
العلم:شيماء اغنيوة
سجل الاقتصاد الوطني تسارعًا ملحوظًا خلال الفصل الأول من عام 2025، محققًا نسبة نمو بلغت 4,8 % على أساس سنوي، مقابل 4,2 % في الفصل السابق. ويُعزى هذا التحسن إلى الانتعاش الكبير في الأنشطة الفلاحية، والدينامية المتواصلة في الفروع الثانوية والثالثية، لا سيما قطاعات المعادن (6,7 %)، البناء (6,3 %)، السياحة (9,7 %)، والصناعات الكيماوية (6,8 %).
كما ساهمت دينامية الطلب الداخلي بقوة في هذا النمو، حيث ارتفع استهلاك الأسر بنسبة 4,4 %، مستفيدًا من تحسن الدخل وفرص التشغيل. وارتفع كذلك الاستهلاك العمومي بـ5,2 %، مدفوعًا بزيادة نفقات السلع والخدمات.
وفي هذا السياق أكد الخبير الاقتصادي بدر الزاهر الأزرق، في تصريح ل»العلم» أن تقرير الظرفية الاقتصادية الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط يعكس تحولات جوهرية طرأت على مستوى الأداء الاقتصادي والتجاري الوطني.
وأوضح الأزرق أن المغرب يشهد في الفترة الأخيرة تراجعا نسبيا في كفة الصادرات، نتيجة التأثيرات المباشرة للسياق الدولي المتوتر، لا سيما النزاع في الشرق الأوسط، وعمليات القرصنة والتهديدات التي تطال الخطوط البحرية التجارية في عدد من المضائق الكبرى، إلى جانب تبعات السياسة الأمريكية تجاه الصين في عهد ترامب.
وبالمقابل، سجلت السوق الداخلية أداء جيدا، حيث شهدت عدة قطاعات اقتصادية، على رأسها الفلاحة، انتعاشا ملحوظا. وفي هذا السياق، توقع الأزرق أن يتراوح معدل النمو السنوي للموسم الفلاحي بين 4 و4,6 في المئة، وهي نسبة تعد إيجابية مقارنة بالسنوات الماضية.
وأشار إلى أن عودة القطاع الفلاحي إلى تسجيل مؤشرات إيجابية أسهمت في تعزيز صمود الاقتصاد الداخلي، وتعويض جزء من الخسائر المسجلة في السنوات الماضية على مستوى الصادرات الخارجية. كما لفت إلى الأداء الجيد الذي شهده قطاع الصناعات التحويلية وقطاع البناء والعقار، وهو ما يعكس نجاعة السياسة المغربية في ما يخص تشجيع الاستثمار من خلال تخفيض نسب الفائدة وتسهيل الحصول على القروض الموجهة للمقاولات.
وفي ما يتعلق بالصناعات الاستخراجية، أشار الأزرق إلى أن سنة 2025 عرفت ارتفاعًا في الطلب على الفوسفاط الخام، مما ساهم في تحقيق أداء متميز لهذا القطاع. كما أن الأشغال العمومية، المرتبطة بالمشاريع الكبرى كبناء الطرق والملاعب، لعبت دورًا مهمًا في تشجيع الاستهلاك الداخلي وخلق مناصب شغل جديدة، ما انعكس إيجابًا على نمو الاقتصاد الوطني.
وختم الأزرق تصريحه بالتأكيد على أهمية قطاع الخدمات والسياحة، الذي لا يزال يلعب دورًا محوريًا في دعم النمو الاقتصادي وتخفيض نسب البطالة، مشددًا على أن هذه الدينامية العامة تبرز قدرة الاقتصاد المغربي على التكيف مع التحولات الدولية ومواصلة مسار التعافي.
وحسب ذات التقرير. فقد عرف الاستثمار انتعاشًا محسوسًا بنسبة 17,5 %، مقابل 12,3 % في الفصل السابق، مدفوعًا بالمشاريع الكبرى في البنية التحتية، خصوصًا في قطاعي الماء والبناء، بينما بقي الاستثمار الصناعي متواضعًا. وبلغت مساهمة الطلب الداخلي في الناتج الداخلي الإجمالي حوالي 8,5 نقطة، وهو من أعلى المستويات منذ فترة ما بعد الجائحة.
