
الرباط: أنس الشعرة
في تحليل استراتيجي صدر عن معهد أبحاث الهجرة ببروكسيل، تحت عنوان «المغرب عند مفترق طرق» (Morocco at Crossroads)، يقدم الباحث أندريا بيانكي رؤية معمقة لوضعية المغرب الجيوسياسية والاقتصادية، ويؤكد أن المملكة المغربية باتت تحظى باهتمام متزايد من قبل القوى الكبرى، لما تمثله من نقطة استقرار نادرة في منطقة مضطربة.
ويشير التقرير إلى أن المغرب، ورغم التوترات المستمرة مع الجارة الجزائر، يظل الدولة الأكثر استقراراً في شمال إفريقيا، ويحظى بدعم شبه غير مشروط من الولايات المتحدة. هذا الدعم شمل الاعتراف بمغربية الصحراء من قبل إدارة ترامب، وتبعتها فرنسا وبريطانيا، فيما يُرتقب أن تحذو روسيا والصين حذوهما، مما سيكرّس وضعاً جديداً في موازين القوى داخل مجلس الأمن.
التحليل يبرز أن المملكة باتت منصة صناعية واعدة في مجال الطاقة النظيفة، خصوصاً في ما يتعلق بصناعة بطاريات السيارات الكهربائية. شركات عملاقة من قبيل CNGR الصينية، وLG Chem الكورية، وHuayou Cobalt، استثمرت مليارات الدولارات في المغرب، لما يوفره من موقع جغرافي استراتيجي، وقوانين استثمار مرنة، وقرب من السوق الأوروبية. ويُتوقع أن تنتج هذه المشاريع ما يعادل مليون سيارة كهربائية سنوياً، وفق ما نقله بيانكي عن مدير فرع CNGR في أوروبا.
وإلى جانب الطموحات الصناعية، يحتفظ المغرب بورقة رابحة أخرى: وهي الفوسفاط إذ يمتلك 70% من الاحتياطي العالمي، ما يجعله منافساً مباشراً لدول مثل إندونيسيا في سوق البطاريات من الفئة المتوسطة والمنخفضة، لاسيما في ظل السعي العالمي نحو فك الارتباط الطاقي عن الفحم.
وبحسب التقرير، تظل العلاقة مع الصين معقدة، إذ أن المغرب، رغم تعاونه الصناعي معها، يفرض قيوداً جمركية صارمة على المنتجات القادمة من مناطق التجارة الحرة، ما يعيق نماذج التصنيع الصينية التقليدية. وفي المقابل، تستفيد الرباط من اتفاق التبادل الحر مع الولايات المتحدة لتعزيز موقعها التصديري رغم القيود الجديدة التي فرضتها واشنطن على المنتجات الآسيوية.
وفي سياق موازٍ، يتناول التقرير قطاعات أخرى واعدة في الاقتصاد المغربي، أبرزها النظام المصرفي، الذي خضع لإصلاحات منذ تسعينيات القرن الماضي، ويعد من بين الأكثر تطوراً في إفريقيا. ويضم المغرب اليوم ثلاث بنوك ضمن العشرة الأوائل في القارة، تعمل في أكثر من 22 دولة إفريقية. كما يتوسع النفوذ المغربي ليشمل قطاعات الفلاحة، والأسمدة، والصناعات الصيدلانية.
وعلى المستوى الدبلوماسي، يُسجَّل تقارب متزايد مع فرنسا في الشهور الأخيرة، ترجمته الزيارة الثقافية للرئيس ماكرون لجناح المغرب في معرض الكتاب بباريس، ثم مشاركة وزارية مغربية رفيعة في الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للكتاب بالرباط.
هذا الحراك الثقافي رافقته مؤشرات استثمار فرنسية في مشاريع حيوية بالمناطق الجنوبية، من بينها خط كهرباء الداخلة-الدار البيضاء وخط الغاز المغرب-أوروبا، بحسب ما أعلنه الوزير الفرنسي للتجارة الخارجية.
ومن جهة أخرى، يربط التقرير بين مشاريع البنية التحتية المغربية جنوباً والتوترات مع الجزائر، خاصة في ما يتعلق ببناء سدود قرب الحدود، مما يثير مخاوف جزائرية حول مصير مناطق مثل بشار، التي تضم جامعة كبرى وقاعدة عسكرية.
وفي الشق الأمني، ينتقد البيانكي تقليص الحضور الدبلوماسي الأوروبي في إفريقيا، محذراً من تداعيات ذلك على ملف الهجرة، إذ تشكل الفئة العمرية بين 15 و30 عاماً غالبية المهاجرين القادمين من دول الساحل، بعضهم عرضة للتأطير الأيديولوجي المتطرف. ويرى أن المغرب يمثل حاجزاً أمنياً فعالاً في مواجهة هذه التحديات، مقارنة مع هشاشة الوضعين الجزائري والتونسي.
ويخلص التقرير إلى أن المغرب، في ظل هذه التحولات، بات يحتل موقعاً فريداً يجمع بين الاستقرار السياسي، والطموح الصناعي، والانفتاح الدبلوماسي متعدد الأقطاب. وهو ما يجعل منه فاعلاً مركزياً في معادلة المتوسط وإفريقيا، وشريكاً لا غنى عنه في تدبير ملفات الهجرة، الأمن، والطاقة، في سياق عالمي بالغ التعقيد.