Quantcast
2025 يونيو 20 - تم تعديله في [التاريخ]

كَفٌّ لِلَّطْم وأخرى نتوسّدُها للنّوم !

افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 19 يونيو 2025


كَفٌّ لِلَّطْم وأخرى نتوسّدُها للنّوم !
العلم - محمد بشكار

مِنْ ضُعْفنا لا نملك إلا أن نُحوِّل المأساة إلى تسلية، أن نشْفط الشيشة دخانا يأتي وآخر يروح، نُشاهد نهاية العالم في الصفِّ الأول على البلكون أو السطوح، تماماً كما يصنع الآن بعض الأهالي تحت سماء الأردن أو العراق أو سوريا ولبنان، يا لَهوْل الحِمَم التي تتقاذف هذه الأيام كما لو انفتحت أبواب جهنّم، هل ما يُحلِّق الآن فوق الرؤوس، صواريخ أمْ مُجرد ألسنة من لهبٍ تزغرد في ليلة العروس، تبدو وهي قادمة من الأراضي المحتلة أو بالعكس من إيران، أشبه بتنانين تضخُّ كرات النار، أمّا الفحيح فهو صفارات الإنذار، ما علينا، ومن حقِّ العقل الباطن للشعوب المقهورة، أن يلْتمس لمأزقه على درب الخيال، مَنْفذا للتعبير بسُخرية عمّا يقترفه مُجْرِمو الإنسانيّة والبادئ أظلَم، من حقِّه أن ينْعتق من الجسد على إيقاع رقصة الحرب، ومن حقِّ هذا العقل المُحاصَر منذ قطيع طويل، أنْ يتجمّل ويُصمِّم لزينته منْ كل ما يَنْهار بعْض الإكسسْوار، مِنْ حقِّ هذا العقل العربي المُدجّن في تفكيره الظاهر والباطن، أنْ يُحَيّي أول صاروخ كما لو يتودّدُ لامرأة في حفل: بُونْسوار !
 
ولا بأس أن يتَّخذ الشّاب الأردني من الصواريخ في ليلة دُخْلته، شُهُباً مجّانية كالتي تُزيِّن بألوانها أفْخم الأعراس، لا بأس أن يقْفز الطفل فرحا بالكعْكة، وهو يحْسب الصّواريخ المُوجّهة إلى أهداف لا تفرِّق بين الصديق والعدو، مُجرّد ألعاب نارية تفجرها العائلة احتفالا بعيد ميلاده، يا لفرحة الطفل، ينظر لهذه الصواريخ مُصفِّقاً لتدافعها الجحيمي أو الملحمي، ولا ينسى وهو مأخوذ بهذا المشهد أن يغني ببراءة: هابي برث داي تويو.. لا بأس أن يفرِّج العقل الباطن للشعوب المقهورة عن سنوات الضيم واليأس، تلك ليست صواريخ تردم في مقابر جماعية النساء والأطفال والشيوخ، بل مُجرّد نيازك تُضفي على ليالينا الليلاء أو الحمراء، لمْسة رومانسية ناعمة تُطرِّي سنوات النّكْسة، ولا يُهمُّ كلُّ هذا الخراب، لا يُهِمُّ إذا تداعى العالم مقتحما جميع الأبواب، المُهِم أنّنا نتوفّر على احتياطيٍّ واسِع من الخيال، ولا نعرف هل نُصدق الأنين المنبعث من الأنقاض، أو عازف ساكسفون يقف في مرقص ليلي على الحافة، دعونا مع هذا الأخير، فهو على الأقل يُخْمِد بالموسيقى الحروب، ولا يؤجِّجها إلا في الأجساد!
 
صحيح أنّ الضّرب هناك قريباً من هنالك، ولكن مع الانكماش الباليستي للمسافة الفاصلة بين الحياة والموت، انتقل الضّرْبُ بِعدْواه إلى حناجر كل سُكان المعمور، كأنّ القلب على أهْبة القفز فزعاً من الأفواه، لقد كشف الشّر عن أحقر أسلحة الغدر العابرة للقارات، وما عاد أحدٌ بمأْمن خلف جدار قابل للذّوبان، وأيْقن الجميع أن لا بلد سينجو مستقبلا من أطماع النازية الجديدة، إلا بدرجة تطوره في تكنولوجيا الحروب، نوويّاً طبعا وليس بحرْث النّساء وتفْريخ النّسْل منويّاً!
 
مِنْ ضُعفنا لا نمْلك إلا أن نُغيِّر الأدوار بين كفٍّ وأخرى، واحدة نستعملها لِلّطم نادبين كالنساء، وكفّ نتوسّدُها تحت الخد لِنُمْعِن في النوم قروناً أخرى، وكلما اندلعت حربٌ، نصْطفُّ على طاولة قنواتنا بعشرين ميكروفوناً تحت يافطة مُباشر، الجميع يُحلِّل، يصيح، تغدو الشِّفاه مطاطِّية على الهواء، خطابٌ يُراوح بين اليأس والأمل، أذنٌ تسمع وعين تُلاحق صاروخا في مُربّعٍ آخرَ بالشّاشة، أمّا القلب فهو واجِفٌ ولكنّه من حجر لا يدْمع، لقد مات الإنسان وسواءٌ عليه أدُفِن أو لمْ يُدْفن في المقابر، أصبح روبوطاً بدون مشاعر، هل ثمّة أفظع من أنْ تُسْتَرخَص الأنفس، انظروا كيف تُساق البشريّةُ مسلوبة الإرادة إلى حتْفها كالقطيع، إنّ هذا لأشدَّ نكاية من كل تطبيع، هكذا نحن نُواكب دائما الحدث متأخّرين عن العصر، نُواكب الصواريخ ولا نركبُها فاتحين أندلساً جديدة، ومِنْ ضُعفنا لا نملك نحن وكل الميكروفونات التي نُضاهيها أعْناقاً، إلا أن نتثاءب كُلّما ردّد المُذيع نفس الجملة: متى يستيقظ العرب !

ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 19 يونيو 2025


              

















MyMeteo




Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار