
العلم الإلكترونية - عبد الله جداد
في لحظة خشوع أمام الروضة الشريفة بالمسجد النبوي؛ غلبت الدموع الحاج المغربي "سعيد صالح"، الذي جاء إلى الحج حاملاً همّ المرض الذي يخشى أن يداهمه أثناء أداء المناسك وينغص عليه رحلة العمر، وعند فراغه من الصلاة قال لنفسه بثقة: "أنا وزوجتي من ضيوف الرحمن وفي بلد الشرفاء وما رأيته في المملكة العربية السعودية يثلج الصدر ويبعث على الطمأنينة".
الحاج سعيد صالح أصيب مؤخراً بالفشل الكلوي، ورغم ما عاناه منذ إصابته بالمرض، إلا أنه قرر أن يحج إلى بيت الله الحرام هذا العام؛ واثقاً في الرعاية الفائقة التي تقدم لحجاج بيت الله الحرام، حيث يعبّر عن ثقته قائلاً: "زوجتي كانت منزعجة لأنني لم أجد من يرافقني، لكننا ضيوف الرحمن، ونحن في بلد الشرفاء، قالوا لي لا تقلق من مرضك، واستقبلتني الأيادي بحب".
الحاج سعيد أعرب عن امتنانه للخدمات الصحية الكبيرة التي وجدها منذ لحظة وصوله؛ حيث وجد مستشفيات مجهّزة بكل ما يحتاجه، وخاصة مركز الكلى في مستشفى الملك فهد، الذي خصصت له وزارة الصحة صالة خاصة لحجاج الكلى، مزوّدة بأحدث الأجهزة وتدار بكفاءة عالية.
ولم يكن صالح المستفيد الوحيد، بل نُظّمت الجلسات له ولغيره مسبقاً بالتنسيق مع البعثات الطبية، ما جعل الخدمة أكثر راحة وسلاسة، حيث لا يُكتفى باستقبال الحجاج فقط، ولكن تشملهم رعاية كاملة، ترافقهم في كل خطوة.
"أتمنى أن يقدرني الله على إتمام مناسك الحج، وأسأل الله أن يرفع من شأن المملكة وينميها"... هكذا أنهي الحاج المغربي حديثه.
قصة سعيد ليست استثناءً، بل واحدة من القصص الملهِمة لحجاج مغاربة، عاشوا هذا العام تجربة فريدة في ضيافة المملكة، بين رعاية صحية متقدِّمة، وتنظيم أمني دقيق، وخدمة إنسانية لا تعرف التمييز.
"طريق مكة".. الأمن والكرامة في آنٍ واحد

