Quantcast
2025 أغسطس 5 - تم تعديله في [التاريخ]

خواطر تسر الخاطر


خواطر تسر الخاطر
العلم - بقلم أحلام لقليدة

فلسفة الحياة والموت اختزال روحاني لمدارك النفس البشرية، المشرئبة دوما لينابيع متجددة، تروي بها شرايين القلوب والأفئدة، مهما بلغت طبيعتها ودرجات المحرك لها، وإن كان لحنا حزينا أو حدثا مؤلما، أو موقفا ساخرا، أو حدثا صاعقا تهتز له المشاعر والأحاسيس، بنبضات متسارعة الخفقان، لتوقظ ما أخمدته عواتي الزمن ومشاغل الحياة من حس إنساني.
 
عند كل فقد جلل، يسمو كل الراحلين والراحلات، ويتربعون على عرش القلب، ليس فقط كذكرى أليمة وحسرة دفينة وإنما كضمائر حية، بصمت على حضور متواصل رغم الغياب، بمواقفها المشرفة وإبداعها الجميل وحسها الإنساني النبيل.
 
رحيل زياد عاصي الرحباني المفاجئ، الذي أعادني إلى استحضار كل الغائبين، كان له الوقع البالغ في النفوس، شرقا وغربا، بعدما انتشر الخبر المؤلم بسرعة البرق، ليصل إلى أقصى رقعة في العالم. وبقدر ما أثلج صدري هذا الاهتمام بموت فنان، وخفف عني بعضا من وجع الغياب، بقدر ما جعلني أحس بنوع من الأسف على أحوالنا نحن المغاربة، مع فناناتنا وفنانينا وأديباتنا وأدبائنا أحياء وأمواتا، وكيف يمر الحدث خاطفا في نشرات الأخبار، ليدخل دائرة النسيان، قبل أن تندمل الجراح، وتجف تربة الفقيد.      
 
موت زياد الفنان غيب معه كل الاختلافات السياسية والدينية والمذهبية والطائفية، كعنوان للتسامح والتآخي، وسمو ثقافة الاعتراف، حيث تفاعلت معه الساحة اللبنانية والعربية والعالمية بحب وتأثر بالغ، يبعث على التفاؤل والأمل في أن مكانة الفنان بالمجتمع، ما زالت تحتفظ بإشعاعها الذي يتجاوز كل الآفاق والحدود، بكلماته وإبداعاته الراقية، عزفا ولحنا، ومواقفه الجريئة، التي جلبت له متاعب جمة، كان أشدها تأثيرا، مع والدته فيروز، حيث دامت القطيعة بينهما ثلاث سنوات، ناهيك عن أفكاره ومواقفه في الحب والحياة، التي كانت مثيرة للجدل ومساره الفني الحافل بالعطاء المتعدد ككاتب كلمات وكعازف وكملحن وكموزع موسيقي، وكمسرحي وكفاعل في قضايا السياسة والمجتمع، مما بوأه مكانة رفيعة في نفوس وقلوب الملايين.
 
إنها رسالة أخرى بليغة في قدرة الفن والأدب على تقوية أواصر الانتماء الهوياتي والعربي والإنساني، بقصيدة أو أغنية معبرة، تهتز لها المشاعر والأحاسيس، لتعزف لحنا جديدا وموحدا، في سمفونية الحياة مترامية الأطراف والأطياف، رسالة بدون عنوان ولا وسيط تخترق المسافات وتظل متغلغلة في النفوس عبر كل الأازمنة، كموروث ثقافي وفني يوثق لهذه المرحلة أو تلك من تاريخ البشرية. فكل منا يرى فيها أحلامه، وحبه الصادق لوطنه الغالي أو رحلة من محطات العمر، وهي تنساب دافقة يوما بعد يوم، سنة بعد سنة، منتشية بجرعات من الأمل على إيقاع لحن الحياة.
 
فما أحوجنا اليوم لرموز تؤسس لهذا المبتغى الإنساني، وتجسد الايمان والحياة والوطن والحب.. رموز نحيا بها ..كتابا، شعراء، فنانين.
علامات بارزة تكون بمثال القدوة والمثال بعيدا عن أزمنة التناسي والتراشق المجاني وتسويق الميوعة. لينتصر الجمال الإنساني فينا الذي هو أساس الخلق والطبيعة.
 
من منا لم يستيقظ على صوت فيروز الملائكي صباحا وهي تصدح:
 
نسم علينا الهوا من مفرق الوادي
يا هوا دخل الهوا خذني على بلادي
 
فالوطن بيتنا الكبير، وان كنا لا نسكنه، سيظل ساكنا فينا بكل تفاصيله الدقيقة، وما أصعب لوعة الفقد والشوق والحنين إلى كل الغائبات والغائبين، الذين لا يزالون حاضرين بيننا رغم الغياب.

ٍٍالفنان الراحل زياد عاصي الرحباني
ٍٍالفنان الراحل زياد عاصي الرحباني

              



في نفس الركن
< >

الثلاثاء 5 أغسطس 2025 - 20:27 "ألو ريضال"... هل من مجيب؟
















MyMeteo




Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار