
اشتمل الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان ، على مفاهيم دستورية وسياسية واجتماعية انفرد بها في صياغتها الجديدة ، وسدت فراغاً في المفردات المتداولة في مجال الدراسات الفكرية والأكاديمية ، وفي نحت المصطلحات في حقل العلوم السياسية والقانونية و الاقتصادية ، منها تأطير المواطنين ووضعهم في صورة عمل السلطات العمومية ، وترسيخ ثقافة النتائج ، إعمالاً لمقتضيات الفصل 27 من الدستور الذي ينص على أن ( للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية ، والمؤسسات المنتخبة ، و الهيئات المكلفة بمهام المرفق العام (.
وقد شدد الخطاب الملكي على ضرورة إعطاء عناية خاصة لتأطير المواطنين والتعريف بالمبادرات التي تاخذها السلطات العمومية ، وبمختلف القوانين والقرارات ، لاسيما تلك التي تهم حقوق وحريات المواطنين بصفة مباشرة . والرسالة هنا ليست موجهة إلى الحكومة وحدها ، و إنما هي موجهة للجميع، وفي مقدمتهم البرلمانيون ، لأنهم يمثلون المواطنين ، بقدرما هي مسؤولية الأحزاب السياسية والمنتخبين بمختلف المجالس المنتخبة ، وعلى جميع المستويات الترابية ، إضافة إلى وسائل الإعلام وفعاليات المجتمع المدني وكل القوى الحية للأمة .
فمسألة تأطير المواطنين تتجاوز الفصل 7 من الدستور، الذي ينص على أن الأحزاب السياسية تعمل على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي ، وتعزيز انخراطهم في الحياة العامة ، وفي تدبير الشأن العام ) ، لتشمل الجميع طالما الهدف هو تنوير الرأي العام ، ونشر ثقافة المشاركة في الحياة العامة .
والتعريف بالمبادرات التي تتخذها السلطات العمومية ، هو الركن الأساس في تأطير المواطنين ، حتى لا تظل هذه السلطات تخاطب نفسها ، و يبقى المواطنون خارج التغطية ، مما يؤدي إلى إحداث القطيعة بين الجانبين ، وهو ما يشكل النفور من السلطات الحكومية ، و العزوف عن المشاركة في الاستحقاقات بأنواعها . وهي حالة تفرز الاختلال في التوازن القائم بين المواطنين والمواطنات وبين المؤسسات الدستورية ، ينبغي أن لا تكون
.
.
ولئن كانت الحكومة تواصل بذل جهودها على جميع المستويات ، للمضي قدماً في تنفيذ برنامجها ، وتستعد اليوم لتنزيل الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية ، طبقاً للتوجيهات الملكية السامية ، سواء في خطاب يوم الجمعة الماضي ، أو في خطاب العرش بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لاعتلاء جلالة الملك العرش المجيد ، فإن الواقع على الأرض يثبت أن القرارات المهمة و المبادرات الكبرى والقوانين المتخذة ، لا تصل مضامينها و الأهداف المتوخاة منها ، إلى عموم المغاربة ، وبالقدر الكافي من الوضوح والشرح والتعريف .
أما الدعوة التي وجهها الخطاب الملكي السامي ، إلى جميع الفاعلين للعمل على ترسيخ ثقافة النتائج ، بناء على معطيات ميدانية دقيقة ، واستثماراً أمثل للتكنولوجيا الرقمية، فهي الإعلان عن انطلاق مرحلة جديدة من العمل القائم على الدراسات العلمية ، وعلى الرؤية الاستشرافية في إعداد المشاريع الكبرى وبناء الأوراش الاستراتيجية ، انطلاقاً من الحرص الشديد على تحديد الأهداف المنشودة ، وضمان الاستفادة المؤكدة من ثمار هذه المشاريع . وهو ما يعد نقلة نوعية في رسم الاستراتيجية الخاصة بالتنمية الترابية ، التي تنبني على التخطيط العلمي والهندسة الواقعية والتدبير العقلاني . وتلك هي مقومات ثقافة النتائج ، كما نقرأ ملامحها في الخطاب الملكي السامي .