Quantcast
2022 سبتمبر 11 - تم تعديله في [التاريخ]

محطات بارزة ورحلة كفاح خالدة

جريدة "العلم" 76 سنة من العطاء في بلاط صاحبة الجلالة


العلم الإلكترونية - نهيلة البرهومي

"في آخر صفحة من هذا العدد الخاص أستقبل خمسين سنة الثانية من عمر العلم الزاهر، ولأمر ما اخترت أن يكون حديثي في آخر صفحة منه، وكل صفحاته مغرية بأن تكون فضاء لهذا الحديث. فقد علمتني الصحافة أن أخطط للمستقبل. عددا من الصحيفة يدفع عددا إلى عالم الماضي ليفسح المجال إلى عدد عالم المستقبل. وأيامنا في العلم متدرجة يوما على الأقل. فنحن نقول "اليوم" ونقصد "غدا" فاليوم بالنسبة إلينا أصبح ماضيا دفناه، والغد هو الذي نعيشه ونخطط له ونخاطب قراءنا وكأنهم يعيشون معنا فيه. وحينما نكتب يوم الثلاثاء مثلا لا نقول: غدا الأربعاء، ولكن نقول اليوم الأربعاء... هكذا تعلمنا الصحافة أن نتطلع إلى المستقبل". 
 
                               الأستاذ عبد الكريم غلاب
 
ونحن نكتب هذه السطور احتفاء بـ "العلم" في عيد ميلادها 76، الذي صادف اليوم الأحد ارتأينا أن نستحضر ما كتبه الراحل عبد الكريم غلاب، في عموده "حديث الأربعاء" وتحديدا في عيد الميلاد الـ 50 لـ"العلم"، وقد عنون الراحل عموده بـ" خمسون المستقبل..." وكأنه يريد أن يخبر عشاق هذه الجريدة الوطنية أنها باقية وإن تغير الزمان والأشخاص، فأوصى من يحملون مشعل الجريدة الغراء بعده أن يتطلعوا نحو المستقبل. 
 
أقلام كثيرة بصمت تاريخ "العلم الغراء"، وكانت مدرسة ألقيت فيها ملايين المحاضرات، وتخرج منها كبار الصحافيين المغاربة، فلا يكفي أن تكون كاتبا لتصبح من أقلامها بل ينبغي أن تجمع ما بين الكتابة الصحافية والمواطنة، أن تكون كاتبا صحافيا مواطنا قبل كل شيء. في هذا الركن سوف نستحضر مع قرائنا الكرام بعض أبرز محطات "العلم" بداية من أول مادة خضعت للرقابة مرورا برحلة الكفاح من أجل الاستقلال، وُصولا إلى أول إمرأة سجلت اسمها في صفحات "العلم"، وتحديدا في الوقت الذي كان المستعمر يقمع كل محاولة من أجل تمكين النساء المغربيات من التعليم والتعبير عن الرأي. 
 

أول مادة خضعت للرقابة في "العلم" كانت عن تونس

مع تأسيس جريدة "العلم" في 11 شتنبر 1946 كان الظهير الخاص بالرقابة (تفننت الإدارة الفرنسية، منذ أن سمحت بإنشاء الصحف الوطنية في 1933، في محاربة الكلمة التي يكتبها رواد الحركة الوطنية في صحفهم، لأنها كانت تعلم أن ما يكتب في الصحف يكون له صدى لدى المغاربة الذين تزيدهم الكلمة حماسا وقوة، لهذا عملت السلطة الفرنسية على إصدار ظهير بتاريخ 29/ 8/ 1939 تم بمقتضاه الشروع في مباشرة حذف المقالات والفقرات التي لا تناسب مزاج الإدارة الفرنسية)، أتم عامه السابع، وقد تناوب على مهمة الرقيب عدة رقباء عسكريين ومدنيين من بينهم الكولونيل شانكوي الذي تولى رئاسة تحرير جريدة "السعادة"، وكذا إدارة راديو ماروك، وهناك الرقيب محمد التمتماني وعبد الرحمان البيري وهو فرنسي أسلم وعمل أستاذا في المدرسة العليا، وكانت مهمة الرقيب هي حذف المقالات أو تأجيل نشر بعضها حتى يستأذن السلطات الفرنسية التي تسمح بإصدار الخبر فيما بعد، أو منعه من النشر إضافة إلى جهاز المراقبة، كان الفرنسيون يتوفرون على مكتب الصحافة بالإقامة العامة، ودوره هو الكتابة إلى الصحف لحثها على نشر ردود الإقامة العامة أو بيان حقيقة، وتكلف بهذه المهمة في السنة الأولى لـ"العلم" المسير شامباز الذي كتب إلى "العلم" بخصوص حادث جرى بمدينة الجديدة يوم 30 غشت 1946 يهم انفجار مفرقعة، ونشر الخبر يوم 13 شتنبر 1946. 
 
