*العلم الإلكترونية: إيطاليا - عبد اللطيف الباز*
في مشهد استثنائي هزّ العاصمة الإيطالية روما، ارتفعت صرخة نساء الجالية المغربية في وجه موجة غير مسبوقة من العنف السيبراني، حيث وجدت عدد من المغربيات أنفسهن ضحايا لحملة تشهير شرسة يقودها شخص يُدعى “حديوي” عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتحديدًا تيك توك. القضية، التي تحولت في أيام قليلة إلى رأي عام داخل أوساط الجالية، لم تكن مجرد نزوة رقمية عابرة، بل كُشِف من خلالها عن حجم الانتهاك النفسي والمجتمعي الذي قد يُمارَس من خلف شاشة هاتف، والذي يمتد أثره إلى تدمير أسر، وتشويه سمعة، وتحطيم ما تبقى من ثقة كثيرات بأنفسهن وبالمحيط الذي يعيشن فيه.
في تسجيلات مصورة منشورة علنًا، تم استخدام صور نساء مغربيات دون إذنهن، وأرفقت بتعليقات تحمل تحقيرًا وشتائم تهدف إلى المس بكرامتهن، في تجاوز صارخ لأبسط حقوق الخصوصية والاعتبار الإنساني.
ووفقًا لبيان صادر عن مجموعة من الجمعيات المدنية المغربية النشطة في إيطاليا، فإن هذا الهجوم الرقمي الممنهج خلف أضرارًا حقيقية؛ منها حالات انهيار نفسي، تمزق أسر، وتراجع خطير في الإحساس بالأمان داخل مجتمع المهجر. وقد أشار البيان إلى أن هذه الممارسات لا تُرتكب بمعزل عن خلفيات سياسية مغرضة، بل تقف خلفها جهات تكنّ عداءً واضحًا للمغرب، وعلى رأسها الجارة الشرقية التي لا تتوقف عن محاولات بثّ الفتنة داخل الجاليات المغربية بالخارج، خاصة تلك التي تلعب دورًا وازنًا في تمثيل المغرب بصورة مشرّفة في الدول الأوروبية.
الجمعيات المغربية، التي وجهت نداء استغاثة للحكومتين المغربية والإيطالية، طالبت بتفعيل بنود اتفاقية التعاون القضائي والأمني بين الرباط وروما، والتي تتيح تبادل المعلومات والتحقيقات في الجرائم العابرة للحدود، ومن ضمنها الجرائم الإلكترونية. كما ناشدت السلطات المغربية تقديم طلب رسمي إلى الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) لملاحقة المتورطين، باعتبار أن ما حصل يدخل تحت طائلة “التحريض على الكراهية”، و”التشهير الممنهج”، و”انتهاك الحياة الخاصة”، وهي كلها جرائم يعاقب عليها القانون الإيطالي بموجب القانون رقم 71 لسنة 2017 المتعلق بالعنف الرقمي، والقانون الأوروبي العام لحماية المعطيات الشخصية GDPR.
فرغم ما تبذله الدولة المغربية من جهود لتعزيز مكانة المرأة داخل البلاد وخارجها، إلا أن قضايا الجالية لا تزال تعاني من التهميش، خاصة حين يتعلق الأمر بانتهاكات غير تقليدية مثل التشهير الرقمي، أو “القتل السيبراني” كما أسماه البيان. وفي خضم هذه الأحداث، برزت أصوات نسائية قوية داخل الجالية المغربية تؤكد أن هذه المعركة ليست معركة قانونية فقط، بل معركة وجود، وكرامة، وحق في أن تكون المرأة المغربية محترمة وآمنة مهما كان مكان إقامتها أو مستواها الاجتماعي.
لقد تحولت المنصات الرقمية إلى ساحات حرب نفسية تمارس فيها أشكال جديدة من العنف، لا تقل خطورة عن العنف الجسدي، بل قد تكون أشد ألمًا، لأنها لا تترك آثارًا على الجسد، ولكنها تُحدث شروخًا عميقة في الروح والذاكرة. هذه الصرخة الجماعية التي خرجت من روما اليوم هي دعوة للاستيقاظ، ليس فقط للحكومات والمؤسسات، بل لكل ضمير حرّ يدرك أن الكرامة الإنسانية لا تُجزَّأ، وأن حماية المرأة المغربية في المهجر مسؤولية وطنية قبل أن تكون مسألة قانونية أو دبلوماسية. فكرامة المغربيات هي من كرامة الوطن، وأي تساهل في الدفاع عنها، هو تساهل في الدفاع عن صورة المغرب نفسه.