في المقابل، سجل الطلب الخارجي مساهمة سالبة بـ3,8- نقاط. فقد تباطأ نمو الصادرات إلى 2,2 % مقارنة بـ9,8 % سابقًا، متأثرة بانخفاض الطلب الأوروبي، بينما ارتفعت الواردات بنسبة 9,8 % نتيجة انتعاش الطلب على مواد التجهيز والاستهلاك.
كما عرفت المداخيل المحصلة من طرف الإدارات العمومية نموًا كبيرًا بلغ 21,6 %، إلا أن وتيرة نمو النفقات تجاوزت نمو الناتج الداخلي، مما زاد من حاجيات الاقتصاد للتمويل بـ3 نقاط مقارنة بسنة 2024، بسبب تفاقم احتياج المقاولات.
تشير التقديرات إلى أن الاقتصاد الوطني واصل نموه خلال الفصل الثاني من 2025 بنسبة 4,6 %، بفضل الأداء القوي لقطاع الخدمات وارتفاع صادرات الفوسفاط نتيجة الطلب العالمي. كما انتعش قطاع البناء بنسبة 6,8 %.
فيما استقرت القيمة المضافة للفلاحة عند نمو قدره 4,7 %، رغم التفاوت المناخي في موسمي الخريف والربيع. ومن المتوقع أن يكون إنتاج الحبوب والخضروات الموسمية قد استفاد من المناطق المروية ودعم الدولة، في حين تراجع الإنتاج الحيواني، خاصة تربية المواشي، منذ 2022.
ساهم استهلاك الأسر مجددًا في دعم النمو، مع عودة تدريجية إلى مستويات ما قبل جائحة كوفيد. وبلغت مساهمة الطلب الداخلي 7,7 نقطة، بينما بقي الطلب الخارجي سلبيًا بـ3,1- نقطة.
شهد الاستهلاك العمومي تباطؤًا طفيفًا بلغ 5 %، بينما استقرت الاستثمارات العمومية، وعرفت استثمارات القطاع الخاص دينامية إيجابية.
شهد الفصل الثاني من 2025 انخفاضًا في معدل التضخم الأساسي إلى 1,1 % لأول مرة منذ 2021، مع ارتفاع طفيف في أسعار الاستهلاك بنسبة 0,8 %. ويعزى هذا الانخفاض إلى تحسن عرض بعض المنتجات الغذائية، وتراجع أسعار الطاقة بنسبة 2,2- %.
ارتفعت القروض الموجهة للاقتصاد بنسبة 7,5 %، خصوصًا في مجالات التجهيز والعقار. وساهم تراجع احتياج البنوك للسيولة وتحسن الاحتياطات الرسمية (9,5 %) في دعم الاستقرار النقدي.
أما في سوق الأسهم، فقد واصل مؤشر «مازي» ارتفاعه بنسبة 37,6 % على أساس سنوي، بفضل ثقة المستثمرين، خصوصًا في شركات المعادن والعقار.
يتوقع أن يشهد الفصل الثالث من 2025 نموًا بنسبة 4,4 %، مدعومًا بالطلب الداخلي (6,6 نقطة)، واستمرار انتعاش الاستهلاك والاستثمار. بينما يتوقع تراجع طفيف في الأنشطة غير الفلاحية إلى 4,2 %.
من المرتقب أن يبقى التضخم تحت السيطرة عند 1,1 %، بفضل استقرار أسعار النفط وتحسن العرض الغذائي.
يظل سيناريو النمو محفوفًا بالمخاطر، أبرزها التوترات التجارية العالمية، وخاصةً الرسوم الأمريكية الجديدة على أوروبا، مما قد يؤثر سلبًا على الصناعات المغربية الموجهة نحو التصدير (السيارات، الصلب، النسيج).
كما تظل الفلاحة معرضة لتقلبات مناخية قد تُفاقم تراجع الإنتاج الحيواني في حالة موجات حرارة قوية.
ورغم هذه التحديات، يُمكن لانتعاش قطاع الصناعات الغذائية، خاصة تحويل الحبوب وتعليب الأسماك، أن يُعزز النشاط الصناعي. كما قد يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 70 دولارًا إلى تخفيف الضغط على كلفة الإنتاج، مما يُساهم في دعم النمو الاقتصادي.