقات إنسانية وثقافية عميقة الجذور. وقد اتفق الجميع في توصياتهم على أهمية استثمار هذا التاريخ المشترك لتقوية الشراكة الحالية بين البلدين، في ظل التحديات الإقليمية والدولية الراهنة.
كما دعت توصيات الندوة إلى تعزيز التعاون الأكاديمي بين المؤسسات المغربية والفرنسية لإتاحة الوصول إلى الأرشيفات التاريخية، ودعم الأبحاث المشتركة التي تعزز فهم الروابط بين البلدين. كما تم التأكيد على ضرورة إبراز دور المغاربة في الحروب العالمية بشكل أكبر، سواء عبر المناهج التعليمية أو في وسائل الإعلام.