ويعد أول مقال حذف وخضع للرقابة في "العلم" كان يوم صدور الجريدة في 11 شتنبر 1946 الموافق 15 شوال 1365 هـ، بالصفحة الثانية يخص بيانا جاء من الحزب الحر الدستوري التونسي حول حوادث 28 رمضان 1365 هـ، أما أول خبر وطني تم حذفه، في 7فيتعلق بمظاهرة نظمت بطنجة، ونشر الخبر في 13/ 9/ 1946. وبخصوص الكيفية التي تتم بها الرقابة، فإن العتابي ذكر في استجواب له لـ"العلم" "إن الجريدة عادة ما تكون مهيأة للطبع حوالي الساعة الثامنة والنصف مساء، وكان الرقيب يأتي في هذا الوقت ويقرأها، والمفروض أن يحذف في كل يوم عدة مقالات وأخبار، وكان الحذف بمعدل ثلاث مقالات في كل عدد، والواقع أن الرقيب لم يكن يلتزم بوقت معين، وفي بعض الأحيان كان لا يحضر إلى الجريدة لذا كانت تنقل إلى مكان وجوده. 

في واجهة الكفاح لتحقيق الاستقلال

تأسست "العلم" غداة خروج أفواج المكافحين من السجون بعد قضاء فترات اعتقالهم بسبب مطالبتهم بالاستقلال، وعودة بعض القادة من المنافي، مما شكل انفراجا جزئيا. وكان تأسيس "العلم" بمثابة عودة الروح أراد مؤسسوها أن تصبح سلاحا يقارعون به الاستعمار في ما هو آت من نضال لا محالة في سبيل الاستقلال وكذلك كان. 
 
لم يلبث أن احتدم النضال الوطني بعد الرحلة التاريخية للمغفور له محمد الخامس إلى طنجة وتعيين المريشال جوان مقيما عاما، واتباع هذا أسلوبا عنيفا ضد العرش والحركة الاستقلالية. فلم يجد ذلك، وظل محمد الخامس ثابتا في موقفه يوالي مطالبته بالخطب والمذكرات والبلاغات حكومة باريس بالاستجابة لرغائب شعبه الذي بقي صامدا في الكفاح. 
 
سجلت "العلم" وقائع نضال الملك والشعب على صفحاتها، وفيما يلي بعض مما سجلته في أوج الأزمة المغربية ـ الفرنسية منذ تعيين الجنرال كيوم مقيما عاما إلى نفي السلطان محمد الخامس رحمه الله ثم عودته إلى عرشه وعودة السيادة والاستقلال معه. 
 
ـ عدد "العلم" 1582 يوم 3/10/1951 : افتتاحية بعنوان "عهد جديد... أم مقيم جديد"، بمناسبة تعيين الجنرال كيوم.
 
ـ عدد 1584 يوم 5/10/1951: افتتاحية بعنوان "مقيم جديد" تعليق لاذع لما صرح به الجنرال كيوم من أنه جاء لاتباع الخطة التي رسمها المقيمون السابقون...
 
ـ العدد 1585 يوم 6/10/1951 : افتتاحية بعنوان "نعم في المغرب أزمة"، رد على خطب الجنرال كيوم الذي نفى أن تكون هناك مشاكل في المغرب جوابا على رفع القضية المغربية إلى هيئة الأمم المتحدة. 
 
ـ العدد 1586 يوم 7/ 10/ 1951: برقية وزير خارجية مصر محمد صلاح الدين إلى تريجف الأمين العام للأمم المتحدة. 
 
ـ العدد 1588 يوم 10/10/1951: افتتاحية من توقيع قاسم الزهيري بعنوان " لتهنأ مصر في الحال والمال"، بمناسبة قرار حكومة القاهرة إلغاء معاهدة 1936. 
 
ـ العدد 1589 يوم 11/10/1951: افتتاحية من توقيع ق. ز بعنوان "بعد سنة"، مضمونها انصرام سنة على تقديم محمد الخامس مذكرة إلى الحكومة الفرنسية يطالبها بإلغاء الحماية. 
 
ـ العدد 1601 يوم 25/10/1951: افتتاحية من توقيع ق. ز تحت عنوان "أيهما نصدق: الأب الروحي.. أو الابن الروحي؟" في الرد على اتهامات الجنرال كيوم للزعيم علال الفاسي بالخروج عن الدين وخيانة البلاد والملك، والعنصرية، وإثارة الفتنة ضد اليهود..
 
ـ العدد 1623 يوم 18/11/1951: خاص بعيد العرش، افتتاحية بعنوان "سر ولاء الشعب".

صفحة المرأة في "العلم"

اهتمت "العلم" منذ نشأتها بأوضاع المرأة المغربية باعتبارها المدرسة الأولى للأطفال، وكان وراء اهتمام "العلم" بالقضية النسائية عدة عوامل، أولها التأكيد على أن هذا الاهتمام لم يكن وليد سنة 1947، بل يعود إلى 1934 حيث يوجد فصل كامل في دفتر مطالب الشعب المغربي الذي قدمه أعضاء كتلة العمل الوطني إلى جلالة الملك محمد الخامس، يتعلق بتعليم البنات. 
 