ومن أبرز المبادرات التي لمسها الحجاج المغاربة هذا العام، كانت مبادرة "طريق مكة" التي أطلقتها وزارة الداخلية السعودية منذ عام ٢٠١٧، وتندرج ضمن رؤية السعودية 2030، والتي يتم تطبيقها هذا العام في مطار الملك محمد الخامس بالرباط.
المبادرة تقوم على إنهاء جميع الإجراءات داخل مطارات المغادرة حتى وصول الحجاج إلى مقارّ سكنهم، والتي مثّلت نقلة نوعية في تجربة الحج، وتذليل العقبات التي تواجههم، بدءاً من إصدار تأشيرات الحج إلكترونياً، ومروراً بإجراءات بلد المغادرة، حتى استقبالهم ووصولهم إلى مقارّ سكنهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة، إضافةً إلى خدمات ترميز وفرز الأمتعة وتسجيلها بأسماء أصحابها، وتسليمها لهم في مقارّ سكنهم، دون الحاجة للانتظار في صالات الوصول، ووفق ترتيبات النقل والسكن في السعودية.
ويقول الحاج "عبد الله صبري"، من الدار البيضاء: "أتيت مرشداً مرات عديدة، لكن هذا العام كان مختلفاً. جميع الإجراءات أُنجزت في المغرب، من الجوازات إلى التفتيش، ولم نعانِ أي تأخير. ودّعنا المعاناة الطويلة في المطارات".
وفي كل زاوية من الرحلة، أحسّ الحاج "أحمد موحيا" وكأنه ما زال في بلده، لِما وجده من سرعة إجراءات وراحة تنقّل، معرباً عن دهشته من سرعة الإجراءات وسلاسة التنقل، مضيفاً: "عشنا مبادرة طريق مكة كأننا نتنقل بين مدن داخل المغرب، لم أتخيل أني سأرى هذا المستوى من التنظيم والدقة".
أما "المعطي أحمد"، المشرف الديني، فرصد التحسينات المستمرة عاماً بعد عام، لا سيما في إجراءات السفر والأمتعة، مؤكداً أن الحجاج يصلون إلى مساكنهم براحة؛ كأنهم على متن رحلة داخلية.
وختم حديثه بالدعاء لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، بأن يوفقهما الله لما فيه خدمة الإسلام والمسلمين، خاصة في مواسم الحج المباركة.
من جانبه، تحدّث الحاج سعيد بوسوح من خريبكة، عن الامتنان الكبير لكونه تمكّن من مرافقة والده المسن لأداء الحج، مشيداً بهذه المبادرة التي سهّلت على أهله -من كبار السن- إجراءات الدخول والتسجيل".
محطة راحة.. وصلاة مطمئنة

في الطريق -الواصل بين المدينة المنورة ومكة المكرمة- اكتشف أحد الحجاج المغاربة مسجد الأمير سلطان بن سلمان، وأصبح من حينها مغرماً بالمسجد، وفي زيارته الأخيرة؛ أصرّ أن يطلب من السائق التوقف عند مسجد الأمير سلطان بن سلمان، قائلاً:
"صليت فيه عدة مرات، المكان نظيف، والمرافق مريحة، السعودية خفّفت عنا مشقة الحج، ووفّرت لنا كل ما يجعلنا نعيش هذه الرحلة المباركة براحة وأمان".
وأضاف: "الله خفف عنا الحج بالمواصلات والطرق والفضل للمملكة العربية السعودية، المملكة السعودية خفّفت عن الحجاج كل تعب وكل ما هو ثقيل على الحاج".
وتابع: "قلت للسواق وقف هنا.. فيه مسجد الناس يرتاحون فيه".
رحلة إيمان على ظهر الخيل

ومن أكثر القصص إلهاماً؛ قصة حاج مغربي وثلاثة حجاج إسبان، قرروا أداء الحج بعد رحلة شاقة على ظهور الخيل، قطعوا فيها آلاف الكيلومترات حتى وصلوا إلى منفذ الحديثة الحدودي، حيث استُقبلوا بحفاوة كبيرة من رجال الأمن والمسؤولين في منطقة الجوف.
وتشارَك مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر فيه الحجاج الأربعة مُغبرّين ومنهكين لدى وصولهم إلى الأراضي السعودية، والمسؤولون يستقبلونهم بالتصفيق والحفاوة، بعد رحلتهم التي استغرقت أسابيعَ عدة.
وكان في مقدمة مستقبليهم مدير مركز الحديثة، الذي وصف رحلتهم بأنها "رمز قوي للإيمان والالتزام".
وأجرى المسؤولون السعوديون فحوصاً صحية للحجاج الأربعة، وقدموا لهم المرطبات والإرشادات اللازمة، بينما أقامت جمعية تنمية الحديثة حفلة استقبال على شرف الحجاج الأوروبيين والحاج المغربي. وأهدتهم باقات ورود ولوازم الضيافة المعتادة.
هذه القصص ليست حكايات عابرة، بل شهادات حيّة على الدور الذي تقوم به السعودية، من الناحية الصحية والأمنية وتوفير الخدمات اللوجيستية، وتسهيل الطرق والمواصلات، لجعل موسم الحج تجربة لا تُنسى.