كان من الطبيعي، أن تتجاوب "العلم" مع هذا الجو الداعي إلى تعليم الفتاة رغم معارضة الإدارة الاستعمارية وأذنابها. لذلك قامت "العلم" في بداياتها الأولى بنشر مقال لسيدة من تطوان وقعته بـ "الفتاة المغربية" وعنوانه "النهضة النسائية في شمال المغرب"، وقد أكدت الأستاذة زكية داود من جهتها أنه في سنة 1946 سنة تأسيس العلم ـ بلغ عدد الفتيات في 32 مدرسة ابتدائية 7000 فتاة. 
 
ومع بداية 1947، بدأت العلم تنشر زاوية خاصة بالمرأة، بدأت يوم الأحد 23 فبراير 1947، حيث تم نشر قصيدة للأستاذ عمر البارودي تحت عنوان "الفتاة"، غير أن هذه الزاوية لم توقعها المرأة إلا في عدد 6 مارس 1947 من طرف السيدة مالكة الفاسي مما جعل الباحثين يؤرخون لصفحة المرأة ابتداء من مارس 1947، وعهدت هذه الزاوية في البداية لشمس الضحى البوزيدي التي كانت توقع مقالاتها بـ"أم البنين"، تيمنا بالسيدة أم البنين التي أسست جامعة القرويين بفاس، وابتداء من يناير 1950 تكلفت بالصفحة النسائية أمينة السراج. 
 
ويذكر أنه منذ شهر مارس 1947 شرعت الفتيات يكتبن المقالات في العلم، كما أن الجريدة شرعت في تغطية النشاط النسوي على الصعيد الرسمي، وعلى صعيد الجمعيات النسائية.  

لن ننساهم

في ختام هذه المادة التي حاولنا جاهدين تسليط الضوء من خلالها على أهم محطات "العلم" هذا الصرح الإعلامي الذي رافقنا لأزيد من 75 سنة، اخترنا أن نعيد نشر مقالة من أرشيف "العلم" بعنوان "لن ننساهم"، وتحديدا في العدد 16938 بتاريخ الأربعاء 26 ربيع الثاني 1417 الموافق 11 شتنبر 1996، وتقول: 
 
"أسماء كبيرة عرفتها ردهات العلم وصفحاتها. أسماء أغنت الساحة الثقافية والفضاء الإعلامي المغربي. هم كثيرون، فارقونا وتركوا بصماتهم في سجل الصحافة المغربية محفوظا في مجلدات العلم. 
 
نتذكر الأستاذ عبد الجليل القباج، أول مدير لـ"العلم" في الأيام الصعبة، وإلى جواره عبد اللطيف العتابي يده اليمنى، نتذكر المعلم إدريس العوفير، يتحرك في المطبعة يعلم ويوجه ويتدخل، ينام على الورق في انتظار حضور "المراقب" ليحذف ويملأ صفحات "العلم" بذلك البياض الشجاع، فكتاب العلم كانوا متحررين من كل رقابة ذاتية، ويتركون أمر "الرقابة" لموظف الإقامة الاستعمارية الذي تزعجه دائما كلمات الاستقلال والحرية وحقوق الشعب المغربي. 
 
نتذكر عبد الكريم الفلوس، وللعلم في قلبه الكبير مساحة كبيرة، ونتذكر محمد المدور، و "حسناه} المشرقة. ونتذكر حسن التسولي، الرجل الذي لا ينام، حين يقرأ القارئ صفحة الدار البيضاء في العلم، يتصور أن طاقم مكتب البيضاء يتألف من عشرة رجال، وهو كان وحيدا ينجزها. نتذكر مصطفى الصباغ، بضحكته من القلب، بأسلوبه ولغته المتميزين، وبفكره الذي يسبق عمره، نتذكر حبيبنا حمادي العوفير، الذي سجلت آلة تصويره الأيام الدقيقة في بعض تاريخ المغرب الدقيق. نتذكر عبد الرحمان السايح، بخطه الصعب، وبكتاباته التي ينسجها من واقع المجتمع ومن شخصياته الطريفة الغريبة. نتذكر الصديق بلعربي، الصامت في نكران للذات قليل المثال، نتذكر محمد السوسي أبودرار، يطل على العلم بصفحته الفنية الخصبة، قبل أن ينتقل إلى باريس ليكون أول مايسترو مغربي بشهادة تخصص عليا. نتذكر ابن ادريس، يضع الورق المقوى بين السطور لينفخ حجم المقالة الصغيرة، نتذكر التهامي الرغاي، تشتغل يداه في تركيب الصفحة وتشتغل شفتاه بقراءة القرآن الكريم جهرا، نتذكر الطاهر بلعربي، في روحه العذبة المرحة. نتذكر محمد باهي، يخطو خطواته الأولى في درب طويل شاق يعطيه اسمه المتلألئ. نتذكر محمد ابراهيم الكتاني، الدقيق الحريص وهو يراجع ما يفد على الجريدة من مراسلات الأقاليم، كأنه يحقق مخطوطا ناذرا.
 

نتذكر، نتذكر

أولئك أحبابنا وأساتذتنا، وجوه الخير التي أضاءت للعلم مسيرتها: رحمهم الله، وجعلنا الآن، والقادمين غدا، أهلا لهذا الإرث العظيم". 
 

              
















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار